ذكر الله تبارك وتعالى علامة حضور العبد مع ربّه
تعرّض القرآن الكريم إلى مسألة ذكر الله في عديد السّور والآيات وألحّ على المسلم كي يكون موصولا بربّه دائم التفكّر في آياته ونعمه شديد الاعتبار لا تشغله الحياة الدّنيا وزينتها عن ربّه ومصيره إليه ووقوفه بين يديه ومن هذه الآيات قوله جل من قائل (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) المنافقون فهذه الآية الكريمة وردت في سياق النهي عن الغفلة والاشتغال المفرط والمبالغ فيه بالأموال جمعا وتنمية واشتغالا أو الأولاد سعيا ورعاية وعطفا وحنانا يتجاوز الحدود الشرعية بحيث يصبح الأبناء الشغل الشاغل لآبائهم في اللّيل وفي النّهار، وفي سياق مدح الله تبارك وتعالى صنفا آخر من الناس ممّن استنارت قلوبهم وقوي إيمانهم ويقينهم وتوثقت صلاتهم بربّهم الّذي خلقهم ورزقهم وهداهم إلى الإيمان يقول جل من قائل (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزّكاة) النور فالتجارة فتنة كبرى قل أن يصمد أمام اغراءاتها الإنسان ومع ذلك فهنالك من يكونون لاهوائهم ومطامعهم بالمرصاد وهم وإن اشتغلوا بالتّجارة بيعا وشراء فإنّهم لا يصلون إلى حدّ الغفلة عن ذكر ربّهم وتناسي ما عليهم نحو خالقهم وبارئهم سبحانه وتعالى فإذا نادى منادي الصلاح والفلاح يتركون ما بين أيديهم من بيع وشراء ويؤدّون ما فرض الله عليهم كاملا غير منقوص إنّ هؤلاء هم الرجال حقا. وذكر الله هو سلاح المؤمن الذي به يواجه المتاعب والمصاعب وهو الحصن الذي يتدرّع به عند ملاقاة الأعداء فالله سبحانه وتعالى مع الذين يذكرونه إنّه سيذكرهم وسيكون بجانبهم يثبت اقدامهم ويلقي الرّعب في قلوب أعدائهم فينتصر المؤمنون نصرا معزّزا يقول جل من قائل لعباده المؤمنين الذين يتأهبون للقاء عدوّهم (إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا) الانفال ولا يعني هذا أن ذكر الله يقوم مقام الاستعداد المادي فهذا النّوع من الاعداد دعت إليه آيات أخرى مثل قوله سبحانه وتعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم) ولكنّ المؤمن يعتقد أنّ ما يعدّه لا يكفي وحده لتحقيق النّصر وعندما اعتقد بعض المؤمنين أنّ قوّتهم كفيلة بتحقيق النّصر هزموا للعبرة والموعظة (ويوم حنين إذ عجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) لقد رأى المؤمنون بأنفسهم كيف أنّهم عندما أعدوا ما عليهم واعتصموا بربّهم وذكروه كثيرا كيف نصرهم وكانوا قليلين في العدد والعدة (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) ينبغي أن يتوطد في نفس المؤمن يقين أن النّصر بيد الله (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) (وما النصر إلا من عند الله) إن عباد الله المتّقين هم (الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) آل عمران. فهم لا يملون المناجاة بل يجدون فيها الرّاحة والحلاوة والنشاط والطّمأنينة والسعادة (ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب) إنّ ذكر الله ينبغي أن يكون الشّغل الشّاغل للعبد الصّالح الذي يبتغي رضوان ربّه وقربه وجزاءه الأوفى لا ينتهي هذا الذّكر لله بإقامة الصلاة أو حج بيت الله الحرام أو القيام بأيّ واجب من الواجبات (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم أباءكم أو أشدّ ذكرا) البقرة وأول مراتب الجزاء الإلهي للعبد الذاكر أنّه يذكر من طرف من ذكره فإذا أراد العبد المؤمن أن يذكره ربّه ومن ذكره ربّه كان قريبا منه مجيبا له سميعا بصيرا بحاله، من أراد ذلك فعليه بذكر ربّه (فاذكروني أذكّركم واشكروا لي) البقرة وذكر الله هو أصلح أعمال الإنسان التي يتقبّلها الله ويدّخرها لعبده ولا يمنع الذّكر من الوصول إلى الله أي مانع إنّ ذكر الله هو العمل الطيّب (إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح برفعه) فاطر والذين يذكرون الله هم أولئك الذين استجابوا لأمره حين قال جلّ من قائل (يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم) الأحزاب فالقول السّديد في الآية هو لا شك ذكر الله ونتيجة تقوى الله وخشيته صلاح الأعمال وغفران الذّنوب وهما غاية كل مؤمن مخلص ولقد بشّر الرسول صلى الله عليه وسلّم الذاكرين بالسّبق على غيرهم من النّاس حيث قال عليه الصلاة والسّلام (سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) وقارن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين العبد الذّاكر والعبد الغافل الفاتر فقال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميت) فالذاكر حيّ حياة بدنية وقلبية روحيّة والغافل حي حياة بدنية ميت القلب والرّوح. والاذكار عديدة كثيرة منها التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح والاستغفار وقد رغب الرسول عليه الصلاة والسلام فيها حيث قال (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيّئة وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه) إنّ وزن التسبيح والتحميد لا يعلمه إلا الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه (إذا أصبح أحدكم فليقل اللهمّ بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى فليقل اللهمّ بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير). والإنسان ضعيف خطاء يحب ربه منه أن يتوب وينيب ويعود من قريب ويستغفر الله ليجده غفورا رحيما فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلّم المسلمين ما يمحو الخطايا والذنوب ويدخل الجنان علمهم سيد الاستغفار وهو (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء ينعمتك علي وأبوء بذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنّة ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل) الجنّة وكان النبيّ صلى الله عليه وسلّم إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و(قل أعوذ بربّ الفلق) و(قل أعوذ بربّ الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقولوا إذا استيقظوا من النوم (إذا استيقظ أحدكم فليقل الحمد لله الذي ردّ علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره) ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام لمن يفزع في نومه قل (أعوذ بكلمات الله التامّة من غضبه وشرّ عباده ومن همزات الشّياطين وأن يحضرون) وما يمكن أن يراه الإنسان في منامه من رؤى وأحلام يقول له الرسول صلى الله عليه (الرّؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرّات إذا استيقظ وليتعوذ من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله) (الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحبّ وإن رأى ما يكره فلا يحدث به) والاذكار والأدعية كثيرة عند دخول المنزل وعند دخول المسجد والخروج منه وعند سماع الآذان وفي استفتاح الصلاة وعند الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين وغير ذلك. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام كما يروي عنه الصّحابة يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنّك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر وتسميه باسمه خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) وكل إنسان في هذه الحياة تواجهه صعاب وابتلاءات فقد كان رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا اله إلا الله رب السماوات وربّ الأرض ورب العرش الكريم) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر واشتدّ عليه حال يقول (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ودعوات المكروب هي (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا اله إلا أنت) وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام (ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهمّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمّتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ألا واذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوما قال (اللهمّ إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن مكاتبا جاءه فقال إني عجزت عن كتابتي فأعني قال ألا أعلمك كلمات علمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم لو كانت عليك مثل جبل دينا أدّاه الله عنك قل (اللهمّ أكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول (اللهمّ ربّ الناس اذهب البأس وأشف أنت الشافي لاشفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) وشكا عثمان بن أبي العاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجعا في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم (ضع يدك على الذي يؤلم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وكان النبيّ صلى الله عليه وسلّم إذا عاد مريضا قال (من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك إلا شفاه الله) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم أصحابه إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم (السلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية) وشكا المسلمون الجدب واحتجاب الغيث فقال (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل) وكان يعلمهم أن يقولوا عند هبوب الرّيح (اللهمّ إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما أرسلت به) وإذا سمع صوت الرّعد فليقل (سبحان الذي يسبّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته) وعند رؤية الهلال (الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسّلامة والإسلام والتّوفيق لما تحبّ وترضى ربّنا وربّك الله). وعند العزم على السفر كان يقول (استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك) وإذا استوى راكبا قال (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربّنا لمنقلبون) ثم قال (الحمد لله ثلاثا ثم قال اللهمّ أني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) وعند نزول المنزل كان يقول (من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) وإذا أكل طعاما فليقل: (الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول ولا قوّة غفر له ما تقدّم من ذنبه) وعند العطاس والتثاؤب قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كلّ مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) وإذا تزوّج أحدكم امرأة فليقل (اللهمّ إنّي أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرّها وشر ما جبلتها عليه) وعند مباشرة الزّوجة يقول النبي صلى الله عليه وسلّم (اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا) وعند ولادة المولود روى أبو نافع رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم (أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته أمّه) وعند القيام من المجلس الذي يكثر فيه اللّغط فليقل المسلم (سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت استغفرك وأتوب إليك) إلا كفر الله له ما كان في مجلسه وفي حالة الغضب قال رسول الله (إني لأعلم كلمة لو قالها (الغاضب) لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ذهب عنه ما يجد) وعند رؤية أهل البلاء فليقل المؤمن (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء) وعند دخول السّوق قال (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير كتب الله له ألف. ومحى له ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة) تلك بعض الاذكار التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمسلمين تجعلهم (إن هم واضبوا عليها) في حالة حضور دائم مع ربّهم سبحانه وتعالى، ومن كانت هذه حاله فلا خوف عليه إنه لن يحيد عن الصراط المستقيم وهو إن غفل أو ضعف سرعان ما يتذكر ويعود إلى ما كان عليه مصداقا لقول الله تبارك وتعالى (إن الذين إتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) صدق الله العظيم.