خطبة جمعية ألقاها الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله بجامع مقرين العليا
الحمد لله لم يكن له في علوه ندّ سبحانه من ربّ وصف نفسه أدق وصف حين قال (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ويولد ولم يكن له كفؤ أحد) نحمده سبحانه وتعالى على ما منّ به علينا من نعم أجلها العافية والتوفيق ونشكره على دوامها وهو بالحمد والشكر خليق. ونشهد أن لا إله إلا الله ربنا الذي أعتق رقابنا من العبودية لغيره وأرجع إلينا كرامتنا وحفظنا من مكره ونعمنا بخيره ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله محرر الانسانية من الشرك والطغيان ورافع ألوية العفاف والعدالة والعرفان الذي قال له ربه (وأنزلنا إليك الكتاب والميزان) صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وعلى صحابته الذين هبوا في سبيل الله لنصرته وعلى جميع الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا أولئك الذين قال فيهم (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) أما بعد فيا عباد الله اخرجوا من ظلمات أنفسكم التي تريد أن تلصقكم بالحاضر السعيد لتصرف أنظاركم عن الماضي السحيق والمستقبل البعيد فليس الانسان كالبهائم التي تعيش ليومها وتهتم فقط بأكلها وشربها ونومها اننا نعيش لليوم وغدا والأمس ونستعمل العقل والعاطفة والحس إن حاضر الانسان لا يمكن ان يستقيم ويزدهر ويثمر إلا اذا اتصل بالماضي يستمد منه العبرة ويأخذ منه الذكرى وينتفع بنافعه ومفيده ويضيف إليه ما استحدثه من مبدعه وجديده إن حياة الانسان لمليئة بالعبر التي تنفع المتأملين وتجدي الدارسين (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يدي ربه وتفصيل كل شيء وهدي ورحمة لقوم يؤمنون) لو تأمل الانسان عبر حياته الشخصية وتقلباته الصحيّة والمرضية وما فيها من بسط ورخاء وشدّة وبلاء لكان في مجموع تصرفاته حذرا رشيدا ومع أهوائه وعواطفه قويا شديدا وان أول ما يجني على الانسان فيطغيه ويغويه هواه الذي أسلم له القياد يهلكه ويرديه ولقد أنذرنا القرآن عواقب عبودية الهوى وطغيان الظلم حين قال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) وأكد ذلك في عدة مناسبات ليكون كتابه للعالمين نذيرا فلقد قال (فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا او تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) لقد رأيتم أيها الأخوة المسلمون كيف كانت شؤون بلادنا بأيدي الدخلاء المستعمرين الذين قاسينا منهم العذاب الشديد والبلاء المبين وهاهو الله سبحانه وتعالى منّ علينا بالتحرر وكتب على المستعمرين بالجلاء عن أراضينا يوم ان أعاد إلى قلوبنا الإيمان ووصلنا بأمجاد ماضينا ومنذ يومين فقط احتفلنا بعيد الجلاء التام عن أرض الوطن وتذكرنا ما قاسيناه من شدائد وويلات ومحن وأقسمنا يمين الوفاء لشهداء الدين والوطن وهل نحن عازمون على تحقيق الغايات التي استشهد من اجلها المجاهدون وضحى في سبيلها الرجال المخلصون أم نحن بايماننا عابثون ولاعبون وعن قيمتها ومسؤولياتها غافلون؟ ألا فلنحرص على أن نكون ممن قال فيهم الله تعالى (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) وقال أيضا (واوفوا بعهدي أوف بعهدهم وإياي فارهبون) وقال (اوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) وقال أيضا (لا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) واعلموا ان الناكثين ينزل الله بهم عذابا أليما ويجازيهم جزاء وخيما (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما) ولنحاسب أنفسنا بدقة وصدق وامانة حتى لا تتزحلق إلى حضيض أهل الخيانة لقد جاء المستعمرون أيها الأخوة إلى بلادنا بجيوش وعساكر وبدع ومناكر وانحرافات تنفطر من هولها الضمائر فانسحبت الجيوش نهائيا وغمرت قلوبنا البشائر.فهل وقع جلاء كل المخلفات والمعلقات التي تضربنا في حاضر امرنا وفي ما هو آت؟ هل رجعت الأمة إلى أصالتها الإسلامية الشريفة والى فطرتها السليمة النظيفة؟ هل أحللنا قرآننا وعربيتنا محل الصدارة والاعتبار وغرسناهما في قلوب ناشئتنا منذ نعومة الأظفار؟ وأضفنا اليهما إضافة ما لا بد منه من صناعات وحرف عصرية وعلوم وحكم وفلسفات تطبع كلها بطابع القومية؟ أم أننا قبلنا كل أجنبي ننظر إليه بإعجاب وإكبار ونزهد في ما لأمتنا وديننا من عظيم الآثار وبديع الأسرار !