خطبة جمعية: بعض صفات عباد الرحمان ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بالحامع الكبير بمقرين العليا

خطبة جمعية: بعض صفات عباد الرحمان ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بالحامع الكبير بمقرين العليا


الحمد لله منزل الرحمات ومحي الأموات غافر الزلات ومقيل العثرات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب كريم بالمؤمنين رؤوف رحيم وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله جاء بالحق بشيرا ونذيرا فآمن به قوم فكان جزاؤهم من ربهم الجنة ودار النعيم وكفر به قوم فعليهم لعنة الله والملائكة أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله المسلمين، عشنا في أجواء الآيات التي ختم بها ربنا سورة الفرقان وهي آيات بينات احتوت على صلاح المؤمن وفلاحه في الدارين. الآيات التي وصف الله فيها عباده وحدد فيها صفاتهم ومميزاتهم فغدوا بفضل الله عبادا للرحمان أعداء للشيطان فقال وهو أصدق القائلين (وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما انها ساءت مستقرا ومقاما) في هذا المقطع الأول يبين ربنا جل وعلا ما يأتونه من تصرفات وحركات في مشيتهم وسعيهم في غدوهم ورواحهم ثم تصرفاتهم وعلاقاتهم مع الجاهلين الغافلين وبين في روعة قرآنية رجحان موقف عباد الرحمان وخسران اعمال عباد الشيطان عليهم لعنة الله الملك الديان ثم بين ربنا عباداتهم وصلواتهم بالليل وتضرعاتهم وخشيتهم لعذابه ورجائهم لرحمته الواسعة خوفهم الشديد من عذاب جهنم ذلك العذاب المقيم، فجهنم مقر عباد الشيطان العصاة الكفرة لا يخرجون منها جزاء بما عملوا في هذه الدنيا وما اقترفوا من سيئات وذنوب، أما عباد الرحمان جعلنا الله منهم فهم عن نار جهنم مبعدون ومن عذابها الشديد وأهوالها في حصن حصين، مقيمين في جنان الخلد فرحين بما آتاهم ربهم راضين بجزائه الأوفى وكرمه الأسخى وإحسانه لا يحدّ لسوف يحاول أعداء الرحمان عباد الشيطان أن يجادلوا مولاهم ويتملصوا من عذابه الشديد ولكن هيهات (الوزن يومئذ القسط) لا ظلم يومئذ ولا عدوان انما عدل وإحسان ثم بعد ذلك تجاوز وغفران. سيقول هؤلاء المعاتية (قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؟) ويجيبه ربه الجواب الذي لا يقبل الجدل والنقاش، الجواب الذي لا ظلم فيه ولا عدوان يقول له ربه (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) إن من ينساه ربنا في ذلك اليوم لن تنفعه أموال الدنيا وسلطانها وجاهها وفي واقع الأمر من يحشره ربه يوم القيامة أعمى يغالط نفسه ويظن انه كان في الدنيا بصيرا، لقد كان أعمى البصيرة، أعمى القلب (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) عباد الرحمان في مأمن من الخوف والحزن فقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك هم المفلحون حقا الفائزون. بعد هذه التوطئة الرائعة التي قدم بها الرحمان عباده وحدد بها أهم صفاتهم المخصصة لهم أضاف قوله سبحانه وتعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) هذه صفة أخرى من صفاتهم وخصلة من خصالهم، إن عباد الرحمان أذعنوا لأحكام ربهم وامر مولاهم إذا تكلموا قالوا سلاما وإذا خلوا ناجوا ربهم وسألوه الجنة واستعاذوا به من النار. لكنهم كذلك إذا أنفقوا لم يسرفوا إذ انهم على يقين انهم سيسألون وهم بين يدي ربهم عما آتاهم من خيرات فيما أنفقوها والى أي الأبواب وجهوها؟، إن عباد الرحمان على يقين أن كل انسان راع (و كل راع مسؤول عن رعيته). فمن صفاتهم عدم التبذير وعدم الإسراف والإنفاق فيما لا يعني من أعراض الدنيا الزائلة الزائفة . عباد الرحمان يرضون من اللباس ما يسترهم ومن الطعام ما يقيم أصلابهم، فهم يأكلون ليعيشوا وليضمنوا القوة. إن الإسراف من صفات الغافلين اللاهين الذين انساهم الشيطان لعنه الله يوم المعاد و يوم الحساب والعقاب فيسرفون ويأكلون كثيرا ويشربون ذلك متاعهم في الحياة الدنيا التي فيها يتكاثرون ويتفاخرون أما عباد الرحمان فإنهم يرجون من الله ما لا يرجوه عباد الشيطان. إنهم يرجون اكراما بالغا جزاء ما قدموا في هذه الدنيا وعباد الرحمان لا يسرفون ولكنهم كذلك لا يقترون لأنهم يعلمون أن خزائن ربهم لا تنضب وعطاؤه لا ينفذ، فهم ينفقون ولا يخشون فقرا ولا احتياجا يطعمون الطعام ويكسون الأجسام ولا يرجون على ذلك جزاء ولا شكورا إلا من عند ربهم: إن عباد الرحمان يزكون ويتصدقون قد اشترى الله منهم أنفسهم فأنفقوا اموالهم في سبيله وضحوا بأرواحهم من أجل إعلاء كلمته ونصرة دينه وإقامة أحكامه. عباد الرحمان وسط في كل شيء فهم من ركائز هذه الأمة الوسط يقول الله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) لا يمكن لعباد الرحمان ان يكونوا شهداء على الناس إذا لم يكونوا هم أنفسهم وسطا في كل تصرفاتهم وأعمالهم ومنها إنفاقهم فهم لا يسرفون ولا يقترون لا يضرون بل ينفعون إن عباد الرحمان يحبون القصد في كل شيء، والقصد ميزة من ميزاتهم، ألم يأمرهم ربهم بهذا القصد صراحة في قوله (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) وهذه الوسطية خاصية هذه الأمة التي صلح بها حالها في السابق، وسطية في كل شيء في الأكل والشرب والملبس والمظهر، وسطية وقصد في العبادة إذ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا رهبانية في الإسلام) الإسلام دين الحياتين الدنيا مزرعة للاخرة وإقامة العدل فيها عبادة من أكبر العبادات، إن المسلم يحمله الله مسؤولية إقامة العدل وهدم الباطل، إن المسلم هو وحده القادر على قيادة السفينة سفينة الحياة بمشاكلها وهمومها لأنه يهتدي بوحي السماء والمسلمون يقتدون بخير الرسل وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام يقول صلى الله عليه وسلم مادحا القصد في كل حال (ما أحسن القصد في الغنى، ما أحسن القصد في الفقر، ما أحسن القصد في العبادة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم و عباد الرحمان ينفقون في سبيل الله بدون خوف الفقر فقد قال حسن البصري (ليس في النفقة في سبيل الله اسراف) سبيل عباد الرحمان لا يسرفون في عرض الحياة الدنيا الزائل ولكنهم في إطعام المساكين وإغاثة الملهوفين وإقامة مشاريع الخير لا يعرفون الحسابات فالمال مال الله والفقراء عيال الله وهل يمنع مال الله عن عيال الله؟ إنه لا يفعل ذلك إلا المعاتية الذي يفضلون العاجل على الآجل ثم يقول الله بعد ذلك (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) هذه بعض صفاتهم وخصالهم فعباد الرحمان مؤمنون موحدون إن عباد الرحمان يعلمون علما يقينا (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) عباد الرحمان يحرصون على إن يغادروا هذه الدنيا على أحسن حال وأصدق مقال على كلمة لا إله إلا الله كلمة التوحيد التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل ما قلت أنا والنبيئوون من قبلي لا إله إلا الله) رأى أحدهم الإمام سفيان الثوري رضي الله عنه باكيا فقال: مما تبكي أمن الذنوب؟ فقال: لا ولكن أخاف أن أغادر هذه الدنيا على غير كلمة التوحيد وعباد الرحمان لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق عباد الرحمان ليسوا بالسفاكين ولا القتالين فحتى إذا ذبحوا أو قتلوا أمرهم ربهم أن يحسنوا الذبحة والقتل إن عباد الرحمان لا يقتلون إلا في القصاص وفي القصاص حياة للمؤمنين يقول تعالى (ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب)، وعباد الرحمان (ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا)، عباد الرحمان لا ينتهكون أعراض إخوانهم، عباد الرحمان حافظون لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) إن من يزني إذا لم يقم عليه حكم الله في الدنيا يلق آثاما وعقابا في الآخرة، في الآخرة يضاعف له العذاب ويخلد فيه مهانا) إن عذاب ربي شديد، عذاب يندم به عن ذنوبه ويقول عند ذلك (يا ليتني كنت ترابا) ولكن ولات ساعة مندم غير ان ربنا سبحانه وتعالى الغفور الرحيم بعباده وهو الأرأف بنا من أمهاتنا يترك باب التوبة مفتوحا يستثني التائبين توبة نصوحا فيقول (إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) ما أكرمك يا رب وما أرحمك بعبادك حتى السيئات يبدلها حسنات، منتهى الجود والكرم ولقد زاد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الباب باب التوبة توضيحا وتفصيلا يدخلان في كل قلب يائس الأمل والرجاء وينزعان منه اليأس والحزن فاليأس من صفات الكافرين يقول الله تبارك وتعالى (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وعباد الرحمان ليسوا بكافرين عباد الرحمان مؤمنون صادقون لربهم مذعنون يرجون رحمته ويخافون عذابه هذا و خير ما يختم به الكلام كلام مولانا العزيز العلام أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) صدق الله العظيم وأستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم إنه هو الغفور الرحيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.