فتاوى مختارة: خطبة الجمعة باللغة المحلية
تعميما للفائدة نورد لقراء موقع: (الإسلام حقائق وأعلام ومعالم) أجوبة عن أسئلة تقدمت بها الهيآت والجمعيات الإسلامية في أروبا والأمريكيتين إلى أهل الذكر من العلماء والفقهاء والمفتين والمجامع والهيآت. وقد كنا أحلنا بعض هذه الأسئلة على فضيلة الشيخ كمال جعيط حفظه الله وسلمه مفتي الجمهورية السابق فبادر مشكورا بالإجابة عليها. وها نحن نبادر بنشرها تباعا وستتلوها بإذن الله اجابات أخرى تفضل بها بعض العلماء الأعلام إنارة للسبيل وقياما بالواجب. خطبة الجمعة باللغة المحلية 1) السؤال الأول: هل يجوز إيضاح خطبة الجمعة باللغة المحلية التي يتفاهم بها الناس مع قراءة الآيات والأحاديث التي ستشهد بها في الخطبة باللغة العربية؟ والجواب: لقد ذكر الفقهاء أركانا لخطبة الجمعة هي عند الحنفية تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة إذ المطلوب السعي إلى ذكر الله. وقد ورد مطلقا إذ قال تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله) وهو يشمل القليل والكثير. واشترط صاحباه أن يكون الذكر طويلا مما به تسمى خطبة، ورأى المالكية أن ركن الخطبة اقل ما يطلق عليه خطبة عند العرب ولو سجعتين نحو: اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما نهى عنه وزجر. ولا يجزي تكبيرة أو تهليلة. وجزم ابن العربي إن اقلها حمد الله والصلاة على النبي وتحذير وتبشير وقراءة شيء من القرآن. وذهب الشافعية إلى أن أركانها هي حمد الله بلفظ الحمد لله والصلاة على النبي، وذكر النبي باسمه أو صفة من صفاته، والوصية بالتقوى، والدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية، وقراءة آية. واستدلوا على هذه الأركان بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله (صلوا كما رأيتموني اصلي). وعند الحنابلة مثل الشافعية وزادوا الموالاة بين الخطبتين وبينهما وبين الصلاة والجهر وعدهما الآخرون من الشروط وهو أولى. وأما الشروط، فقد اتفق الفقهاء على بعض الشروط لصحة الخطبة وهي: وقوعها في وقت الجمعة، وأن تكون قبل صلاتها، وحضور الجماعة. واختلفوا بما تنعقد، فعند أبي حنيفة بواحد مع الإمام، وعند المالكية تنعقد باثني عشر من أهلها، وعند الشافعي بأربعين ورفع الصوت بها بحيث يسمعه العدد المعتبر إن لم يعرض مانع. وقد اختلفوا في بعض الشروط من بينها كون الخطبة بالعربية بعضهم يرى ذلك تعبدا للأتباع، والمراد أن تكون أركانها المتقدمة الذكر بالعربية لأنها ذكر مفروض فيشترط فيه العربية كالتكبير للإحرام ولو كان الجماعة عجما لا يعرفون العربية. وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء. وخالف في ذلك أبو حنيفة. والمعتمد عند الحنفية أن الخطبة تصح بغير العربية ولو كان الخطيب عارفا بها. ووافق صاحباه مذهب الجمهور في اشتراط كونها بالعربية إلا لعاجز عنها، بل ذهبت المالكية إلى أنه عند العجز عن الإتيان بها بالعربية لا تلزمهم الجمعة ويصلونها ظهرا. واشترطوا في الخطيب أن يكون عارفا معنى ما يقول فلا يكفي أعجمي لقّن ما يقول من غير فهم. وعند الشافعية يجب على الجميع تعلم العربية وهو فرض كفاية إن زادوا على أربعين، فإن لم يفعلوا عصوا. لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الجميع وإلا أثموا جميعا ولا جمعة لهم بل يصلونها ظهرا. فإن قيل ما الفائدة أن تكون الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم؟ فالجواب أن الفائدة العلم بالوعظ من حيث الجملة، فإذا سمعوا الخطبة ولم يعرفوا معناها تصح، وإن لم يمكن تعلمها خطب واحد بلغته وإن لم يعرفها القوم. فإن لم يحسن احدهم الترجمة فلا جمعة لهم لانتفاء شرطها. وبناء على ما نقلنا نقول الخلاصة: يجب افتتاح الصلاة بالعربية من حيث الحمدلة والصلاة على الرسول، وله أن يقرأ الخطبة ويترجم للحاضرين باللغة المحلية لأن المقصود من الخطبتين الوعظ والإرشاد. ويجب أن يقرأ الآية القرآنية كما نزلت ويفسرها لهم بلغتهم المحلية حتى يتحقق المقصد الأصلي من الخطبة وهو النصح والإرشاد والتوجيه والتعليم. وإنما وقع الاشتراط أن يكون مفتتح الخطبة من حمدا لله وشكره والصلاة على النبي وذكر الآية باللغة التي نزلت وشرحها لهم بلغتهم المحلية وذكر الحديث كما ورد عن الرسول ثم شرحه لهم بلغتهم المحلية لكمال الفائدة التي من اجلها شرعت الخطبتان. وإن تشدد بعض المذاهب لاعتبار أن تكون الخطبتان بالعربية وذلك لاعتبارين: أولهما أنهما ذكر مفروض وهو جزء من العبادة، وثانيا تحريض المؤمنين على تعلم العربية إذ هي اللغة التي نزل بها القرآن كما قال تعالى (انه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين). والله اعلم واحكم. كمال الدين جعيط مفتي الجمهورية التونسية سابقا