فتاوى مختارة: عدد ركعات التراويح
س: كم عدد ركعات التراويح؟ ومتى تبدأ؟ اطلعت على السؤال المذكور أعلاه، وأفيد-والله اعلم- أن الصحابة رضوان الله عليهم-كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه- في شهر رمضان بالمساجد جماعة، وبأمره عشرين ركعة، ثم يصلون الشفع والوتر جماعة أيضا. وما رواه مالك-رضي الله عنه- في الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد انه قال: “أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب، وتميما الداري أن يقوما للناس إحدى عشرة ركعة”، لم يسلمه النقادة ابن عبر البر، وتأوله بواحد من ثلاثة وهي: 1) أن مالكا انفرد في رواية هذا الحديث الذي رواه واحد وعشرون -وهو الصحيح- بقوله: “إحدى عشرة ركعة”، ولا اعلم أحدا قال فيه إلا مالكا. 2) يحتمل أن يكون ذلك أولا، ثم خفف عنهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة. 3) الأغلب عندي أن قوله: “إحدى عشرة” وهم. وتعقب العلامة الزرقاني ابن عبد البر ورد ما تأول به الحديث فقال: قوله: إن مالكا انفرد بهذا الحديث ليس كما قال، فقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن محمد بن يوسف، فقال: “احد عشرة ركعة”، كما قال مالك، وروى سعيد بن منصور عن عروة أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بالرجال، وكان تميم الداري يصلي بالنساء، ورواه محمد بن نصر عن عروة فقال: بدل تميم سليمان بن أبي حثمة. وقوله: الأغلب عندي أن قوله: “إحدى عشرة ركعة وهم” ليس هناك من وهم، والاحتمال الذي ذكره ابن عبد البر في الجمع بين مختلف ما روي من أحاديث في هذا الموضوع قريب، وقد جمع به البيهقي أيضا بينهما. اذن عمل عمر بن الخطاب الذي توفي عليه، والذي استمر عليه عمل الناس بعده مشرقا ومغربا هو أن قيام شهر رمضان ثلاث وعشرون ركعة. وبعد وقعة الحرة بالمدينة المنورة صلى من كان في زمن الخليفة الراشد عمر ابن عبد العزيز-رضي الله عنه- وبأمر منه ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر، لما رأى في ذلك من المصلحة لأنهم كانوا يطيلون في القراءة إطالة توجب السامة والملل، فأمرهم بتقصير القراءة وزيادة الركعات، وأمر القراء أن يقرؤا في كل ركعة عشر آيات، عن نافع قال: “لم أدرك الناس إلا وهم يقومون بتسع وثلاثين ركعة، يوترون منها بثلاث”، وعن عبد الله بن عمر بن حفص قال: “حدثني غير واحد أن عمر بن عبد العزيز أمر القراء يقومون بذلك، ويقرؤون في كل ركعة عشر آيات”. وعمل الناس على عهد عمر بن عبد العزيز هو اختيار إمام دار الهجرة مالك ابن انس-رضي الله عنه- وقد أبى أن يفتي الأمير الذي أراد أن ينقص من قيام رمضان على الستة والثلاثين ركعة، قائلا: إن هذا ما أدركت الناس عليه وهو الأمر القديم الذي لم يزل الناس عليه... ونهاه عن ذلك. ورجح بعض فقهاء المذهب المالكي عمل عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- وهو أن قيام شهر رمضان ثلاث وعشرون ركعة، معللا ذلك باجتماع الأمر في جميع الأمصار عليه، ولذلك صدر به خليل في مختصره فقال:“وتراويح.. ثلاث وعشرون، ثم جعلت ستا وثلاثين”، وهو المفتي به في المذهب. ورغم إجلالنا للخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز-رضي الله عنهما- فان خير الأمور ما كان على عهده صلى الله عليه وسل. “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”، والرسول صلوات الله وسلامه عليه لم يزد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة لا في شهر رمضان ولا غيره، وحسبنا إتباعه روت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- قالت: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة”، وما حدثت به هو اغلب أحواله عليه الصلاة والسلام. والقيام الذي يقومه الناس جماعات بالمساجد في شهر رمضان مشروع في السنة كلها ولكنه في شهر القرآن مرغب فيه أكثر لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ولم يأمر فيه بعزيمة ولم يذكر فيه عددا، وانتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى وأمر المسلمين على ذلك في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر-رضي الله عنهما-. وأما ما رواه عبد بن حميد، والطبراني من طريق أبى شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر” ومن المنكرات فأبو شيبة ضعفه احمد وابن معين والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وكذبه شعبة وقال عنه ابن معين: ليس بثقة، وعد هذا الحديث من منكراته هذا أولا، وثانيا فعائشة زوج النبي اعرف بقيامه، وحسبنا ما روته في ذلك، ويزيده دعما أن طول القيام في الصلوات أفضل من كثرة الركوع والسجود على المعتمد في مذهبنا المالكي كما في حاشية العدوى على الخرشى ويقويه انه صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تورمت قدماه. وأما متى تبدأ فالجواب أن القيام الذي تقومه الناس في شهر رمضان بالمساجد جماعة مندوب إليه في السنة كلها يوقعونه في بيوتهم، ولكنه في شهر رمضان مرغب فيه أكثر كما أسلفت ولكي يتمكن عامة الناس من القيام بالقرآن كله يسمعون كلام ربهم في شهر القرآن أفضل الشهور. ومن هنا فالشروع في ذلك في أول ليلة يقينية من شهر رمضان بعد العشاء في المساجد جماعة. هذا ما أفيد به والله الموفق للصواب وهو حسبي ونعم الوكيل.