فتاوى مختارة : حشو الأسنان بالذهب جائز شرعا
سؤال: هل يجوز حشو الأسنان المسوسة بأي شيء أو تركيب غطاء لها بمعدن من المعادن كالذهب والفضة والبلاتين. وما حكم المضمضة في الوضوء والاغتسال مع عدم وصول الماء تحت سن ذهب أو فضة أو بلاتين من الفم؟ الجواب: إن المضمضة كما عرفها العلامة الشوكاني في نيل الأوطار: (هي أن يجعل الماء في فمه ثم يديره ثم (يمجه) وقال النووي واقلها أن يجعل الماء في فمه، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور وعرفها العلامة الشرنبلالي من الحنفية بأنها استيعاب الماء جميع الفم. وقال محشيه الطهطاوي-والإدارة والمج ليسا بشرط- فلو شرب الماء غبا أجزاه ولو مصا لا يجزئه- والأفضل أن يمجه، لأنه ماء مستعمل-والسنة المبالغة فيها لغير الصائم. وقد اختلف الفقهاء في حكمها في الوضوء والغسل فذهب احمد وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وأبو بكر بن المنذر إلى وجوبها فيهما وبه قال ابن أبي ليلى وحماد بن سليمان لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أمر رسول الله بالمضمضة والاستنشاق) وذهب مالك والشافعي والاوزاعي فقيه الشام والليث بن سعد فقيه مصر والحسن البصري والزهري وربيعة وقتادة ويحي بن سعيد وابن جرير إلى عدم وجوبها فيهما. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وزيد بن علي إلى أنها فرض في غسل الجنابة، وسنة في الوضوء. ورجح العلامة الشوكاني القول بالوجوب فيهما.. فعلى القول بعدم وجوبها لا يصح ما وجبت فيه من وضوء أو غسل إلا بها. ويلزم أن يصل الماء حتى الأسنان والأضراس في الفم حتى يتحقق استيعاب الماء جميع الفم فان كانت الأسنان والأضراس بحالتها الطبيعية فالأمر ظاهر وان كان فيها تجويف يبقى فيه شيء من الطعام. ففي فتح القدير في فصل الغسل (ولو كان سنه مجوفا أو بين أسنانه طعام أو درن رطب أي في انفه يجزئه لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا، وإذا كانت في أسنانه تجويف يبقى فيها الطعام لا يجزئه ما لم يخرجه ويجري عليها الماء. وفي فتاوي الفضلي والفقيه أبي الليث خلاف هذا، فالاحتياط أن يفعل اه،-والدرن اليابس في الأنف كالخبز الممضوغ والعجين يمنع) اه فتح. وفي الفتاوي الهندية (والعجين في الظفر يمنع تمام الغسل، والوسخ والدرن لا يمنع، والقروي والمدني سواء والتراب والطين في الظفر لا يمنع. والصرام والصباغ- ما في ظفرهما يمنع تمام الغسل وقيل. كل ذلك يجزئهم للحرج والضرورة ومواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع كذا في الظهيرية) اه ويعلم من ذلك أن هناك خلافا في صحة الغسل مع وجود بعض الطعام في تجويف الأسنان والأضراس وان الاحتياط ففي إخراجه وإيصال الماء في التجويف، وهذا ظاهر في المواد الغريبة التي تبقى في تجاويف الأسنان ويمكن إخراجها بالمضمضة أو معها. أما حشو الأسنان والأضراس بما يسد فجواتها في الصناعة أو تغطيتها بمعدن كالذهب أو الفضة أو البلاتين أو نحوها أو شد بعضها إلى بعض بالأسلاك المعدنية بحيث أصبح الحشو والغطاء كأنه جزء من الأصل متصل به اتصالا شابتا مستقرا وكذلك السلك المشدود به. فالظاهر من القواعد العامة انه لا يجب في الوضوء والغسل إزالتها بل يجري عليها الماء بحالتها الراهنة ولا يجب غسل ما تحت الحشو والغطاء إلا الأسلاك لما في ذلك من بالغ الحرج والمشقة وهما مندفعان في التشريع قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وأي حرج اشد من إلزام المتوضئ والمغتسل إزالة ذلك وهو لم يلجأ إليه إلى للضرورة الصحية ودفعا لألم شديد. * وقد أباحوا للمرأة في الغسل دفعا للحرج أن لا تنقض ضفائرها إذا بلغ الماء أصول الشعر وان لا تبل ذوائبها ولم يوجبوا غسل داخل العينين، وقالوا إن مواضع الضرورة مستثناة من قوله تعالى فاطهروا (راجع العناية والفتح في باب الغسل) فلا يجب إيصال الماء لما تحت الحشو أو الغطاء أو السلك على القول بوجوب المضمضة في الوضوء والغسل في حشو الأسنان والأضراس أو عطائها فجائز للضرورة، فقد ثبت أن عرفجة بن سعد الكناني أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فانتن فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يتخذ أنفا من ذهب. وان كثيرا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب مثل موسى بن طلحة وأبي رافع وثابت التباني وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد الله ورخص فيه الحسن البصري والزهري والنخعي وأئمة الحنفية، وفي التتار خانية (إذا جدع انفه أو أذنه أو سقط سنه فأراد أن يتخذ سنا أخرى، فعند الإمام يتخذ ذلك من الفضة فقط، وعند محمد من الذهب أيضا) اهـ. فقد أبيح من الذهب والفضة ما دعت الضرورة إليه بل روى العلامة ابن قدامة عن أصحاب الإمام احمد إباحة يسير الذهب ويقاس الذهب على الفضة، وان يباح من الفضة للرجل الخاتم وحلية السيف والمنطقة ومثلها الخوذة والحمائل وما أشبهها للحاجة. وفي البخاري أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب منه سلسلة من فضة، وانه أباح من الذهب للرجل ما دعت إليه الضرورة كالأنف في حق من قطع انفه وربط الأسنان التي يخشى سقوطها ورخص الإمام احمد في حلية السيف اهـ بتصرف، وفي فتح القدير والزيلعي ما يفيد الترخيص في استعمال قليل الذهب والفضة إذا كان تابعا لغيره فأجازوا الشرب في الإناء المفضض والركوب على السرج المفضض والجلوس على الكرسي المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة في الاستعمال، وكره ذلك أبو يوسف، وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما، وكذلك إذا جعل ذلك في السيف والمشحذ وضلفة المرآة أو جعل المصحف مذهبا أو مفضضا أو كتب على الثوب بذهب أو فضة اهـ ملخصا. فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز سواء أخذنا بما روى عن الإمام احمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد من الحنفية-أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها. ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال. والله تعالى اعلم.