خطبة جمعة حول المولد النبوي الشريف للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله ألقاها بالجامع الكبير بمقرين العليا

خطبة جمعة حول المولد النبوي الشريف للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله ألقاها بالجامع الكبير بمقرين العليا


الحمد لله الذي بعثت محمدا صلى الله عليه وسلم للعالمين (بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) نحمده سبحانه وتعالى ان وهبنا الاهتداء بهدي سيد الكائنات ونشكره على ما أمدنا به من براهين ساطعة وآيات بينات ونشهد أن لا إله إلا الله تعالى ربنا عن الأشباه والأنداد ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أوضح للبشرية سبل الرشاد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى كل من جند نفسه لمقاومة الشر والفساد. أما بعد أيها الناس فإننا سنستقبل عيدا هو أعظم أعياد الأمة الإسلامية لا بل هو في الواقع عيد كافة البرية " عيد مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم مولد النور، مولد الحق والفضيلة، مولد الانسانية المثلى أجل هو مولد كل هذه المعاني التي تجلت حقائق وبرزت أعمالا وصدرت توجيها وتعليمات رددتها السماء والأرض ودوت بها آفاق المعمورة في الطول والعرض، لقد سبقت ولادته ولادات وتقدمت رسالته رسالات و رسالات. ولكن كل ذلك والحق يقال ما هو إلا ارهاصات ومقدمات . فقد ظلت الانسانية تنشد الرسالة الجامعة التي تجمع خلاصة ما سبق وتغني في ميادين الاصلاح والتشريع عن كل ما لحق فظفرت في رسالة خاتم النبيين بمبتغاها اذ حققت لها من الأغراض المادية والروحية أدناها وأقصاها. فبينما هي تسمو بالانسان إلى الملائكية في الطهر والخير والايثار تدفعه في الماديات إلى ان يحلق في أبعاد الفضاء ويغوص في أعماق البحار وتقدح من زناد عزمه حتى يمزج سواد الليل ببياض النهار وتستأصل من نفسه معاني الاتكال والضعف والاستسلام وتجعل هذه المعاني وما شابهها من أفدح الآثام وأفضع أنواع الحرام. ناهيك ان الاسلام يجعل العمل في سبيل العيش الكريم عبادة ومبرة ويجعل الخديعة والكذب والنفاق معصية ومعرة. ويقضي على جميع الفوارق التي هي أصل الداء والسبب الوحيد في كل تفرقة وعداء إذ يقول الله لعموم خلقه (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) هل يمكن بعد هذا أن يقول مسلم لإخوانه أنا أفضلكم وأنا سيدكم ومولاكم؟ كم رفع الاسلام من عبيد وضع الرق افرادهم. وكم وضع من ملوك سترت التيجان بأبهتها عارهم لقد أخذ بيد كل ضعيف ليغرس في نفسه الطموح والعزة والايمان وضرب على أيدي أصحاب الصلف والجبروت والطغيان . فلا غرابة اذا ان تبرز برسالة محمد صلى الله عليه وسلم معاني القوة في الانسان. وان أعظم ظاهرة يتحتم ان نستجلي بواطنها ونتحسس مواطنها في مثل هذا اليوم الأغر الذي نحتفل فيه بمولد سيد البشر لتكمن في المفهوم الصحيح للعظمة الشخصية لأن إساءة فهم العظمة كان ولا يزال سبب كل بلية. ولقد أعطى الرسول الأعظم في أقواله وأعماله لتلك العظمة صورا ناطقة حية. ذلك أنه حارب الاستعباد بجميع ألوانه وطرائقه واهاب الانسان ان لا يكون عبدا إلا لخالقه وأعطى من نضاله وصموده أبدع الصور فما ولى على الأعقاب أبدا ولا اندحر وانحجر وهنا يمكن ان تأخذ الانسانية معاني القوة في الحق وتدأب للقضاء على جميع مظاهر الرق ولا يقف بنا تأملنا عند هذه الحدود بل نتجاوزها إلى ما يشكل معها سر الخلود ذلك انه قد توفرت لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جميع الوسائل ليصبح الرسول والملك فاختار لنفسه ان يعيش مع المسلمين يأكل ما يأكلون ويسلك ما تسلكون لأنه يعلم ان العظمة تنبع من أعماق نفس العظيم وتأبى أن تسير مع غير الطريق المستقيم وهي إذا ذهبت لا ترجعها أبهة ولا جيش جرار واذا استقرت فلا تطردها الأكواخ ولا الأطمار. لقد كان صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم أحييني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين). فعاش كما تمنى ومات كما تمنى وهو في العز والسؤدد أمكن مكين لقد أخذ اعرابي ذات يوم بعظمة شخصيته حتى أصبح في ذعر شديد فما كان منه إلا ان قال له (هون عليك يا أخا العرب فما أنا إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد). هكذا أيها الأخوة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى الانسان الكامل هكذا يراه في أحاديثه وهكذا يراه في سلوكه النموذجي وهكذا يراه في قرآنه المنزل من عند الله . إن جميع ما أصاب الانسانية من يوم ان وجدت لا يتأتى إلا من إفراطها في الضعف إلى درجة العبودية أو من إفراطها في ادعاء القوة والعظمة إلى الدرجة الألوهية بذلك يبعد ما بين أبناء الماء والتراب من تجانس فيحدث ما هو حادث بينهم من عداء وكراهية وتشاكس. ولقد أراد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يقطع دابر هاتين الآفتين لتستقيم لأمته جميع غايات الدنيا والدين فما ترك فرصة من الفرص إلا استغلها للتعليم والتنبيه حتى تحفظ أمته من الضلال والتوزع والتيه. وكفانا حجة ان قال الله لنا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فما لنا بعد هذا نتنكب جادة الفوز والسعادة ونجنح إلى ما يجنح إليه كل فاشل وخاسر. لقد كان في إمكان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ان يجعلوا تاريخ الاسلام بمولد رسوله لكنه صلى الله عليه وسلم ولكنه أراد أن تعيش أمته بالمعاني لا بسواها حتى لا تكون كالأمم التي ضلت فاتخذت رسولها إلها. فاذا انزلق المسلمون أيها الأخوة بعد كل هذا وانحدروا فهل ان الاسلام هو الذي أبى عليهم أن يتطوروا ؟ كلا إن الاسلام هيأ لأهله جميع عناصر الخلود. انه الدين الذي يمثل الحركية ويأبى التخلف والجمود وانه دعم للفضائل والكمالات الخلقية والعدو للرذائل في جميع صورها الالتوائية. لقد تركنا سبيل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأردنا التحرر والتطور فما أغنانا ذلك فتيلا بل أصبحنا كما قال الله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) أفيقوا أيها الاخوة المسلمون من غفلتكم وأحيوا ما أماته التنكر والعصيان من ملتكم حتى ينصركم الله على كل من عاداكم (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) هذا ولتكن تحيتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حياه به من بعثه واصطفاه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ورحماء بينهم).



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.