خواطر من وحي مؤتمر ذكرى 1200 سنة لميلاد الإمام الترمذي (طشقند)
المسلمون في الاتحاد السوفياتي (سابقا) يتجاوز عددهم السبعين مليونا يتواجدون في مختلف جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ووجودهم أكثف في آسيا الوسطى حيث الجمهوريات الإسلامية والمدن التاريخية العريقة مثل طشقند وسمرقند وبخاري وترمذ ودوشمنبي. وترعى شؤون المسلمون إدارات دينية أربعة يشرف عليها مفتون يتم اختيارهم من بين ابرز علماء وشيوخ تلك المناطق الآهلة بالمسلمين. والمسلمون في الاتحاد السوفياتي السابق يعيشون صحوة دينية حقيقية يلاحظها الزائر حيثما انتقل. وهذه الانتعاشة ترجع إلى الإصلاحات السياسية الجذرية في ظل البريسترويكا بقيادة الرئيس غورباتشوف. ولعل آخر ما تحقق للمسلمين وبعد انعقاد المؤتمر المكرس لذكرى 1200 سنة لميلاد الإمام الترمذي رحمه الله هو مصادقة مجلس السوفيات الأعلى على قانون الأديان، وهو قانون يمكن أتباع الديانات من القيام بشعائرهم الدينية بكل حرية كما يمكنهم من تشييد المعالم الدينية من المحضنة إلى الجامعة ويمكنهم من ربط الصلات الخارجية وإرسال الطلاب واستقبال العلماء. كل هذه المكاسب مكن منها هذا القانون أتباع الديانات بما فيهم المسلمين. فالتحول في الاتحاد السوفياتي حقيقي وفعلي وصفحة الماضي بمآسيه طويت والمسلمون في الاتحاد السوفياتي بقيادة شيوخهم الأعلام وعلى رأسهم الشيخان محمد يوسف محمد صادق وطلعت تاج الدين يحققون للإسلام المكاسب الكبرى. فالمعالم الدينية الكبرى أعيدت للمسلمين. وحركة ترميم المساجد والجوامع على قدم وساق. وإحداث المدارس والمعاهد وحتى الجامعات تتقدم بخطى ثابتة. والصلات بالمسلمين في خارج الاتحاد السوفياتي تتدعم يوما بعد يوم ولا أدل على ذلك من إذن السلطات السوفياتية المركزية والمحلية لأول بعثة حج بعد سبعين سنة من الكبت والقهر أن تتوجه إلى البقاع المقدسة انطلاقا من طشقند وقوام عددها أكثر من ألف وخمسمائة حاج وحاجة. وتقبل هدية مصنع طباعة المصحف الشريف والمتمثلة في مليون نسخة ممن القرآن الكريم. والإذن للإدارات الدينية بان توجه إلى البلاد الإسلامية طلابا من الاتحاد السوفياتي ليعودوا بأعلى الشهادات في العلوم الدينية من الزيتونة والأزهر والقرويين وجامعات الملكة العربية السعودية وكلية الدعوة الإسلامية بليبيا. إنها انتعاشة تثلج الصدر وهي صحوة مباركة نرجو لها التسديد ونرجو للقائمين عليها وفي طليعتهم الشيخ محمد صادق يوسف المفتي رئيس الإدارة الدينية بآسيا الوسطى وقاز اقشان وهو رجل عالم ذو خلق رضي يحظى باحترام المسلمين في داخل الاتحاد السوفياتي وخارجه، يمتاز بالرصانة والتعقل ويحتل مكانة مرموقة في الدولة محليا ومركزيا إذ هو في الآن نفسه عضو لمجلس السوفيات الأعلى وتربطه بالرئيس غورباتشوف علاقات ودية وقد تجلى ذلك عندما استطاع أن يهيئ الفرصة في آخر مؤتمر الإمام الترمذي لمجموعة من الوفود لكي تلتقي بالرئيس السوفياتي غورباتشوف في الكرملين وقد جاء هذا اللقاء عقب جلسة صاخبة في البرلمان السوفياتي خرج منها الرئيس غورباتشوف إلى لقاء وفد علماء المسلمين المتركب من الوفد التونسي (محمد صلاح الدين المستاوي، محيي الدين قادي، جلول الجريبي) والوفد السعودي (وزير الحج ووكيله) ومفتي اليمن. فكان هذا اللقاء لفتة كريمة من لدن الرئيس السوفياتي رحب بالمشاركين في المؤتمر وعرض عليهم ما يعيشه الاتحاد السوفياتي من تحولات جذرية وما أعطى لأتباع الديانات من حريات ومكاسب ودعا إلى تمتين الصلات بين المسلمين في داخل الاتحاد السوفياتي وخارجه وأكد على ضرورة فهم الدين فهما سمحا سليما معتدلا ينتفي معه التطرف والتعصب والتزمت. وطالب علماء المسلمين القيام بدورهم التنويري. ومما ورد في حديثه الذي كان ممزوجا بالملاطفة والممازحة أن الاتحاد السوفياتي يعمل من اجل تحقيق الوئام في العالم وانه يعمل من اجل أن لا تنشب الحرب في الخليج أو غيره من مختلف بقاع العالم. * وقد أجيب الرئيس السوفياتي من طرف وزير الحج ومفتي اليمن ومن طرفي شخصيا بان المسلمين في العالم يباركون التحولات الجذرية التي يعيشها الاتحاد السوفياتي وان المكاسب التي تحققت للمسلمين في السنوات الأخيرة في ظل البرسترويكا هي واقع ملموس لا سبيل إلا إنكاره. ما وعد به المسلمون من طرف المسؤولين السوفيات أنجز فسلمت لهم قطع الأرض لبناء المساجد ومكنوا من معالمهم الدينية العريقة وهو عمل مشكور وهو أيضا تجسيم لإعادة البناء على أسس صحيحة لا إهمال فيها للروح ولا للمادة لان الإهمال لأحدهما ثبت ضرره وخطره على الفرد والمجتمع. وقد تولى الترجمة بين الطرف الإسلامي والرئيس السوفياتي الشيخ محمد صادق محمد يوسف المفتي عضو مجلس السوفيات الأعلى. كما حضر هذا اللقاء عضو من أوزبكستان في مجلس السوفيات الأعلى ودام هذا اللقاء أكثر من ثلاثين دقيقة انتهى بوقفة ومحاورة مع بقية أعضاء الوفود ومنهم الشيخ محيي الدين قادي عضو المجلس الإسلامي الأعلى. وإذا عدنا إلى ما دار في مؤتمر الإمام الترمذي الذي دامت أشغاله يومين كاملين فإننا نستطيع أن نقول أن هذا المؤتمر كان أشبه ما يكون بالمهرجان الشعبي الكبير فقد حضره الأئمة والقضاة والشيوخ والقائمون على شؤون الدين من مختلف مناطق الاتحاد السوفياتي كما حضرته وفود من الجزائر والمغرب ومصر وباكستان وإيران وأفغانستان والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن والكويت وغيرها من البلدان. وبعد كلمة الافتتاح من طرف المفتي الشيخ محمد صادق محمد يوسف أعطيت الكلمة إلى ممثلي السلطة المحلية والمركزية ومكن من الكلام ممثلو مختلف مناطق الاتحاد السوفياتي كما مكن الوفود الذين جاؤوا من خارج الاتحاد السوفياتي من إلقاء كلمات تحية وفي هذا الإطار تكلم وزير الحج السعودي ووزير الشؤون الدينية الجزائري ووزير العدل الأفغاني ومفتي الجمهورية التونسية الشيخ محمد المختار السلامي ومفتي اليمن. وقد أخذت الكلمة نيابة عن وفد كتابة الدولة للشؤون الدينية المتركب من (محمد صلاح الدين المستاوي، محيي الدين قادي، جلول الجريبي) حيث حييت المؤتمرين وتمنيت لهم كل توفيق فيما يقومون به من عمل جليل لفائدة الإسلام والمسلمين وباركت ما يعيشه الاتحاد السوفياتي من تحولات وعبرت عن استعدادنا في تونس حسب إمكانياتنا المتواضعة لمدّ يد المساعدة للمسلمين في الاتحاد السوفياتي وذلك بقبول طلاب في المعاهد العليا التابعة لجامعة الزيتونة وإرسال كميات مما يطبع في بلادنا من مصاحف وكتب دينية وعربية إلى الجمعيات والمراكز الدينية والمساجد والجمعيات وفي إطار التوأمة بين مدينتي تونس وطشقند يمكننا أن نبادر بترميم احد المعالم الدينية (مسجد أو جامع) تجسيما لروح الإخاء والتعاون فيما بيننا. وقد لاقت هذه الاقتراحات الثلاثة ترحيبا كبيرا وأثنى عليها في الجلسة العامة الشيخ محمد صادق محمد يوسف وعبر عن رغبته في تجسيمها في اقرب الآجال. وفعلا فان طالبا من شمال القوقاز وصل إلى تونس وتم ترسيمه بجامعة الزيتونة. وقد كانت سفارتنا بموسكو ووزارة التربية أتمتا له إجراءات السفر والترسيم. وعند استقبال رئيس ازوبكستان لرؤساء وبعض أعضاء الوفود المشاركة أعدت على مسامعه ما اقترحته في المؤتمر من مبادرات فأثنى عليها ورحب بها وعبر عن اعتزازه بعلاقات الصداقة التي تربط بين طشقند وتونس وبينه وبين الكثير من أبناء تونس.