رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع أمته
إن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها كانت محل عناية الدارسين لما فيها من المواعظ والعبر والدروس لأمته فلقد كان حجة الله على عباده ومصطفاه من خلقه، النور المبين الذي أضاء في حياة الناس فعرفوا المسالك واجتنبوا المزالق والمهالك فما من جانب من جوانب شخصيته وهديه عليه الصلاة والسلام لم يكن إنسانا عاديا فقد ضرب أروع الأمثلة في كل ما أتاه من تصرفات وما صدر عنه، لقد كان على خلق عظيم وأدب رفيع ولقد اعتاد الناس أن يتدارسوا جوانب ومراحل معينة من حياته مثل المولد أو الإسراء أو الهجرة أو الفتح أو الحجة التي ودع فيها أمته ويقفون عند هذا الحد لا يتجاوزونه في حين ان حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام كلها دروس ناطقة وهدي تحتاج إليه الأمة فنراهم كثيرا ما يجتنبون الحديث عن رحيله عليه الصلاة والسلام عن هذه الدنيا الفانية مع ان كتب الصحاح تورد لنا أخبارا عجيبة ومواقف رشيدة وهديا قويما صدر عنه عليه الصلاة والسلام حتى في تلك اللحظات الشديدة على أنفس أمته وهو يودعها لقد كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئة بالمواعظ والعبر المؤثرة والدروس الباقية الخالدة لأمته من بعده فالعودة اليها والاعتبار بها خصوصا وهي آخر عهد للرسول عليه السلام بامته وأصحابه مما يجب تدارسه والوقوف عنده ونشره بين الناس ليروا رأي العين كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخل ولو لحظة واحدة عن المهمة الأساسية واختاره واصطفاه من أجلها، لقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم و وفاته ورحيله إلى دار البقاء دروسا وعبرا لأمته لا تختلف بدايتها عن نهايتها فلقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين ومات عليه الصلاة والسلام موتا طبيعيا كما يموت أي انسان وفي ذلك درس لأمته وللبشرية جمعاء أن البقاء لله وحده (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)الرحمان والرسول عليه الصلاة والسلام وهو أفضل خلق الله ما هو إلا بشر ولا بد أن يموت (إنك ميت وانهم ميتون)الزمر فعن عائشة رضي الله عنها قالت (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت) لقد ذاق عليه الصلاة والسلام سكرات الموت فلا يطمع بعده انسان مهما كانت تقواه أن ينجو منها ومعاناتها فرض على كل انسان، انه أهون على الانسان أن يضرب بسيف سبعين ضربة من تذوق سكرات الموت ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها (لا أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولقد كان موته عليه الصلاة والسلام زلزالا هزّ أصحابه فما ثبت منهم إلا قليل فعن سالم بن عبيد رضي الله عنه وكانت له صحبة قال أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال حضرت الصلاة فقالوا نعم فقال مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر يصلي بالناس قال ثم أغمي عليه فأفاق فقال حضرت الصلاة فقالوا نعم فقال مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصلي بالناس فقالت عائشة إن أبي رجل اسيف إذا قام ذلك المقام بكى فلا يستطيع فلو أمرت غيره قال ثم أغمي عليه فأفاق فقال مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فيصل بالناس فإنكن صواحب يوسف قال فأمر بلال فأذن وأمر أبو بكر فصلى بالناس ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة فقال انتظروا لي من اتكئ عليه فجاءت بريرة ورجل آخر فاتكأ عليهما فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص فأومأ إليه إن يثبت مكانه حتى قضى أبو بكر صلاته ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض فقال عمر والله لا أسمع أحدا يذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفي هذا وكان الناس أميين لم يكن فيهم نبي قبله فأمسك الناس فقالوا يا سالم انطلق إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه فاتيت أبا بكر وهو في المسجد فأتيته أبكي دهشا فلما رآني قال لي اقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت إن عمر يقول لا أسمع أحدا يذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفي هذا فقال لي انطلق فانطلقت معه فجاء والناس قد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس أفرجوا له فجاء حتى أكب عليه ومسه فقال إنك ميت وانهم ميتون ثم قالوا يا صاحب رسول الله أقبض رسول الله أقبض رسول الله قال نعم فعلموا ان قد صدق فقالوا يا صاحب رسول الله أيصلى على رسول الله قال نعم فقالوا وكيف قال يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يخرجون فيدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يخرجون حتى يدخل الناس قالوا أيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا أين قال في المكان الذي قبض الله فيه روحه فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب فعلموا ان قد صدق ثم أمرهم أن يغسله بنو أبيه واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا انطلقوا بنا إلى اخواننا الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر فقالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال عمر بن الخطاب من له مثل هذه الثلاثة ثاني اثنين أحدهما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا من هما ثم بسط يده فبايعه الناس بيعة حسنة جميلة فهذه الآية تحوي على ثلاث فضائل لأبي بكر ثاني اثنين فهو أحد اثنين وثبتت له الصحبة إذ يقول لصاحبه لا تحزن فقد ثبتت صحبة أبي بكر بالقرآن الكريم ومن أنكرها فقد كفر والفضيلة الثالثة وهي (إن الله معنا) فالله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعاني سكرات الموت فيغمى عليه ويفيق لا يهدأ في كل مرة يذكر أمته بالصلاة فيدعو الى الآذان لها وإقامتها فهي فرض على المسلمين لا ينبغي أن يتعطل مهما كانت ظروفهم وفي ذلك إشارة صريحة إلى أنها عماد الدين وعلامته ومظهره الذي لا بد منه وفي أمره في المرات الثلاث لأبي بكر بإمامة المسلمين تزكية واختيار ورغم ان ابنته عائشة رضي الله عنها حاولت ان تثنيه عن عزمه وأمره متعللة بأن أبا بكر رجل أسيف شديد التأثر لا يستطيع ان يقف موقف رسول الله ويقوم مقامه لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصر على اختياره ولم يرض عنه بديلا فصلى ابو بكر بالناس وكان هول الفاجعة على كبار الصحابة وشدتها عظيما الأمر الذي زلزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو من هو شدة ومهابة فما كان من أبي بكر إلا أن وضع الأمور في نصابها فحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة تعلقه به لم تمس عقيدته وايمانه في بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتمية موته كما يموت أي انسان إذ الخلود والبقاء لله وحده ثم بين للأمة كيفية دفنه عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه كما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان من عمر بن الخطاب وقد غاب عنه رشده وفقد بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيه إلا أن اقتنع فقام يناصر أبا بكر ويبين للأمة أفضليته ويقف بجانبه حفاظا للأمة من التشتت والاختلاف وقد كادت أن تقع فيه ولو نحن عدنا إلى الوراء قليلا لنعايش اللحظات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأينا عجبا ولتملكنا خشوع وإجلال وتعظيم وتعلق بهذا الرسول العظيم وهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فقد أورد الإمام الغزالي في الإحياء قال ابن مسعود رضي الله عنه دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها حين دنا الفراق فنظر الينا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم ثم قال: مرحبا بكم حياكم الله أواكم الله نصركم الله وأوصيكم بتقوى الله وأوصي بكم الله إني لكم منه نذير مبين أن لا تعلوا على الله في بلاده وعباده وقد دنا الأجل والمنقلب إلى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى والى الكأس الأوفى فاقرؤوا على أنفسكم وعلى من دخل في دينكم بعدي مني السلام ورحمة الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا رسول الله جازاك الله عن أمتك خير ما يجازى به نبي عن امته وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام عند موته من لأمتي من بعدي فأوحى الله تعالى إلى جبريل أن بشر حبيبي أني لا أخذ له أمته وبشره بأنه أسرع الناس خروجا من الأرض إذا بعثوا وسيدهم إذا جمعوا وان الجنة محرمة على الأمم حتى تدخلها أمته فقال الآن قرت عيني وقالت عائشة رضي الله عنها امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نغسله بسبع قرب من سبعة آبار ففعلنا ذلك فوجد راحة فخرج فصلى بالناس) واستغفر لأهل أحد ودعا لهم وأوصى بالأنصار فقال أما بعد يا معشر المهاجرين فانكم تزيدون والأنصار عيبتي التي أويت اليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم قال إن عبدا خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك يا أبا بكر سدوا هذه الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر وروي سعيد بن عبد الله عن أبيه قال لما رأت الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم... يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس رضي الله عنه على النبي فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل علي رضي الله عنه فأعلمه بمثله فمد يده فقال ما تقولون قالوا نخشى أن تموت وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئا على علي والفضل والعباس أمامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس على سفل مرقاة من المنبر وثاب الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه وقال ايها الناس انه بلغني أنكم تخافون علي الموت كانه استنكار منكم للموت وما تنكرون من موت نبيكم ألم انع اليكم وتنعى اليكم أنفسكم هل خلد نبي قبل فيمن بعث فأخلد فيكم؟ الا اني لاحق بربي وانكم لاحقون بي واني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصي المهاجرين فيما بينهم فإن الله عز وجل قال (والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا) العصر وان الأمور تجري بإذن الله فلا يحملنكم.. استبطاء أمر على استعجاله فإن الله عز وجل لا يعجل لعجلة أحد ومن غالب الله غلبه ومن خادع الله خدعه فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا رحامكم واوصيكم بالأنصار خيرا فإنهم الذين تبوؤوا الدار والايمان من قبلكم إن تحسنوا اليهم ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسكم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ألا ولا تستأثروا عليهم إلا واني فرط لكم وانتم لاحقون بي إلا وان موعدكم الحوض حوضي أعرض مما بين بصرى والشام وصنعاء اليمن يصب فيه ميزاب الكوثر ماء أشد بياضا من اللبن والين من الزبد واحلى من الشهد من شرب منه لم يظمأ أبدا حصباؤه اللؤلؤ وبطحاؤه المسك من حرمه في المواقف غدا حرم الخير كله فمن أحب أن يرده على غدا فليكفف لسانه ويده إلا مما ينبغي وروى ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه سل يا أبا بكر فقال يا رسول الله دنا الأجل فقال قد دنا الأجل وتدلى فقال ليهنئك يا نبي الله ما عند الله فليت شعري عن منقلبنا فقال – إلى الله والى سدرة المنتهى إلى جنة المأوى والفردوس الأعلى والكأس الأوفى والرفيق الأعلى والحظ والعيش الهني فقال يا نبي الله من يلي غسلك؟ قال رجال من أهل بيتي الأدنى فالأدنى قال ففيم نكفنك؟ فقال في ثيابي هذه وفي حلة يمانية وفي بياض معصفر فقال كيف الصلاة عليك منا ؟وبكينا وبكى ثم قال. مهلا غفر الله لكم وجازاكم عن نبيكم خيرا إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي علي الله عز وجل وهو الذي يصلي عليكم وملائكته ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي فأول من يصلي علي جبريل عليه السلام ثم ميكائيل عليه السلام ثم اسرافيل عليه السلام ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها صلى الله عليهم أجمعين ثم أنتم فأدخلوا علي أفواجا أفواجا فصلوا علي أفواجا زمرة زمرة وسلموا تسليما ولا تؤذوني بصيحة ولا رنة وليبد منكم الإمام وأهل بيتي الأدنى فالأدنى ثم زمر النساء ثم زمر الصبيان قال فمن يدخلك القبر؟ قال زمر من أهل بيتي الأدنى فالأدنى مع ملائكة كثيرة لا ترونهم وهم يرونكم قوموا فأدوا عني الي من بعدي وفي رواية إن أبا بكر رضي الله عنه لما بلغه الخبر دخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وغصصه ترتفع كقصع الجرة وهو في ذلك الفعل والمقال فأكب عليه فكشف وجهه وقبل جبينه وخديه ومسح وجهه وجعل يبكي ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا انقطع لموتك ما لم ينقطع لأحد من الأنبياء فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ولو لا أن موتك كان اختيارا منك لجدنا لحزنك بالنفوس ولولا انك نهيت عن البكاء لأنفذنا عليك ماء العيون فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وادكار محالفان لا يبرحان اللهم فأبلغه عنا اذكرنا يا محمد صلى الله عليك عند ربك فلولا ما خلفت من السكينة لم يقم أحد لما خلفت من الوحشة اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبرا لسمعتهم فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين اليك لما فارقتهم بأبي أنت وامي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده إن جعل طاعتك طاعته فقال عز وجل ومن يطع الرسول فقد أطاع الله بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده ان اخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بالذنب فقال تعالى عفا الله عنك لما أذنت لهم بأبي أنت وامي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده ان بعثك آخر الأنبياء وذكرك في اولهم فقال الله عز وجل وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده ان اهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون فيقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تنفجر منه الأنهار فما هذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهرا ورواحها شهرا فما هذا بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى فما هذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع لا تأكلني فإني مسمومة بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت ان تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في قلة سنيك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة سنيه وطول عمره ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت الينا ولو لم تؤاكل إلا كفوا لك ما واكلتنا فلقد والله جالستنا ونكحت الينا وواكلتنا ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك صلى الله عليك وسلم