باب الحج3
الدرس الثاني عشر: في الكلام على الأصل الثالث الذي يمنع على الحاج يعني يمنع على المحرم الصيد فلا يقتل شيئا من صيد البر سواء كان مأكولا اللّحم أو لا وسواء كان طائرا أو ماشيا في الحرم أو غيره ولا يدل عليه ولا يأمر به ولا يشير إليه - فإن أمر - أو دل - أو أشار فقد أساء ولا كفارة عليه.ولا يأكل لحم صيد- وكل ما ذبحه المحرم من الصيد أي قتله عمدا أو خطأ فهو ميتة لا يجوز أكله له ولا لغيره.ويجوز له ذبح الماشية الإنسية كالأنعام والطير الذي لا يطير كالدجاج ويجوز قتل الحيوان المضر كالأسد والذئب والحية والفارة والكلب العقور والعقرب. ويجوز له صيد البحر مطلقا. الأصل الرابع من الممنوعات- يمنع على المحرم النساء أي لا يجوز له أن يقرب امرأة بوطء ولا تقبيل ولا نكاح ولا خطبة لنفسه ولا لغيره ولا لمس ويفسخ نكاحه ان وقع قبل البناء وبعده. وحكم المرأة فيما تقدم كالرجل إلا في ثلاثة أمور: يجوز لها لبس المخيط والخفين- وتغطية رأسها لأن إحرامها في وجهها وكفيها- وإحرام الرجل في وجهه ورأسه- فإن غطى الرجل رأسه فقد أساء وعليه الفدية والله أعلم. *** الدرس الثالث عشر: في بقية الكلام على الأصل الرابع من الممنوعات ثم أن المحرم لا يزال ممنوعا من هاته الأصول الأربعة المتقدمة حتى يحلق رأسه بمنى فإذا حلق رأسه حل له كل شيء إلا الصيد- والنساء- والطيب- فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شيء وخرج عن الإحرام بالكلية. وأما الفدية - فهي كفارة ما يفعله المحرم من الأمور الممنوعة المتقدمة يستثنى من ذلك الصيد والوطء- فإذا لبس مخيطا أو حلق شعره أو غطى رأسه أو فعل غير ذلك عمدا أو خطأ أو جهلا فتجب عليه الفدية. أما صيام ثلاثة أيام- أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبيء صلـّى الله عليه وسلـّم أو ذبح شاة يتصدق بها وتسمى نسكا وهي على التخيير مع العسر واليسر في أي مكان شاء. وأمّا الصيد ففيه الجزاء بقدر الصيد ينحره أو يذبحه بمنى أن أوقفه بعرفة ويجعله صدقة- أو إطعام مساكين وذلك بأن يتصدق بقيمة الصيد الذي قتل مدا لكل مسكين بمد النبيء صلـّى الله عليه وسلـّم أو يصوم أياما بعدد إمداد الطعام في أي مكان شاء وفي أي زمان والله أعلم. *** الدرس الرابع عشر: تقدم الكلام على جزاء الصيد بأن ينحره أو يذبحه أو يتصدق بقيمة ذلك مدا لكل مسكين أو يصوم أياما إذا تقرر هذا فأقول إنّ هاته المذكورات هي على التخيير بعد أن يحكم عليه عدلان من فقهاء المسلمين يحكمها على نفسه فيقومان الصيد بالهدي أو بالطعام أو بالصوم و يختلف الهدي ففي حمار الوحش أو بقرة الوحش- بقرة - وفي النعامة بدنة- والضبي شاة- وفيما دون ذلك طعام أو صيام إلا حمامة الحرم ففيها شاة. وأما الوطء فمفسد للحج أنزل أو لم ينزل عامدا أو ناسيا أو مكرها في آدمي أو غيره بالغا أو لا وكذلك إلا نزال سواء كان بوطء أو بغيره كنظرة أو فكر مستديمين إلا الاحتلام فلا يفسد الحج ولا يترتب عليه شيء سوى الاغتسال. والهدي يكون من الأنعام وأفضله إلابل ثم البقر ثم الضان ثم المعز وحكمها في السلامة من العيوب والسن حكم الضحايا. ويأكل صاحب الهدايا منها كلّها إلا من أربعة: جزاء الصيد- النذر المعين للمساكين- هدي التطوّع للمساكين- فدية لم تجعل هديًا. فعلم مما تقدم أن دماء الحج ثلاثة فدية – وهدي- وجزاء صيد (فائدة) موانع الحج سبعة: أولا- للأبوين منع ولدهما – ثانيا- الحجر فلا يحج السفيه إلا بإذن سيده ثالثا- للسيد منع عبده- رابعا- للزوج منع زوجته خامسا- الحبس لأجل دم أو دين لأنه كالمريض في الحكم سادسا- الدين يعني لرب الدين أن يمنع مدينه فإن كان المدين معسرا والدين موجلا لا يمنعه سابعا- المرض فإذا أصابه المرض بعد إحرامه لزمه أن يمكث على إحرامه إلى أن يبرأ وأن طال المرض فإذا برء اعتمر وتحلل من إحرامه بعمرة ولا يفعل ما بقي من المناسك وفي العام القابل يقضي حجة والله أعلم. *** الدرس الخامس عشر:- المبحث الثامن في الكلام على زيارة قبره صلـّى الله عليه وسلـّم- وذكر الحرم والمواضع المقدسة. أما زيارته صلـّى الله عليه وسلـّم فإذا خرجت من مكة فيستحب لك أن تطوف بالبيت طواف الوداع وأن تخرج من كدى بضم الكاف والتنوين ولتكن نيتك وعزيمتك وقلبك متوجها إلى زيارة مقامه صلى الله عليه و سلّم لأن زيارته سنّة مجمع عليها و مرغب فيها عند مقامه وليكثر الزائر من الصلاة على النبيء صلـّى الله عليه وسلـّم في طريقه ويستحب له أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويتطهر وأن ينزل من راكبته أو سيارته إذا قارب الدخول إلى المدينة المنورة ويمشي راجلا تادبا معه صلـّى الله عليه وسلـّم. فإذا بلغ المدينة دخل مسجد النبيء صلـّى الله عليه وسلـّم ويقف أمام قبره الشريف ولا يلتصق به ويكون في ذلك متصفا بالخشوع والخضوع ويشعر نفسه أنه واقف بين يديه صلـّى الله عليه وسلـّم. بأن يقول السلام عليك أيها النبيء ورحمة الله وبركاته ثم يقول صلـّى الله عليك وعلى أزواجك وذريتك وعلى أهل بيتك وعلى أهلك أجمعين كما صلـّى على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك عليك وعلى أزواجك وذريتك وأهلك كما بارك على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين أنك حميد مجيد ويقول استحبابا فقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة- وعبدت ربك- وجاهدت في سبيله ونصحت لعبيده صابرا محتسبا حتى أتاك اليقين صلـّى الله عليك أفضل الصلاة وأتمها وأطيبها وأزكاها ثم يسلم على ضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويتشفع به صلـّى الله عليه وسلـّم إلى الله ثم يصلـّي بين القبر والمنبر ويودع النبيء صلـّى الله عليه وسلـّم عند خروجه من المدينة وأما المواضع المقدسة التي ينبغي قصدها وزيارتها تبركا فخمسة: قبر إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر وهما في الحجر - وقبر آدم أبو البشر عليه السلام في جبل أبي قبيس- الغار المذكور في القرآن وهو في جبل أبي ثور- الغار الذي في جبل حراء وهو الذي ابتدأ فيه نزول الوحي على رسول الله صلـّى الله عليه وسلـّم- قبور مكة والمدينة من الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وأما الحرم فالمدينة أفضل من مكة مع أن كل واحد منها حرم. يمتنع فيهما ما يمنع الإحرام من الصيد وغيره ومن فعل ذلك فعليه الجزاء كما على المحرم في صيد مكة لا في المدينة ولا يجوز له قطع شيء من شجر يبس أم لا والله أعلم