خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع علي بفوربورغ سان دني Fourbourg st Denis يوم 5/9/2014
موضوعها: منزلة العلم ومكانته في دين الاسلام الحمد لله العليم الخبير السميع البصير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. أما بعد أيها المسلمون يقول الله تبارك وتعالى في أول ما أنزل على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) صدق الله العظيم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا وأمرنا من بعده تكليفا بأن يقرأ وهو الأمي الذي لا يحسن القراءة والكتابة ولكن الله امتن وتكرم عليه وقال مخاطبا له (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما فكان قوله تعليما وفعله تعليما وإقراره تعليما بذلك أمره ربه فقال جل من قائل ( لتبين للناس ما نزل ) حضهم على طلب العلم وتحصيله فقال عليه الصلاة والسلام (طلب العلم فريضة) والفريضة ما يعاقب على تركها ويجازى ويثاب على اتيانها وفعلها. وجاءت آيات الكتاب العزيز القرآن الكريم متوالية متتابعة تبين منزلة العلم الرفيعة في دين الاسلام وهدي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فقال جل من قائل (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات) وقال في تساؤل يحمل الجواب (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟) طبعا لا يستوون فالعلماء كما ورد في حديث صحيح هم (ورثة الأنبياء) والأنبياء لم يتركوا درهما ولا دينارا. والعلماء بما ورثوه عن الأنبياء عليهم السلام وبما علموه من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم من يعرفون حق المعرفة وهم من يعرفون حدود الله من الحلال والحرام وهم من أراد بهم خيرا وهم من فقههم الله في دينه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم (ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وبفقههم في الدين تحصل لهم الخشية والخوف من الله وصدق الله العظيم حين يقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء) بمعنى ان العلماء هم من يخشون الله حق الخشية ويخافونه حق الخوف لما يعلمونه من ربهم من الصفات العلى التي اختص بها فهو سبحانه وتعالى الخالق البارئ المصور وهو سبحانه وتعالى العليم السميع البصير وهو سبحانه وتعالى العلي القدير الذي أمره للشيء أن يقول للشيء أن يقول له كن فيكون) فسبحانه من إله قادر خلق فسوى وقدر فهدى وإليه الرجعى أمر الله عباده بطلب العلم وتحصيله وجعله عبادة يتقرب بها إلى الله بعد أداء الفرائض واجتناب المنهيات وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أفراد الأمة ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا على طلب العلم والاجتهاد في تحصيله من المهد إلى اللحد وفي دار الاسلام وحتى خارجها من المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام (الحكمة ضالة المسلم أنى وجدها أخذها) وفي الأثر (اطلبوا العلم ولو في الصين) أي مهما بعدت المسافات واطلبوا العلم بكل اللغات وقد قال عليه الصلاة والسلام (من تعلم لغة قوم أمن شرهم) يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو باب مدينة العلم، ومدينة العلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام (انا عبد لمن علمني حرفا) ويقول (إذا غربت علي شمس يوم لم أزدد فيه علما فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) فالعالم حي والجاهل ميت وان يأكل ويشرب العلم حياة للقلوب وصلاح ونجاح في الدنيا والآخرة وفز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء إنهم أحياء بعلمهم الذي ينتفع به الناس من بعدهم وقد مضت على رحيلهم عن هذه الدار مئات السنوات، العالم لا ينقطع عنه الأجر بعد موته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها علم ينتفع به) وإذا جاز الحسد بمعنى الغبطة فلا يجوز إلا في المال الذي يتصدق به والعلم الذي ينتفع به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين رجلا أتاه الله علما فهو يعلمه للناس ورجلا أتاه الله مالا فهو ينفقه في سبيل الله) صاحب العلم فهو يعلم الناس الخير ويرشدهم إلى الصلاح والفلاح واما صاحب المال فهو يتصدق به على الفقراء والمحتاجين والمكروبين هذين هما من يحسدان بمعنى يغبطان أي يجوز للمؤمن أن يتمنى أن يؤتيه الله مثلما آتاهما فكل منهما ينفع العباد (وأحب العباد إلى الله أنفعهم لعباده) والعلم بحر لا ساحل له ومهما حصل الطالب العلم فإن ما يحصله قليل بالنسبة لما لا يعلمه لذلك فإن طالب العلم الحصيف هو من يتمثل بقول الله تبارك وتعالى (وقل رب زدني علما) (ففوق كل ذي علم عليم) فالأدب الرفيع أن ننسب العلم لله ونقول دائما (الله أعلم) ومن قال لا أعلم أورثه الله علم ما لا يعلم وهذا ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن جاؤوا بعدهم من العلماء الأعلام أمثال الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم فقد سئل الإمام مالك وهو الذي لم يتصدر للتدريس إلا بعد أن شهد له سبعون عالما سئل رضي الله عنه عن ثلاثين مسألة فأجاب على ثلاثة أو أربعة مسائل وقال في البقية (لا أعلم) وما ذلك إلا لخشيته من ثقل الأمانة وأن يدخل تحت طائلة قوله عليه الصلاة والسلام (أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار) فليكن شعار المسلم المتعلم المتواضع والدعاء إلى الله كي يزيده علما ويفقهه في الدين (وفوق كل ذي علم عليم) (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (وقل رب زدني علما) هذا هو أدب المتعلم وأدب العالم وذلك هو أساس الفتح على المتعلم وذلك مظهر من مظاهر التقوى وعلامة من علاماتها يقول جل من قائل (اتقوا الله ويعلمكم الله) وقديما قال الحكيم (وإن من الشعر لحكمة) شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال لي علم الله نور ونور الله لا يهدى لعاصي فالعلم نور وسراج منير يقول عليه الصلاة والسلام (تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والمعين على الضراء والسلاح على الأعداء والزين عند الإخلاء يرفع الله به أقواما فيجعلهم للخير قادة وأئمة يقتفي أثارهم ويقتدى بأفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلقهم وتمسحهم بأجنحتها يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وانعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد من العلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة والتفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام وهو إمام والعمل تابعة يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء) وفي الأثر: كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك هذه بعض فضائل العلم والعلماء وهي قليل من كثير مبثوث في كتاب الله العزيز وأحاديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.تلقاها السلف الصالح فجعلوها رائدهم ودليلهم وحجتهم البالغة في تحصيل العلم وما أدراك ما العلم، العلم الذي أقسم الله بأدواته فقال (ن والقلم وما يسطرون) ولا يقسم الله إلا بعظيم فكان شعارهم الذي يرفعونه كتاب الله العزيز وكل كتاب يرفع الجهالة والظلامة (يا يحي خذ الكتاب بقوة) فأمة الاسلام هي أمة اقرأ وهي أمة القلم نتعلم من المهد إلى اللحد يتعلم الذكور والإناث المرأة والرجل على حد السواء ألم يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيع امرأة من الأنصار ووقفت تطالب بحق الناس في جزء من وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصصه لهن فقال (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) وكان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون عن أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما الكثير من أحكام الدين ويرجعون إليها في كل ما يتعلق بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاص وأحواله في بيته ومع أهله وقد كان خير الناس لأهله عليه الصلاة والسلام. ولم يمنع الحياء تلك الفتاة التي وقفت على مرأى ومسمع ممن كانوا في المسجد وقالت يا رسول الله إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع خسيسته (حاجته) دون أخذ إذنها ومشاورتها فجعل رسول الله الأمر إليها فقالت الفتاة أردت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم ذلك وأمضت فعل والدها فهي معلمة. وتعليم البنت وإعدادها لما ينتظرها من مسؤوليات في مستقبل حياتها من مسؤولية عائلية واجب ينبغي القيام به فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق فعلينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا وتعدهن لما ينتظرهم في مستقبل حياتهم فإنهم خلقوا لزمان غير زماننا. نعلمهم أولا دينهم الذي ائتمننا الله عليه فنحن مسؤولون عليهم امام الله يوم القيامة والولد: ذكرا أو أنثى والولد يولد على الفطرة وأبواه (أبوه وأمه) يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) أبناؤنا وبناتنا أمانة في أعناقنا يقول جل من قائل (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها النار والحجارة) نعلمهم وننشأهم على الأخلاق الكريمة الحميدة نربيهم على الفضيلة ونحذرهم من الفواحش والمناكر والرذيلة ونكون لهم قدوة وصدق من قال وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه فنحن القدوة والأسوة ونحن النموذج والمثل بالنسبة لهم فإذا كنا على خلق كريم من صدق وامانة وعفة وحياء كانوا كذلك وإذا كنا على عكس ذلك كنا السبب في انحرافهم. فالأبناء هم عناوين الأسر والعائلات فالأسر والعائلات الفاضلة يكون أبناؤها كذلك والعكس أيضا، لا ينبغي أن نترك أبناءنا يتمثلون بقول من قال هذا ما جناه أبي علي وما جنيت على أحد. لا ينبغي أن نلقي بأبنائنا في اليوم مكتوفين ثم نلومهم بعد ذلك ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هذا لعمري تهرب من المسؤولية إننا مسؤولون أمام الله على أبنائنا وبناتنا وتلك هي رسالة كل أب وكل أم يجب عليه أن يؤديها فإذا نجح فيها فقد فاز وإذا أخفق وفشل فقد هلك وأهلك يجب على الآباء والأمهات وجوبا عينيا أن نحصن أبناءنا ونسلحهم بكل العلوم والمعارف النافعة لهم وللناس فالاسلام هو رحمة الله بالعالمين والبشر أجمعين فتعليم أبناء المسلمين كل العلوم التي يتهيأ لهم تحصيلها واكتسابها في ديار الاسلام وخارجها هو من مقاصد الدين ومن هديه القويم ولا يقولن أحد أن هذه العلوم الحياتية الدنيوية مما لا يفيد !! فهذا خطأ جسيم وهذا فهم سقيم فكل العلوم التي فيها فوائد للمسلمين ولغيرهم في عاجل الحياة الدنيا مما دعا الاسلام إلى تحصيله وسماها السلف الصالح علوم فرض الكفاية وفرض الكفاية إذا لم يقع القيام به من طرف بعض المسلمين اثم الجميع وسألهم الله عن ذلك التقصير الذي يجعل المسلم عالة على غيره يده سفلى فلا بد للمسلمين أن يكون منهم مختصون بل متفوقون في كل العلوم الحياتية الدنيوية من طب وصيدلة وزراعة وفلك وسائر الحرف التي يحتاج اليها الناس وعندما يطلب المسلمون هذه العلوم لينتفعوا بها وينفعوا بها غيرهم فإنهم يحصلون بها على الأجر والثواب إذ (أحب العباد إلى الله أنفعهم لعباده). وهكذا فهم سلفنا الصالح الدين على حقيقته فتبحر البعض منهم في العلوم الدينية وحصل جميعهم المعلوم من الدين بالضرورة وتخصص البعض منهم في بقية علوم عصرهم وسافروا لطلبها وتحصيلها وترجموها إلى اللغة العربية أخذوها عن اليونان والفرس وعن الروم وعن المصريين وسرعان ما تبحروا فيها وأضافوا إليها وكانت جامعات بغداد والشام ومصر وبلاد ما وراء النهرين وكان الأزهر في القاهرة والزيتونة في تونس والقرويين في فاس وكانت قرطبة واشبيلية وغرناطة قبلة لطلاب العلم يأتونها من شتى الأمصار، يأتيها المسلمون ويأتيها غيرهم فيتخرجون منها علماء أعلاما في مختلف الاختصاصات هذا ما شهد به المنصفون من الدارسين والمؤرخين من أمثال الفرنسي قيشاف لبون في كتابه حضارة العرب والألمانية سيقريد هونكة في كتابها شمس الله تشرق على الغرب والحضارة دول كما قال الله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس) فكما أخذوا عنا بالأمس نأخذ عنهم المفيد من كل العلوم وهي فرصة مواتية بالنسبة لمعاشر المسلمين الذين يعيشون في ديار الغرب التي توفر لهم نصيبا كبيرا من التقدم العلمي عليهم ان يعلموا أبناءهم وبناتهم كل العلوم وكل اللغات فهم بذلك يجعلون منهم مسلمين يشرفون دينهم وأمتهم وأسرهم ويخدمون غيرهم من بني الانسان الذين جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعايشوا