الهجرة: انتقال من موقع إلى موقع مصحوب بإعداد محكم وتسديد وتأييد إلهي من الانطلاق إلى الوصول
الهجرة فيصل بين عهدين: العهد المكي والعهد المدني فإذا كان العهد المكي هو عهد التأسيس فإن العهد المدني هو عهد الانطلاق الذي لم يعرف التوقف إلى اليوم والى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. والهجرة التي كان عمر بن الخطاب موفقا أيما توفيق عندما قدمها على كل الإحداث الأخرى الهامة واتخذها مبتدأ لتاريخ المسلمين تستحق هذا التقديم على بقية الإحداث الأخرى باعتبار ما تمثله من تأكيد على تميز أمة الإسلام واستقلاليتها وما تمثله أيضا من تعلق بالمبدأ والهدف ولان هذا الاختيار لم يجانب الصواب فقد تلقته الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل بالقبول والرضى ومثلما تلقت مواقف عديدة أخرى لعمر الفاروق رضي الله عنه الذي يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمر مع الحق يميل حيث مال) وقال (لو لم ابعث فيكم لبعث فيكم عمر) وقال (لو كان في هذه الأمة محدث (بفتح الدال) فعمر) وقد نزل الوحي عديد المرات موافقا للرأي الذي يذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والأمة الإسلامية تؤرخ بالهجرة وتقف عندها في مطلع كل عام جديد لتجدد العهد والتعلق بصاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام ولتستمد من هذه المناسبة ما يزيد العقيدة رسوخا والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام قوة. * وميزة التأريخ بالهجرة انه يربطنا بأحداث كبرى فيجعلها لا تنسى وتبقى راسخة في أذهاننا من هذه الإحداث ما هو خارج عن نطاق القدرة والإرادة البشرية ومنها ما هو مندرج ضمن إطار المطلوب من الإنسان أن يبذله وكل منهما يمثلان معا خصوصية لدين الإسلام وأمته تميزهما عن بقية الأديان والأمم. الهجرة سبيل كل الأنبياء * فمما هو خارج عن الإرادة البشرية في الهجرة ذلك الحكم الإلهي بحتميتها وعدم التملص منها، إذ لا بد لكل نبي ورسول من الهجرة فهي هجرة حسية مادية للمكان وهي أيضا هجرة معنوية ونفسية يهجر فيها النبي والرسول عليهما السلام المعتاد الذي كثيرا ما يترك آثاره بحيث يمكن أن يتحكم من قريب أو بعيد في مسار ومصير النبي أو الرسول ولأن الأنبياء والمرسلين هم صفوة الله من خلقه فلا بد أن يتحرروا من تأثير المحيط المادي والاجتماعي. فما من نبي أو رسول إلا وتعرض إلى الامتحان والابتلاء من تكذيب وتسفيه ومطاردة وملاحقة وما من نبي أو رسول إلى تسلط عليه قومه عندما دعاهم إلى هجر ما يعبدون من دون الله وبعد الصبر والمصابرة والتحمل وما يصاحبهما من إصرار واستمرار في الدعوة سرا وجهرا يأذن الله تبارك وتعالى للنبي أو الرسول بالهجرة إلى موقع آخر يختاره الله تبارك وتعالى ويكون تربة خصبة للدعوة الجديدة وما المكوث لمدة طويلة قبل الهجرة إلا لإقامة الحجة ليهلك من يهلك عن بينة وينجو من ينجو عن بينة، وقبل وقوع ما يقدره الله تبارك وتعالى للمعاندين المنكرين للحق يرد الوعد والوعيد والتبشير والتحذير بل يرد على لسان النبي الوعد من الله بالفتح المبين والتمكين واستبدال المعاندين الكافرين بالمؤمنين الصادقين الذين يحبهم الله ويحبونه يقول جل من قائل (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) محمد. ولقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول لبعثته بأنه سيهاجر من مكة التي بعث فيها نبيا ورسولا وقد استغرب في بادئ الأمر من موجب الهجرة ولكنه لم يلبث أن اقتنع وسلم وبقي ينتظر موعد تلك الهجرة التي لا بد منها. تقول كتب السيرة أن السيدة خديجة رضي الله عنها عندما عاد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتعد فرائصه من شدة ما رأى في غار حراء وهو يقول دثروني! دثروني! دثروني! بادرته السيدة خديجة بقولها (والله لا يخزيك الله انك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر) ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وهو الخبير بأمر الرسل والأنبياء والكتب والصحف ونواميس الوحي وعندما قص عليه الرسول عليه الصلاة والسلام ما شاهد وسمع في الغار قال له ورقة: انك النبي الذي بشرت به توراة موسى وأناجيل عيسى ولئن عشت إلى أن يخرجك قومك لأنصرنك ولأكونن معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال له ورقة: ما من نبي دعا بدعوتك إلا وأخرجه قومه. * فالهجرة هي سنة كل الأنبياء إلا أن توقيتها ومكانها لا يعلمهما إلا الله ولأجل ذلك فان الرسول عليه الصلاة والسلام عندما تعرض أصحابه للأذى والتعذيب والتضييق في مكة المكرمة خطط لهم الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة واعد لهما كل أسباب النجاح وسارت هاتان الهجرتان على أحسن وانجح ما يرام وقد أذن عليه الصلاة والسلام لكل من استأذن من أصحابه في الهجرة سواء إلى الحبشة أو إلى المدينة التي تكاثر فيها بعد البيعتين الأولى والثانية المسلمون إلا انه عليه الصلاة والسلام لم يأذن لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه عندما استأذن وقال له (تمهل يا أبا بكر لعل الله يتخذ لك رفيقا). وفعلا فعندما أذن لرسول الله بالهجرة سارع إلى منزل أبي بكر واخبره بالإذن الإلهي وكانت فرحة أبي بكر شديدة لا يمكن وصفها. حدثت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه احد طرفي النهار أن يأتي بيت أبي بكر إما بكرة وإما عشية حتى إذا كانت اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله بالهجرة وبالخروج من مكة من بين ظهراني قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه سلم بالهاجرة في ساعة لا يأتي فيها، قالت فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث قالت: فلما دخل تأخر أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج عني من عندك، قال يا نبي الله إنما هما ابنتاي، وما ذاك فداك أبي وأمي! قال: إن الله عز وجل قد أذن لي بالخروج فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله قال: الصحبة قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي من الفرح... (انظر تاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 صفحة 455). * فالهجرة إذا لم تكن باختيار الرسول صلى الله عليه وسلم في زمانها أو مكانها، نعم لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقعها وينتظر الأذن بها وهو انتظار لم يكن ليثنيه عن مواصلة دعوة الأهل والعشيرة بإلحاح (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا) متحملا في سبيل ذلك كل صنوف الأذى وقد كان لكل من عمه أبي طالب وزوجته خديجة الدور الكبير في دفع أذى قريش عنه عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه ولأجل ذلك دعا عليه الصلاة والسلام العام الذي فقدهما فيه بعام الحزن ولكن رغم ذلك واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة فعرض الدين الجديد على كل قادم على مكة وبالخصوص في موسم الحج وقد آمن نفر من أهل يثرب (المدينة لاحقا) وبايعوه على نصرته إن هو هاجر إليهم ودعا عليه الصلاة والسلام الأباعد من أهل الطائف وكان إعراضهم عنه اكبر وأذاهم له اشد ومع ذلك فقد ظل مصرا لا يبدل ولا يتزحزح مقدار أنملة عما هو مسطر له (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي). ولكي تنجح الهجرة لا بد لها من الإعداد المادي المحكم لها عملا بقوله تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ولا بد لها من الكتمان والسرية (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ولابد لها من الخدعة (الحرب خدعة) ولكن كل ذلك ينبغي أن يظل في إطار من الأخلاقية الإسلامية المتميزة التي تحفظ حقوق كل الناس حتى المخالفين وتلك هي عظمة الإسلام وعظمة نبي الإسلام الذي كان على خلق عظيم (وانك لعلى خلق عظيم) ومن خلقه العظيم ما كان يلقب به في الجاهلية وقبل بعثته نبيا ورسولا بالصادق الأمين، يقول ابن جرير (فأما علي بن أبي طالب فان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني-اخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمكة احد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعرف من صدقه وأمانته). وقد هيأت الأقدار الإلهية عليا ابن أبي طالب بالإضافة إلى آداء الأمانات إلى أهلها أن يكون أول فدائي في الإسلام وهو شرف ودور قام به على أحسن الوجوه وأتمها مما ينم عن حب شديد وتعلق كبير من هذا الفتى المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم واستعدادا لفدائه بنفسه وتلك قمة الإيثار والإخلاص. فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه أي (فتيان قريش الذين تقرر بناء على رأي أبي جهل بن هشام وموافقة من إبليس الذي جاء ناصحا على هيئة الشيخ النجدي أن يتقاسموا في ما بينهم دم رسول الله صلى اله عليه وسلم عندما بلغهم خبر عزمه على الخروج من مكة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (نم على فراشي واتشح ببردي الحضرمي الأخضر، فنم فانه لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم). ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ حفنة من التراب واخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس (يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين على صراط مستقيم) إلى قوله تعالى (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب) ابن جرير الطبري التاريخ ج2 ص451. وقبل هذا الخروج من البيت محفوفا بالعناية الإلهية التي تحرسه بعينها التي لا تنام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوكل لصاحبه الصديق مهمة الإعداد المادي والبشري الكامل لهذه الرحلة المباركة وتجندت كل أسرة الصديق لانجاز هذه المهمة والقيام بها أحسن قيام متحملة الأذى. * حدثت أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل من هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا: أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: لا ادري والله أين أبي! (وهي صادقة فيما قالت) فرفع أبو جهل يده-وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا ومكثنا ثلاث ليال لا ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. * ونفس الأذى تسلط على علي بن أبي طالب، يورد ابن جرير أن الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبحوا دخلوا الدار وقام علي رضي الله عنه من فراشه فلما دنوا منه عرفوه فقالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا ادري أو رقيبا كنت عليه، أمرتموه بالخروج فخرج فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه.) تاريخ الأمم ج2 ص452. وتحكي كتب السيرة والتاريخ أن كل أسرة أبي بكر الصديق قد تجندت: أسماء ذات النطاقين (أم عبد الله بن الزبير) وعبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة راعي غنم أبي بكر ورجل من بني عبد عدي اتخذه أبو بكر هاديا للطريق. لكل واحد من هؤلاء دور في الهجرة قام به على أحسن وجه وأتمها. أسماء تعد الزاد للرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه وعبد الله يتنصت أخبار قريش وراعي الغنم يمر بها على الغار فيشرب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه من لبن الغنم ثم تعفى على آثار الإقدام حتى لا يتفطن إلى موضع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه. وقد كان أبو بكر الصديق قد اتخذ الراحلتين وأحسن اختيار الهادي والدليل الذي سيسلك بهما الطريق غير المعتادة حتى لا تهتدي قريش إلى الرسول وصاحبه. * وفي الطريق إلى الغار الذي اختبأ فيه الرسول عليه السلام وصاحبه كان الصديق يمشي طورا خلف الرسول وطورا أمامه وطورا عن شماله وطورا عن يمينه مخافة أن يأتيه سوء يريد فداءه بنفسه وعندما دخلا الغار سد الصديق كل الثقب إلا ثقبة لم يجد بماذا يسدها فوضع فيها قدمه فلسعته منها عقرب ولم ينتبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما أصاب صاحبه إلا عندما تصبب عليه عرق الألم من اثر السم. * وعندما أرسلت قريش من يلاحق الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه ووصل إلى الغار بيضت الحمام ونسجت العنكبوت عند باب الغار مما أوهم من أرسلت بهم قريش أن هذا الغار لم يدخله احد منذ زمن طويل رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق كان عند ذلك في الغار ولكن الله تبارك وتعالى كان معهما (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) التوبة الآية 40. كان الله معهما في هذه الرحلة من أولها إلى آخرها لأجل ذلك عندما لحق بهما سراقة طمعا في ما رصدته قريش من أموال طائلة كاد أن يهلك عندما أشارت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوائم الفرس فغاصت في الأرض مرة أولى وثانية وعلم سراقة أن الله حافظ رسوله وصاحبه واكتفى بطلب الأمان والصفح وعاد من حيث أتى. وتجلت قدرة الله ورعايته لرسوله عندما مسح بيده الكريمة على ضرع شاة عجفاء في خيمة أم معبد درت على اثر ذلك لبنا شرب منه عليه السلام وشرب منه صاحبه ورفيقهما وبقي من اللبن ما ترك لأهل الخيمة وفي ذلك تقول أم معبد: جزى الله رب الناس خير جزائـه * رفيقيـن حـلا خيمتـي أم معبد هما نزلاها بالهـدى واغتـدوا به * فأفلـح من أمسـى رفيـق محمد ليهـن بني كعب مكـان فتاتهـم * ومقعدهـا للمـؤمنيـن بمرصـد وواصل الركب الميمون مسيره صوب المدينة التي كان أهلها من الأنصار ومن هاجر إليها ممن سبق الرسول وصاحبه من مكة على أحر من الجمر فلما تراءى لهم خيال رسول الله وصاحبه تعالت أصوات النسوة والرجال والأطفال والشبان: طلع البدر علينـا من ثنيات الـوداع * وجـب الشكـر علينا مـا دعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع * جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع فلا يمكن حينئذ أن يقول قائل أن من يستقبل مثل هذا الاستقبال يصح في حقه الفرار، كلا انه الانتقال من موقع إلى موقع باختيار وتسديد وعون وتأييد من الله تبارك وتعالى ومع ذلك تخطيط وإحكام وإعداد تام الشروط والأركان. * ولا بدمن الإشارة إلى أن الجانب البشري في رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغب عند الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فقد وقف عليه الصلاة والسلام يودع مكة دامع العينين قائلا لمكة (والله انك لأحب البلاد إلي، والله لولا أن قومك أخرجوني ما خرجت، اللهم كما أخرجتني من أحب البلاد إلي فاسكني أحب البلاد إليك) وفي هذا ما فيه من التعلق بالأوطان وجوازه بل ندبه واستحبابه ووجوبه على المسلم إذ لا تعارض بين ذلك وبين الإيمان الراسخ الصادق بتعاليم الإسلام ووفاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الأنصار وتعلقا بدار الهجرة المدينة المنورة وحبا لأهلها طمأنهم عليه الصلاة والسلام عندما فتح الله عليه مكة المكرمة بأن المحيا محياهم والممات مماتهم في المدينة ودعا لهم ودعا إلى حبهم وبشرهم بالشفاعة لهم يوم القيامة والبركة والأمان إلى يوم القيامة. إن دروس الهجرة كثيرة عديدة فهي آخر هجرة إذ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وبعد الهجرة أصبح كل مسلم مدعوا إلى إن يكون مهاجرا بهجران كل ما يغضب الله وأنصاريا بنصرة كل ما يرضي الله تبارك وتعالى. وبعد الهجرة بدأت صفحة جديدة ومرحلة أخرى من مراحل تاريخ الإسلام، هي متممة ومكملة لمرحلة التأسيس التي كانت في مكة المكرمة. وخاصية المرحلة المدنية (أي مرحلة ما بعد الهجرة) أنها مرحلة العملية المجسمة في حيز الواقع لتعاليم الإسلام التي تمثلت في بناء مجتمع الإسلام بكل مؤسساته وتشريعاته سواء كان ذلك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراحل الأخرى المتممة لها وبالخصوص مرحلة الخلافة الراشدة.