عقد الاشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك: عامل انسجام وصمام أمان

عقد الاشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك: عامل انسجام وصمام أمان


في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك هذا البيت من منظومة ابن عاشر يحفظه عن ظهر قلب العوام الأميون فضلا عن المتعلمين وأهل الذكر من المتفقهين من أبناء تونس والمنطقة المغاربية وما وراءها من البلدان الافريقية ويتخذونه عنوانا لهويّتهم الدينية وخصوصيتهم المذهبية وقد رسّخت هذا الشعار (العقيدة الأشعريّة والمذهب المالكي والطريقة الجنيدية) عوامل عديدة موغلة في التاريخ تمتدّ إلى عهد الفتح الإسلامي المبكر. لم تلبث أن تجذّرت عن طريق علماء أعلام وفقهاء كبار إرتووا من المنبع الصافي العذب حيث شدّوا الرحال إلى مهبط الوحي وتلقوا عن عالم المدينة وتلاميذه ثم عادوا إلى هذه الربوع حيث التفّ بهم أبناؤها وجعلوهم قدوتهم وأسوتهم، فهم أهل الذكر الذين أمرنا الله أن نسألهم ونعود إليهم في كل شأن من شؤون الدين (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) لأنهم تفقّهوا في الدين و(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) فالعلم يحصل بالتعلم والعلم يرفع درجة صاحبه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وعقد الأشعري الوارد في بيت منظومة المرشد المعين المقصود به هو ما اصطلح عليه بعقيدة أهل السنّة والجماعة. وهذه العقيدة يرفعها شعارا ويتخذها عنوانا أكثر من طرف من جمهور الأمة ولأن المسألة دقيقة وذات تأثير كبير وخطير فإن العلماء وهم أهل الذكر وورثة الأنبياء أقاموا على هذه العقيدة السنيّة السنية الأدلة النقلية والعقلية وهي أدلة لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض. فالنقل من كتاب الله العزيز الذي تعهد الله بحفظه حين قال جلّ من قائل (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) والسنّة النبوية الصحيحة الثابتة الورود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل العدول الضبّاط. والعقل السليم الذي هو سبب الاستخلاف وسبب التكليف وسبب التكريم والتفضيل. عقل دعا المسلمين للتدبر والتفكر والاعتبار في كل ما سوى الله مما خلق وبثّ. ـ وأبو الحسن الأشعري الآخذ بأفضل ما عند أهل الرأي من أدلة لنصرة العقيدة ودفع الشبهات والمتمسك بالنصوص الشرعية الناظر فيها بكل ما تقتضيه العقيدة من تسليم لله وملائكته ورسله بالصفات اللائقة والواجبة الاعتقاد والتي في طليعتها تنزيه الله تبارك وتعالى عن كل شبيه وندّ فهو سبحانه وتعالى مخالف للحوادث ليس كمثله شيء. منزه في صفاته لا يسعه حيّز من زمان أو مكان وما يقتضيه ذلك من تأويل لكل ما ورد في الكتاب العزيز وفي السنة النبوية من صفات توحي ظواهرها بالتشبيه والتجسيم والتحيّز. وإذا كان أسلاف الأشعري من الصدر الأول قد فوّضوا وسلموا وكانوا كما قال مالك في قضية الاستواء (الاستواء معلوم والكيف مجهول..) فإن ظرف المتأخرين ممن جاؤوا بعدهم من أيام الأشعري كانوا ملزمين بحكم ما انتشر بين الناس من جدل وبحث في هذه القضايا العقديّة فرض عليهم أن يعودوا إلى تلك النصوص من الكتاب والسنة ليأولوها بما تقتضيه العقيدة: عقيدة التوحيد التي فطر الله الناس عليها. ـ العقيدة الأشعريّة السنية السنيّة هي عقيدة جمهور علماء الأمة من الباقلاني إلى الجويني إلى الغزالي إلى ابن العربي إلى ابن عاشور، إنها عقيدة التوحيد والتنزيه التي يقتضيها العقل السليم والتفكير القويم والفهم العميق البعيد المدى لنصوص الكتاب العزيز وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة الورود. ـ عقد الأشعري دون الدخول في التفاصيل والجزئيات هو هذه العقيدة التي تلقتها الأمة بالقبول فانتشرت مشرقا ومغربا وكانت ولا تزال عقيدة العلماء الأعلام المدقّقين والمحقّقين المتمكنين من علوم الوسائل والمقاصد والذين أفنوا أعمارهم في تحصيل العلوم الشرعية بتجرد وإخلاص ولاقوا الله على هذه العقيدة وتضمنتها مؤلفاتهم ورسائلهم. وهذه العقيدة هي التي ظلّت إلىعهد قريب المقرّر في المناهج الدراسية بالجامعات الإسلامية العريقة في الزيتونة والقرويين والأزهر وغيرها. ـ أما فقه مالك فهو فقه إمام دار الهجرة وعالم المدينة مالك بن أنس الذي ولد وترعرع وعاش وتوفي في المدينة تلقى علمه عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ـ فقه مالك الذي جمع بين الأثر والرأي، الأثر في النصوص من كتاب وسنة وآثار هي عمل أهل المدينة في ما الشأن فيه النقل والرأي في ما إختص به مذهب مالك من عمل بالمصلحة المرسلة وهي المصلحة المسكوت عنها مما فيه المجال الرحب لمراعاة مصالح الناس المتجدّدة. ـ فقه مالك الذي أثراه بعطائهم الغزير علماء أعلام الكثير منهم من أهل هذا الجناح الغربي من العالم الإسلامي من أمثال علي بن زياد وأسد بن الفرات وسحنون وإبن أبي زيد وإبن عبد السلام وابن عرفة والشاطبي وعياض إلى ابن عاشور وجعيط والنيفر وغيرهم لا يحصى لهم عدد علماء «أعلام» آثارهم تدلّ عليهم، علم محرّر مدقق فيه تنوير وفيه مواكبة للمستجدات تجسيما لمقولة صلوحية الإسلام لكل زمان ولكل مكان والتي لا تتحقّق إلا بالاجتهاد الذي ينبغي أن يظل بابه مفتوحا أمام أهله من العلماء الأعلام فرادى ومجتمعين. ـ أما طريقة الجنيد السالك فليست سوى المرتبة الثالثة من مراتب الاسلام التي هي الاحسان. ـ والإسلام هو دين ذي الثلاث (إيمان وإسلام وإحسان) والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، مرتبة لا تتعارض فيها الشريعة مع الحقيقة بل يتطابقان ويتلازمان إذ بهما معا بالظاهر والباطن تتكامل مكوّنات الدين (الايمان والإسلام والإحسان). ويتحقق بها ومنها للمسلم مرضاة الله وتمحيص العمل والإخلاص فيه لله ربّ العالمين (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وبها ومنها تصلح الأحوال وتستقيم الأعمال وتسلم تصرفات الإنسان فيسلم الناس من لسانه ويده بل ومن قلبه الذي يعمره الذكر فيطمئن ويشع بالأنوار وتلك كانت أحوال سلف الأمة الصالحين (الذين آمنوا وكانوا يتقون) وحاشا هؤلاء أن يتحملوا جريرة أعمال وإدعاءات الدخلاء ممن يتحللون من الضوابط الشرعية ولا يتقيّدون بها، ذلك في اختصار شديد هو المراد من قول ابن عاشر رحمه الله في منظومته المشهورة المحفوظة عن ظهر قلب المتضمنة لقوله (في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك) هذه المنظومة تضمنت المعلوم من الدين بالضرورة كانت ولا تزال صمام الأمان لأهل هذه الربوع التونسية وأهل الغرب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.