صَدَى القرآن الكريم في الشرق والغرب
ظهر الإسلام، وحل بـخيره، وخيم بخيله ورجله على أنحاءٍ كثيرة من العالم في فترات متعاقبة، حتى بلغ حدود الصين، ووصل إلى نهر السين، فأخذت الشعوب تتطلع إلى هذا الوافد الجديد، وتَرْقُبُ ما يدعو إليه، وتراقب عن كَثَب ما جاء به، في حين أنه كان يحمل معه المعارف والعلوم، والحضارة والأخلاق، والتشريع الذي فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة؛ وقد صدق التّابعيُّالجليل: رِبعيُّ بن عامر (رضي الله عنه) حين وقف بين يدي رُسْتُم قائدِ الفرس، وقد سأله: ما جاء بكم؟ فقال له: الله ابتعثنا لِنُخْرج مَن شاء مِنْ عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه. ولما جاء العصر الحديث، وتقاربت البلدان، تسارعت كثير من دول الشرق والغرب، إلى إقامة علاقات وطيدة، في ميادين عديدة، ومنها بالخصوص: الميدان العلمي والثقافي. فنَشِطَ منذُئِذ: المستشرقون .. والمبشرون ..والمستعمرون .. ورجال البعثات .. كُلٌّوغايتُه ..ولنأخذ على ذلك مثالا حيا: ففي عام (١٠٥٧ ه=١٦٤٧ م) قام أندريه دي ريه (A. Du RYER) قنصل فرنسا في مصر بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية لأول مرة في تاريخ أوربا، ثم أصدرها بعد عشر سنوات أخرى، أي: في عام (١٠٦٨ ه=١٦٥٧ م)، فكان لها صدًى كبير فيالأوساط الأوربية، بحيث لَقِيَتْ رواجا وتأثيرا لا نظير له. وبعد نحو مائة وست وثلاثين سنة، وبالتحديد: في عام (١١٩٨ ه=١٧٨٣ م) ظهرت ترجمة أخرى بالفرنسية للمستشرق سفاريه (SAVARY)، وعن طريق ترجمته هذه، انتقلت معاني «القرآن الكريم» إلى العديد من لغات أوربا: كالإنجليزية، ثم الهولندية، وعن الهولندية نُقِلَتْ إلى الألمانية ، وهكذا دواليك. ثم فُتِحَ البابُ على مصراعيه، فتراكمت ترجمات معاني «القرآن الكريم» حتى شَبَّتْ عن الطَّوْق، وقد استقرأها العلامة الدكتور محمد حميد الله في أكثر من أربعين صفحة في مقدمة ترجمته، معظمها بأقلام مستشرقين أو باحثين غربيين. ومِنْ بَيْنِ هذه الترجمات، نجد ترجمةً واحدةً لعالم مسلم: هو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد حميد الله يرحمه الله ( ت ١٤٠٢ ه= ٢٠٠٢ م) ، ظهرت بباريس وطُبِعَت في عام (١٣٧٩ ه=١٩٥٩ م)، وكان السبب في وضعها: وُرُود سؤالٍ عليه فَحْوَاه: هل هناك ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالفرنسية بقلم عالم مسلم؟ فأجاب بالنفي. إنّترجمة العلامة محمد حميد الله تَحْظَى في أوْساط فرنسا والبلدان الناطقة باللغة الفرنسية برواج كبير لا يوصف، حتى أنها طُبِعَتْ في حياته نحو (عشرين) طبعة. 1قال الدكتور مراد هوفمان (الألماني المسلم) في كتابه (الإسلام كبديل ص ٥٠): واليوم نجد بين أيدينا أكثر من اثنتين وعشرين ترجمة ألمانية تامة للقرآن، على أن ترجمة واحدة فقط قام بها مسلم سُنِّيٌّ ألماني/ (مصري). 2أنظر ترجمته الحافلة في كتابي: (علماء أقمار من عدّة أقطار). طبع مجلة الأصيلة بفاس/ المغربعام 1436هـ = 2015م.