خطبة جمعية ألقيت بجامع مقرين العليا عناية الاسلام بالأسرة

خطبة جمعية ألقيت بجامع مقرين العليا عناية الاسلام بالأسرة


الحمد لله حمدا يليق بمقامه وأشهد أن لا إله إلا الله رب كريم بالمؤمنين رؤوف رحيم وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون، فنتحدث اليوم على بركة الله عن الأسرة وموقف الإسلام منها وعناية تشريعاته بها ذلك أننا بينا أكثر من مرة أن ديننا الإسلامي الحنيف اعتنى بكل كبيرة وصغيرة من حياة المسلمين فجاء كتاب الله جامعا شاملا وجاءت سنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام متممة ومبينة وموضحة لما ورد مجملا غير مفصل في كتاب الله. والأسرة وهي الخلية الأساسية في أي مجتمع لا يمكن أن يهملها الإسلام لذلك نرى الآيات القرآنية كثيرة والأحاديث النبوية لا تحصى اعتنت كلها ببيان هدى الاسلام ورأيه وتوجيهه في تكوين هذه الخلية وتدعيمها وتطهيرها وتقويتها لأنها اذا استقامت استقام المجتمع واذا انحرفت انحرف المجتمع ودب إليه المرض والوهن. وما الأسرة إلا مجموعة من الأفراد: أم وأب وأولاد تتسع إلى الجد والعم والخال والخالة إلى إن يتشابك المجتمع كله. وهؤلاء الأفراد وهم ركائز كل أسرة: الأم والأب أو الزوج والزوجة والأبناء، يوجب الإسلام على كل واحد منهم واجبات لا تثقل كاهله ويقرر له حقوقا لا تخل بحقوق غيره. وهكذا يعرف كل فرد من أفراد الأسرة منذ البداية ما له وما عليه فلا يتعدى ولا يعتدي ويسود الوئام والاحترام والتعاطف والتقدير جو الأسرة الواحدة فتصلح وتكون دعامة أساسية للمجتمع تقوي أركانه وتدعم بنيانه. إن الاسلام ينظم العلاقة الزوجية ويحدد قواعدها وأركانها ولا يتناسى واجباتها ومقتضياتها. والاسلام عندما يقرر مشروعية الزواج ويرفعه إلى مرتبة العبادة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من تزوج فقد ملك نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) وعندما يجعل الاسلام الزواج من العوامل الأساسية لملك الدين يحترم الفطرة البشرية السليمة والغرائز الانسانية الجامحة فلا رهبانية في الاسلام ولا معارضة لفطرة الله التي فطر الناس عليها فلا يمكن للمسلم ان يدعي ترك الزواج بدعوى التفرغ للعبادة والاشتغال بذكر الله، والزواج والمال والبنون زينة الحياة الدنيا. وقد حاول أن يفعل ذلك نفر من الصحابة عندما أتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه يقوم الليل إلى أن تنفطر قدماه ويصوم إلى أن تظن أنه لن يفطر، فبهت الصحابة رضي الله عنهم وقالوا: هذا رسول الله الذي غفر له ربه ما تقدم وتأخر من ذنبه قال أحدهم: أما أنا فسأعتزل النساء وقال آخر أنا سأصوم الدهر وقال الثالث لن أنام الليل فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أم المؤمنين بسؤال الصحابة وجوابها وقراراتهم فاستدعاهم وقال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله غفر لي ربي ما تقدم وتأخر من ذنبي أصوم وأفطر وأتزوج النساء وأمشي في الأسواق فمن رغب عن سنتي فليس مني. أي ان من اختار طريقة للحياة والعبادة تخالف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس منه. واضح إذا وجلي ان الزواج من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يمكن ان يكون شاغلا عن ذكر الله وعبادته إلا إذا انحرفنا به عن منهج الاسلام في التصرف والتربية. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر إتيان الزوجة في الحلال عبادة فاستغرب الصحابة وقالوا: أيأتي أحدنا شهوته وله أجر فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: كيف لو فعل ذلك في الحرام أعليه وزر؟ قالوا: نعم. قال كذلك إذا فعله في الحلال فله أجر. والإسلام عندما ينظم الزواج ويقيم قواعده لا يجعل أساسه المتعة والشهوة الحيوانية بل يجعل أساسه الرأفة والمودة والحنان الذي تتوق إليه كل نفس لذلك قال جل من قائل في باب تكرم المولى سبحانه وتعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فانظروا عباد الله كيف عبر الاسلام عن الرابطة الزوجية بقوله (وخلق لكم من أنفسكم أزواجا) فهن من أنفسنا فإذا كن من أنفسنا أمكن السكون والاطمئنان إليهن وعن هذا السكون تنتج مودة ورحمة يجني المجتمع خيراتها ويستفيد منها. وهكذا فهم صدر هذه الأمة العلاقة الزوجية فالزوج والزوجة أخوة في العقيدة يربط بينهما أكثر من رباط يتعاونوا على البر والتقوى. الزوج هين لين في معاملته لزوجته والزوجة تقدر شواغل واهتمامات زوجها وتساعده على خدمة دينه ومجتمعه وتحفظه في بيته وماله وعرضه فهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (راعية في بيت زوجها)، راعية لأولادها، فتكون منهم جيلا صالحا يحمل رسالة الاسلام ويبلغها للناس. إن المرأة هي المربية الأولى لعظام الرجال وهي المكونة لهم والمعلمة فوراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة و لا شك: إما أم صالحة أو زوجة صالحة أو أخت صالحة أو بنت صالحة. وكثيرا ما اجتمعت في العائلة صفات الصلاح والفلاح إن التاريخ لا يمكن أن ينسى آل ياسر الذين كانوا يعذبون وهم يصرون على ايمانهم رافضين للكفر والكفرة: أب هو ياسر وأم هي سمية وابن هو عمار يمر بهم الرسول عليه الصلاة والسلام صباحا مساء وهو يقول: صبرا آل ياسر موعدكم الجنة. ولن ينسى قبل ذلك خديجة أم المؤمنين التي آوت الرسول ونصرته وأعزته وعندما هوله مشهد الوحي طمأنته وكانت بجانبه سندا قويا قائلة: (والله لن يخزيك ربك إنك لتصل الرحم وتقرى الضيف...) ولن ينسى أسماء ذات النطاقين التي ساهمت مساهمة فعالة في هجرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.وكذلك الخنساء التي دفعت بأبنائها إلى ساحة الوغى بعد أن أوصتهم بالبلاء الحسن فلما بلغها نبأ استشهادهم جميعا زغردت فرحا بتكريم المولى لها و لهم. هكذا أيها المسلمون أعلى الاسلام من مكانة المرأة وأعطاها مركزها اللائق بها ولم يمسخها مثلما مسختها القوانين الوضعية والشرائع البشرية القاصرة فهي نصف المجتمع وركيزته الأساسية. يقول تبارك وتعالى: (“يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء”) ولقد قرر الإسلام قواعد كثيرة تعتبر قواعد عامة للزواج في احترامها وتطبيقها سلامة للأسرة وراحتها منها: حسن الاختيار قال صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين)وقال في حديث آخر: (لأمة سوداء ذات دين أفضل) المحرمات: والمحرمات نوعان: المحرمات على سبيل التوقيت كالمعتدة والطالق والمحرمات على سبيل التأبيد: كالأمهات والبنات والأخوات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والأمهات من الرضاع وأخوات الرضاع وأمهات الزوجات والربائب إلى آخر المحرمات وقد فصلت ذلك الآية 23 من سورة النساء وشرع الاسلام الخطبة: جاء المغيرة بن شعبة لما خطب فتاة إلى الرسول فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (وهل نظرت إليها؟) قال له: لا فقال له عليه السلام: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) ونهى الاسلام على خطبة الأخ على أخيه: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) وذلك حفاظا على الوئام بين المسلمين. ولا بد أيضا من الرضا: روى البخاري أن فتاة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته فجعل عليه الصلاة والسلام الأمر اليها. فقالت: قد أجزت ما صنع أبي. ولكني أردت أن أعلم النساء ان ليس للآباء من الأمر شيء) وأوجب الاسلام الإشهاد لقيمة العقد فقال عليه السلام (لا نكاح إلا بشهود) ويجوز شرعا تنظيم حفل لا يخرج عن اللياقة الشرعية والخلقية فقد قال عليه السلام لابن عوف حين تزوج (أولم ولو بشاة) وحرم الاسلام الزواج المؤقت الذي هو قضاء الشهوة فقط والزواج عقد مقدس كما أوجب المهر قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال عليه السلام (التمس ولو خاتما من حديدا) حرية الاشتراط في عقد الزواج قال عليه الصلاة والسلام (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) أما القوامة في الأسرة فهي للرجل (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) وواضح ان القوامة هنا لا تعني الجبروت والغلظة بل تعني القيام بالنفقة وكل ما يمليه واجب أب نحو عائلته أما الركن الأخير من أركان الزواج فهو حسن المعاملة وهي واجبة نحو عامة الناس فضلا مع من يعايشهم. قال تعالى (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) وقال عليه الصلاة والسلام (خياركم خياركم لأهله) هذا وخير ما يختم به الكلام كلام مولانا العزيز العلام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)صدق الله العظيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.