رعاية المعوق تجسيم لهدي الإسلام في الرحمة والتضامن

رعاية المعوق تجسيم لهدي الإسلام في الرحمة والتضامن


تتجلى مظاهر الرحمة في تعاليم الإسلام عندما ننظر في عنايته الفائقة الشاملة بالإنسان في كل أحواله واطواره ومهما كانت الفئة التي ينتمي إليها. فالإنسان هو محور رسالة الإسلام تكرس عباداته ومعاملاته وكل الهدي الذي جاء به من عند الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام غاية واحدة ألا وهي إسعاد الإنسان السعادة الكاملة والحقيقية: جسدا وروحا وعاجلا وآجلا. فدرء المفسد عنه وجلب المصلحة له هي جوهر الإسلام ولبه. وحتى العبادات التي هي حق الله على عباده (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإنها بعد تحقيقها للامتثال والطاعة وأداء واجب الشكر للمنعم الأوحد جل وعلا فإنها بالإضافة إلى ذلك تحقق للقائم بها مصالح وفوائد عاجلة في حياته الدنيا وفي جسده الذي هو به مع الروح إنسان. فالصلاة والصيام والحج لا تخفى فوائدها الجسمية البدنية بالنسبة للقائم بها والمؤدي لها على أحسن الوجوه وأتمها. وقد اهتدى أهل الذكر من علماء الأجساد أي الأطباء وغيرهم إلى فوائد جمة ومصالح كثيرة تتحقق للمسلم بهذه الحركات في الصلاة التي تسبقها طهارة ونظافة حسية فعلية وكذلك الشأن بالنسبة للحج فانه يريد القائم به نشاطا وحيوية وصحة وعافية، أما الصوم فهو المصحة المجانية التي يدخلها المسلم الصحيح المعافى كل عام لمدة شهر كامل، هي استراحة للجسم من آفة الأكل بنهم وشراهة على امتداد احد عشرة شهرا، إذ المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإذا كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للماء وثلث للنفس، والمسلم العاقل يأكل ولا يسرف، ولا يأكل إلا عندما يجوع وإذا أكل فلا يشبع انه هدي نبوي قويم أثبتت الأيام والتجارب والتقدم العلمي تطابقه مع قواعد حفظ الصحة. والصحة والعافية نعمة عظيمة من نعم الله التي لا تحصى ولا تعد، إنها أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان والهداية، إنها تاج على رؤوسنا لا يبصره إلا المرضى ومن أصبح معافى في جسده عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا كلها. وهذه النعمة (الصحة والعافية) أمانة بين يدي المسلم لا يجوز له أن يعرضها إلى الزوال بكل ما يمكن أن يأتيه من تصرفات غير مسؤولة وطائشة وكذلك باجتناب كل تلك الفواحش والموبقات التي حرمها الله على المسلم وأثبتت التجارب والأبحاث العلمية والطبية أن في كل ما حرمه الله على المسلم المضرة المحققة يظهر ذلك في الخمر والدم ولحم الخنزير وفي الزنا وكل الشذوذات والانحرافات السلوكية. التداوي والأخذ بالأسباب من هدي الإسلام والإنسان في هذه الحياة يمكن إن يصاب في بدنه فيضعف بعد القوة ويعتل بعد السلامة وقد يكون ذلك بسبب الإهمال وقلة العناية وقد يكون ذلك متأتيا من عوامل خارجة عن إرادة الإنسان بوراثة وغيرها وفي كل الحالات فانه لابد من تعاطي الأسباب فإن الله تبارك خلق الداء وخلق الدواء وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي (ألا فتداووا يا عباد الله) وقد تمكن الإنسان عندما اخذ بالأسباب من قديم الزمان من التغلب على الكثير من الأمراض والعلل أو التخفيف من حدتها وشدتها وذلك عن طريق الأطباء وما يأمرون به ويدعون إلى استعماله من أدوية يصفونها للمريض حققت له في الكثير من الأحيان الشفاء مما كان يعانيه قبل عرض حالته على الطبيب. فالآجال بيد الله ولكن الطب استطاع أن يخفف على المصابين والمرضى الكثير مما كانوا يعانون من الآلام الشديدة فعاش هؤلاء المرضى ما قدر الله لهم أن يعيشوه في صحة وراحة ما كان لهم أن ينعموا بها لولا أنهم اخذوا بالأسباب وتداووا. ولا يقول عاقل أن ذلك يخالف مقتضيات الإيمان بل العكس هو الصواب فالأخذ بالأسباب وتغيير ما بالنفس (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) هو ما دعا إليه الدين الحنيف وذلك هو صميم التوكل على الله. الإسلام دين التراحم والإسلام الذي هو دين التراحم والتضامن والتعاون على البر والتقوى يجعل من المسلمين أشبه ما يكون بالجسد الواحد الذي يتداعى كل أعضائه بالسهر والحمى عندما يصاب منه أي عضو مهما كان صغيرا. يهب المسلمون للقيام بمساعدة من يصاب منهم في جسده أو غيره للتخفيف عليه وجعله يشعر انه هنالك من يحس معه بتلك الآلام والأتعاب التي يعانيها وقد جعل الله هذا الشعور بالآلام جبلة في أصول الإنسان وفروعه أما وأبا وأبناء وبناتا ويمتد ذلك الشعور اللاإرادي إلى الأقارب وذوي الأرحام ويجعله الإسلام يشمل كل المؤمنين فهم رحماء بينهم لا يكون الواحد منهم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن لا يرحم لا يرحم والراحمون يرحمهم الرحمان ويجعل الإسلام من هذا الباب (التراحم بين المؤمنين) مجالا فسيحا لاكتساب الأجر والثواب يتنافسون عليه ولا يبتغون من وراء القيام به جزاء ولا شكورا وما أكثرها الآيات البينات والأحاديث الشريفة التي تدعو المسلم إلى بذل المعروف الذي لا يمكن احتقار الشيء القليل منه فالأعمال بالنيات ويبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله ونية المرء خير من عمله ويمكن إن يكون هذا المعروف كلمة طيبة ودعوة بخير تصادف ساعة قبول فيفرج الله ببركتها كرب ذلك المكروب. إن المبتلى المصاب بمرض أو علة أو إعاقة ليس هو بالعبء على غيره من أسرة وأقارب ومجتمع وليس بالكَلِّ انه باب يفتحه الله تبارك لعباده ليبذلوا من خلاله المعروف ويكتسبوا الأجر والثواب من الله وهكذا لا يشعر المصابون المبتلون بالعزلة والتهميش بل يلمسون فعليا وعمليا تضامنا معهم ورحمة بهم ورقة عليهم من طرف الأقارب وغير الأقارب مما يخفف من معاناتهم ويغلبهم في الكثير من الأحيان على النقص الذي شعروا بهم فيكتشفون طاقات أخرى خلقها الله فيهم يستطيعون الإضافة من خلالها. إن المبتلين في أجسامهم هم ضعاف والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى أمته بالضعاف فقال (أبغوني في ضعفائكم فبهم ترحمون وبهم ترزقون) وهؤلاء المصابون ليس بين دعواتهم وبين الله حجاب وهم حتى وإن لم يدعوا بألسنتهم فإن إسداء المعروف إليهم والحنو عليهم والرفق بهم والتخفيف عليهم بكل الوسائل كل ذلك من صنائع المعروف وأبواب الثواب والأجر الذي يجازي الله عليه في العاجل والآجل، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء وتطفئ غضب الله ويجدها المسلم في هذه الحياة الدنيا فما من معروف يقوم به العبد المسلم إلا ويجد عليه الجزاء من الله الذي لا يعجزه أمر ولا يغيب عن علمه شيء (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). من تقوى الله بذل المعروف وتفريج كروب المكروبين والله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، كل ذلك محفوظ يجازي الله عنه عباده في عاجل الحياة الدنيا فضلا عن آجل حياته. وما أكثرها الحالات التي يعيشها المسلم ويرى فيها بعينيه كيف أن الله لطف به وجعل له مخرجا من حيث لم يكن في حسبانه وما ذلك إلا مجازاة عاجلة في الدنيا على معروف قام به لوجه الله إدخر له. ليس على المريض حرج إن المرضى والمعوقين فئة من فئات المجتمع التي تحتاج إلى العناية بها ورعايتها وتقديم العون لها من اجل التخفيف عليها وإخراجها من عزلتها وجعل الفرحة تحل محل الكآبة والحزن. فتسلية المرضى والتخفيف عليهم ولو بالكلمة الطيبة باب عظيم من أبواب العمل الصالح الذي ينبغي التواصي بالتنافس في مجاله. فإذا ما ارشد المصاب المبتلى في صحته إلى ما أعده إليه من ثواب وأجر لمن صبر على ما يعانيه من آلام وأمراض وإعاقة فأجر الصابرين لا حدّ له (بغير حساب) وقد رفع الله الحرج عن هؤلاء المصابين المبتلين الصابرين المصابرين يقول جلّ من قائل (ليس على الأعمى حرج ولا الأعرج حرج ولا على المريض حرج) النور 61. فقد خفف الله عليهم ولم يكلفهم بما كلف به الأصحاء المعافين (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقد بوأ الإسلام بعض هؤلاء المصابين المبتلين منزلة رفيعة فكان منهم من يؤذن للصلاة كعبد الله بن أم مكتوم الذي نزل في حقه وحي يتلى هو قوله جل من قائل (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) انه عتاب من الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن من خلقه الإعراض عن الضعاف والإقبال على غيرهم ولكنه تصرف عليه الصلاة والسلام بما تقتضيه بشريته وعدم علمه للغيب فأقبل على من جاءه يطلب منه أن يعرض عليه الدين الذي جاء به من عند الله وذلك يقتضي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إقبالا على هذا السائل لعل الله يهديه ويشرح صدره للإسلام وتلك هي غاية رسول الله صلى الله عليه وسلم والله فقط هو من يعلم هل سيهتدي هذا السائل أم لا لذلك اقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمنى لو أن ابن أم مكتوم أجّل سؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لوقت آخر فهناك متسع لذلك ومع ذلك فإن الوحي الذي هو تشريع (والعبرة بعموم اللفظ) نزل ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفا وينهي المسلمين تكليفا بأن لا يعرضوا على الضعاف المبتلين بل ينبغي مراعاة حالاتهم وجبر خواطرهم وإشعارهم بمشاركتهم في ما يعانون من آلام وقصور. رعاية المعوق باب من أبواب تحصيل الأجر إن الإسلام بهديه القويم وأبعاده الإنسانية والاجتماعية يولي المعوقين والمبتلين في صحتهم عناية كبيرة ويجعل من كل أبواب الرعاية لهم من عيادتهم حيث يقيمون في المنازل أو المستشفيات والمصحات ودور الإقامة والاستراحة. وتقديم العون لهم ماديا باقتناء ما يحتاجون إليه من أدوية وأجهزة ووسائل مساعدة أو الانخراط في أي جهد جماعي يبذل من اجل التحسيس والتوعية بأحوال وظروف هؤلاء المعوقين المصابين في أجسادهم يجعل الإسلام من كل ذلك وغيره بابا عظيم الشأن من أبواب تحصيل الثواب والأجر ينشط في مجاله وميادينه الفسيحة الكثير من الناس. انه عمل صالح مبرور. وهل هنالك عمل أصلح وأعظم أجرا وثوابا بعد أداء حق الله سبحانه وتعالى من قضاء حوائج المحتاجين وتفريج كروب المكروبين والتخفيف من آلام المصابين المبتلين؟، انه عمل وصنيع يرضي الله ويرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول (من لا يرحم لا يرحم).



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.