بين افريقيا والعالم العربي الاسلامي تواصل ثقافي وحضاري(1)

بين افريقيا والعالم العربي الاسلامي تواصل ثقافي وحضاري(1)


بين العالم العربي الاسلامي وافريقيا تواصل جغرافي وبشري واخذ وعطاء وتكامل وتمازج علمي ثقافي وديني روحي يمتد إلى عهد بعيد شهد انطلاقته بالفتح الاسلامي فكانت افريقيا دار هجرة اولى وثانية لاوائل المسلمين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان لا يزال في مكة المكرمة قبل أن ياذن له الله بالهجرة ويختار له ولاصحابه المدينة المنورة مهاجرا ومقاما، كانت الهجرة إلى الحبشة حبث النجاشي ذلك الملك العادل الذي لا يظلم عنده احد والذي كان عند حسن ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم به حيث اكرم وفادة المهاجرين إلى بلاده الفارين من ظلم قريش وجبروتها. وكان على راسهم جعفر بن ابي طالب الملقب بجعفر الطيار والذي كان افضل مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخصائص الدين الذي جاء به من عند الله للناس أجمعين (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) والذي هو تواصل لرسالات السماء السابقة ولهدي انبياء الله ورسله الكرام عليهم السلام والذين لهم في الاسلام مكانة ومنزلة رفيعة ونزلت الآيات التي تلاها جعفر على مسمع النجاشي بردا وسلاما على قلبه وكان ذلك بداية انشراح صدره وهدايته للنور الذي جاء به من عند الهل سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي لما بلغه نعي النجاشي وهو في المدينة صلى عليه صلاة الغائب التي لا تصلى إلا على المسلم. تلك صفحة من التفاعل المبكر بين العرب والمسلمين والافارقة لم تلبث أن تلتها صفحات اخرى انطلقت بالفتح الاسلامي للشمال الافريقي الذي تواصل وامتد ولكن بغير غزو وبدون جيوش عن طريق التجار والرحالة والعلماء ومشائخ الطرق الصوفية واقبل الافارقة على الاسلام يكرعون من معينه العذب ويعتنقونه عن اقتناع لما وجدوه فيه من واقعية وملاءمة للفطرة ويسر وسماحة اذ لم تحدث مبادؤه في عاداتهم واعرافهم السليمة ادنى صدمة واصبحوا على مر العقود اهل الاسلام واهل لغته وثقافته وحضارته الثرية الانسانية ولا يزال التواصل بين العالم العربي الاسلامي وافريقيا يتشكل في ما لا يمكن حصره والاتيان عليه من مظاهر العطاء المادي والمعنوي وكان ولا يزال وراء ذلك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه واخلصوا اعمالهم لوجه الله فدامت هذه الاعمال ولم ينقطع مددها (وما كان لله دام واتصل). ولا يمكن أن يستثنى من هذا العطاء بلد من بلاد العرب والاسلام وكان لبلدان الشمال الافريقي بحكم القرب والجوار نصيب الاسد ولا تزال اثار هذا التواصل بين بلدان شمال الصحراء وبلدان ما وراء الصحراء بادية للعيان تتوارثها الاجيال المتعاقبة، انها اسر وعائلات وقبائل، وهي ملوك وامراء هم اليوم في افريقيا يحملون لواء الاسلام والثقافة العربية صامدين صمود الابطال في مواجهة مختلف التحديات: المناخية الجغرافية والمادية الاقتصادية والفكرية العنصرية. هناك في شنقيط وتمبكتو وقاو واقاديس وكانو في بلاد السودان الافريقي مئات الآلاف من تلاميذ وطلاب المدارس والمعاهد والمحاضر والخلاوي والزوايا يحفظون عن ظهر قلب كتاب الله العزيز القرآن الكريم وعشرات المتون المطولة في مختلف فنون وفروع الثقافة العربية الإسلامية يتساوى في الاعتزاز بهذا الشرف الاثيل الذكور والاناث والصغار والكبار يحصلون ذلك المستوى الرفيع من العلوم العربية الإسلامية بوسائل متواضعة وفي ظروف صعبة ولكن على ايدي شيوخ بررة محضوا اعمالهم لوجه الله لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. ومن تيسر له أن يزور بلدان افريقيا ما وراء الصحراء أو حتى يلتقط بعض المحطات التلفزية التي تبث من هناك يسمع ويرى عجبا: فصاحة وبراعة وتمكنا من ناصية اللغة العربية وارتجالا لاجمل واروع القصائد الشعرية حيث يتبارى في الإتيان بها وصياغتها فحول من الشباب الافارقة: ذكورا واناثا. كان ولا يزال وراء كل ذلك جنود خفاء وكانت وراء ذلك مؤسسات علمية عريقة عتيدة منها الزيتونة كعبة الشمال الافريقي ومنها القرويين مقصد طلبة العلم من غرب افريقيا ومنها الازهر الشريف الذي لم يعرف عطاؤه الانقطاع والذي اخذ باسباب التطوير والتجديد جاعلا للطب والزراعة والتجارة اختصاصات لطلبة الازهر إلى جانب الشريعة وأصول الدين واللغة العربية وقد تعززت في العقود الماضية الزيتونة والقرويين والازهر بكل من جامعة الامير عبد القادر في الجزائر وكلية الدعوة الإسلامية في ليبيا بفروعها في تشاد والسنغال ومالي وبنين والنيجر ونيجيريا... وتخرج من كل هذه الجامعات العتيقة والحديثة مئات بل آلاف من الطلبة الافارقة الذين عادوا إلى بلدانهم ليكونوا هناك سفراء ورسل الاسلام واللغة العربية والثقافة الإسلامية. والقارئ لا شك في شوق إلى تسليط المزيد من الأضواء والتعريف ببعض ملامح ورموز هذا التواصل العربي الافريقي.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.