حاجة الانسانية الماسة الى الاهتداء بسيرة سيدنا محمد وسيدنا عيسى عليهما السلام

حاجة الانسانية الماسة الى الاهتداء بسيرة سيدنا محمد وسيدنا عيسى عليهما السلام


الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويليق بذاته وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة توقن بها قلوبنا وتنطق بها ألسنتنا وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد أيها المسلمون

لا نزال نتفيأ ظلال هذا الشهر المبارك شهر ربيع الأول، الشهر الذي شهد انبلاج نور سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ففي الثاني عشر من هذا الشهر على أرجح الأقوال وُلد سيدنا محمد بن عبد الله مؤذنا بختم النبوة والرسالة قال جل من قائل (ما كان محمدا أب أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)

سلسلة من صفوة خلق الله اجتباهم ربهم واصطفاهم من آدم الى عيسى مرورا بنوح وابراهيم وموسى عليهم من الله افضل الصلاة وأزكى التسليم. بلغوا للناس رسالة واحدة هي رسالة التوحيد، وامروا الناس أن يعبدوا ربا واحدا لا شريك له ولا ند، حي قيوم لا تاخذه سنة ولا نوم، ليس كمثله شيء، قال على ألسنة إخوته من الأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (أفضل ما قلت انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله) ودعا عليه الصلاة والسلام أمته الى الايمان بهم جميعا، الايمان بهم يعد في العقيدة الاسلامية من المعلوم من الدين بالضرورة (لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير)

  • حياة هؤلاء الرسل عليهم السلام وسيرهم العطرة كمال وجمال، أدبهم ربهم فأحسن تأديبهم، وعصمهم من الزلل وارتكاب المعاصي والآثام واتيان الفواحش: الصغائر منها والكبائر وذلك ليكونوا اسوة وقدوة في مكارم الأخلاق وفضائل الاعمال.
  • والقرآن الكريم، الوحي المنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتولى الله حفظه فقال في حقه جل من قائل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) هذا الكتاب الذي هو المعجزة الخالدة التي تحدى بها الله ولا يزال الجن والانس على أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة منه أو حتى آية، يحوي هذا الكتاب العزيز سيرة هؤلاء الأنبياء والمرسلين وجوهر رسالاتهم جميعا وهي في الواقع رسالة واحدة لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض وكيف تتناقض وهي من عند رب واحد؟، هو رب العالمين رب الناس أجمعين على مختلف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، اذ كلهم من آدم وآدم من تراب، أكرمهم عند الله أتقاهم بالمعنى الصحيح والعميق والشامل للتقوى التي ليست بالتمني ولا بالتحلي، إذ الايمان هو ما وقر في القلب واستقر، وصدقه العمل، العمل الصالح الذي يتنافى مع الضرر والفساد في الأرض الذي توقعته الملائكة عندما أعلمها الله باتخاذ خليفة له في الارض (وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا: أتجعل من يفسد فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)
  • ولاجل ما توقعته الملائكة من بني آدم من فساد وإفساد وسفك للدماء وظلم وعدوان وقتل للأنفس البشرية أرسل النبيون مبشرين ومنذرين وهادين الى الصراط المستقيم الذي ركيزته الاساسية الايمان بالله ربا لا شريك له، من أجل توحيده والقيام بواجب عبوديته خلق الله عباده وسخر لهم ما في الكون جميعه حيث قال جل من قائل (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)
  • يسعد الانسان ويطمئن قلبه اذا آمن بالله وكان دائم الذكر لربه والتفكر في نعمه التي لا تحصى ولا تعد
  • ويشقى الانسان اذا كفر بربه وأعرض عن ذكره فانه تصبح معيشته ضنكا ونكدا وصدق الفيلسوف المسلم محمد إقبال عندما قال:

            اذا الايمان غاب فلا أمان    ولا دنيا لمن لم يحي دينا

  • تاريخ البشرية الطويل يشهد على ان الانسان عندما اهتدى بنور السماء الذي أتى به الانبياء عليهم السلام من عند الله كان هذا الانسان خيرا على نفسه وعلى الناس، كان امانا وسلاما ورحمة ارتفع بها الى درجة الملائكة.
  • وهذا الانسان نفسه عندما اتبع هواه ونفسه الامارة بالسوء شقى شقاوة عبرت عنها كل أحواله النفسية والجسدية فكان حربا على نفسه وعلى الناس.
  • ولأجل الحفاظ على انسانية الانسان وأن يظل عبدا فلا يتأله ولا يتجبر ولا يطغى ولا يتكبر أرسل الله الرسل والانبياء مبشرين ومنذرين قدموا للانسان الوصفة الناجحة وسطروا له الطريق والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا ضرر ولا ضرار
  • وصفة ناجعة يشفى بها الانسان من كل العلل والامراض لا سيما الامراض القلبية النفسية التي هي سبب كل ما ياتيه الانسان المعرض عن هدي ربه من شرور وآثام
  • والانبياء المرسلون عليهم السلام ومن سار على منهجهم القويم من بعدهم هم أطباء القلوب والنفوس المريضة العليلة بما أوحى الله اليهم وبما فتح به عليهم، اذ هم يرون بنور الله، ونور الله لا يحجبه حجاب
  • وأنت ايها الانسان جسد وروح والروح من أمر ربي

        ومثلما ان الانسان يعتني بجسده فيغذيه ويسقيه ويغطيه وان اعتل عضو في الجسم فانه يداويه، فعلى الانسان الراشد العاقل ان لا يهمل نفسه وروحه وقلبه الذي له غذاؤه الذي يتغذى به وله الماء الذي يروي ظماه، وله الدواء الذي يشفي علله وأمراضه، وغذاء القلوب ودواؤها هو فيما جاء به النبيون والمرسلون عليهم السلام من عند الله واذا كان زاد الاجساد هو الطعام والشراب فان زاد القلوب هو التقوى يقول جل من قائل (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) والتقوى هي الخشية لله في السر والعلانية، ومراقبته سبحانه وتعالى في كل ما ياتيه الانسان وما يدعه، التقوى هي الحضور الدائم مع الله، وعدم الغفلة اذ عند الغفلة يستحوذ الشيطان على الانسان وينسيه ذكر الله ويدفعه الى ما لا يأتيه العاقل الراشد

  • لقد تقدم الانسان وصال وجال وسخر بفضل ما آتاه الله من عقل جبار هو سبب التكريم (ولقد كرمنا بني آدم) وسبب الاستخلاف (إني جاعل في الارض خليفة) وسبب التكليف (وكل تكليف بشرط العقل) سخر الانسان ما في الكون فاذا هو يختصر المسافات البعيدة ويرتاد افاق الله الواسعة عملا بقول ربه (يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من أقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) وهذا السلطان هو العلم الذي رفع الاسلام شأنه فجعل العلماء هم من يخشون الله حق خشيته
  • البشرية اليوم رغم تقدمها المادي والعلمي في كل المجالات والميادين هي في أمس الحاجة الى هدي السماء الذي جاء به الانبياء عليهم السلام، اذ لم يستطع العلم ولم تستطع المادة ان يحلا محل الدين، لم يستطع العلم ولا المادة ان يجيبا عن سر الوجود ولا الغاية منه هل هي أرحام تدفع وأرض تبلع؟ هل خلقنا عبثا ولغير غاية؟ ! كلا وألف كلا
  • هنا يأتي جواب الدين في المطلق، كل الاديان تتفق على اننا لم نخلق عبثا، والقرآن الكريم يجيب بأفصح كلام (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون) لقد خلقنا لغاية هي عبادة الله، وخلقنا بقدر معلوم ومصير الجميع هو الى الله (وان الى ربك الرجعى)، كلنا كادح الى ربه كدحا فملاقيه، وكلنا نصير الى أجل معلوم اذا جاء لا تستأخر ساعة ولا نستقدم، وكلنا الى فناء والبقاء هو لله وحده (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام)وما نحن في هذه الدار الا عابرو سبيل وان المآل هو الى الدار الآخرة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
  • والبشرية اليوم في كل مجتمعاتها المتقدمة المتحضرة كالتي انتم تعيشون بين ظهرانيها في هذه البلاد او في المجتمعات النامية لكي لا نقول المتخلفة، البشرية هنا وهناك وفي كل مكان محتاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى اللى تعاليم الاديان السماوية، وما جاء به من عند الله الانبياء والمرسلون عليهم السلام لكي يعود للانسان توازنه ووسطيته، ولكي يتغلب جانب الخير فيه على جوانب الشر التي نراها تدفعه الى حتفه ويسعى من خلالها الى هلاكه وهلاك غيره من الناس

 

  • البشرية جمعاء اليوم تعيش شقاء ما بعده شقاء ورهقا ما بعده رهق. انظروا الى التفكك العائلي والأسري والانحراف السلوكي والاخلاقي فلا شيء يفرق بين الانسان والحيوان انظروا الى ضحايا الادمان والمخدرات وضحايا العنف والاغتصاب والقتلى الذين هم بالآلاف

 

  • ترى ماذا دهى الانسان حتى يفعل بنفسه وبغيره ما يفعله العدو بعدوه؟

 

  • انها القيم الاخلاقية التي انهارت، القيم الاخلاقية التيةهي اساس كل صلاح وفلاح

 

  • واذا اصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا

 

  • القيم الاخلاقية هي جوهر الرسالات السماوية، وكان فيها الانبياء والمرسلون مضرب المثل في الرحمة والرأفة واللطف والرفق واللين. كانوا عليهم الصلاة والسلام دعاة لتلك القيم بأفعالهم وسيرهم العطرة وبادبهم العالي الرفيع قبل البعثة وبعدها، كانوا جميعا صورة مطابقة لبعضهم البعض مثل خاتمهم وامامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه جل من قائل (وإنك لعلى خلق عظيم) فكان عليه الصلاة والسلام عظيما في رحمته ورفقه ولينه وعفوه وصفحه كان عظيما في أمانته وكان عظيما في كرمه وجوده وسخائه، وكان عظيما في كل جوانب ومناحي شخصيته. كل ناحية فيه كان فيها الأكمل والأجمل والافضل، كان مثال الصاحب ومثال الزوج ومثال الاب ومثال الجار ومثال الشريك ومثال المتقاضي، كان كذلك في كل احواله وشؤونه لا تغيره ولا تبدله الظروف في الغضب والرضا وفي العسر واليسر وفي السلم والحرب، بذلك أمره ربه فامتثل (ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر) فكان كاحدهم في بيته مع اهله وعندما يخرج للناس ويلتقي بهم ويتعامل معهم، دفع بالتي هي أحسن فلم يزد يوم الطائف وهو في وضع شديد على القول (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) ولم يتأخر يوم فتح مكة عن ان يقول لقريش الصاغرة الذليلة (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء) صلى الله عليك يا رسول الله ما أكرمك وما احلمك وما ارأفك وما ارحمك اقتبست من نور المشكاة التي اقتبس منها اخوك عيسى عليه السلام الذي طلب المغفرة لقومه فقال فيما نتلوه من قرآن مناجيا ربه سائلا الرحمة والغفران (ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم)
  • وما أجملها من مناسبة في هذا الشهر، شهر ديسمبر الذي احتفل فيه المسلمون في اوله بذكرى ميلاد سيد الكائنات محمد عليه الصلاة والسلام ويتهيأ المسيحيون كذلك معهم المسلمون للاحتفال بذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام في آخر هذا الشهر وهي مناسبة لاستعراض سيرتهما (عيسى ومحمد عليهما السلام) العطرة الزكية المليئة بالعبر والمواعظ والدروس التي تظل الحاجة ماسة اليها خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المجتمعات البشرية في كل أرجاء العالم حيث الحروب والمجازر والتطهير العرقي والتمييز العنصري والنيل من الحقوق الاساسية للانسان في الارض المباركة حيث اولى القبلتين وثالث الحرمين القدس الشريف ارض الديانات السماوية الثلاثة وهناك في أقصى اسيا حيث اقلية الروهينقا والتي تحركت لمأساتها كل الضمائر الحية ومنها بابا روما الذي هاله ما شاهد و رآه من انتهاك لأبسط حقوق الانسان انه التعاون على الخير بين المؤمنين لا نملك الا ان نحييه ونشجع عليه داعين الله تبارك وتعالى ان يلهم عباده الى ما فيه صلاحهم وفلاحهم ونجاتهم انه سبحانه وتعالى سميع مجيب واستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم انه هو الغفور الرحيم


الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.