المقام الشاذلي: معلم ديني وحضاري حفظ لتونس خصوصيات السماحة والوسطية والاعتدال
تنطلق هذا الاسبوع فعاليات موسم الزيارات السنوي للمقام الشاذلي وهو موسم لا يزال يشدّ اليه فئات عريضة من المجتمع التونسي من الذكور والاناث ومن الصغار والكبار وذلك ليس منذ عقود من الزمان بل أكثر من ذلك بكثير. لقد غدا المقام الشاذلي في تونس معلما حضاريا وملاذا روحيا يجد فيه مرتادوه سكينة وطمأنينة وراحة نفسية ليس وراءها من سبب الا ما يدور في هذا المعلم والذي لا يخرج عما وردت الآيات القرآنية والاحاديث النبوية داعية اليه وآمرة به من ذكر لله) اذكروا الله ذكرا كثيرا) (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)، (اذكروني اذكركم...) الى غير ذلك من آيات القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي منها (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حِلق الذكر). العمل الشاذلي الدائر في المقام طيلة اسابيع الموسم الاربعة عشر أساسه ومرتكزه تلاوة جماعية للقرآن الكريم وهو أفضل ما يتقرب به الى الله بعد أداء فرائضه (وما تقرب اليّ عبدي بأفضل ما اقترضته عليه) وقراءة القرآن وتعلّمه هو خير الاعمال وبها يتفاضل المؤمنون فقد قال عليه الصلاة والسلام (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) (وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته). القرآن الكريم هو ركيزة العمل الشاذلي في المقام وفي المغارة على مدار السنة ففي كل عشر أسابيع يتم ختم للقرآن تتعالى على ثره الى الله بأخلص الدعوات الاصوات وذلك بإذن الله من اسباب الاستجابة أما الركيزة الثانية من ركائز العمل الشاذلي فتتمثل في قراءة أحزاب الإمام الشاذلي وهي صيغ بليغة في الدعاء والضراعة والمناجاة والاستغاثات والتوسلات تضمنتها أحزاب ابي الحسن العديدة والتي منها أحزاب: البحر والبرّ والتوسّل والفتح والنصر واللطف والاسرار وغيرها وهي أحزاب تتضمنها المجاميع المطبوعة والمخطوطة والتي يحفظها الشاذلية عن ظهر قلب وهي أحزاب تأخذ قارئها وسامعها في تجليات ومقامات روحية سامية يتحرّر فيها من كل ما يمكن أن يشدّه من مكبلات ومثبطات فيشعر براحة وسعادة وطمأنينة ويتذوّق حلاوة إيمانه. وللايمان حلاوة لا يعرفها ولا يتذوّقها الا من سلك سبيلها وجاهد هواه ونفسه الامّارة مصداقا لقوله جلّ من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). وينتهي العمل الشاذلي الجاري بذكر الله تسبقه أنشاد ومدائح وضراعات يتوالى في أدائها شيوخ مهرة، ذلك هو العمل الشاذلي الذي ظلّ بحمد الله متصل السند على مرّ العقود في انتظام وانسجام لا نكاد نجد له نظيرا. فهذا المقام المفخرة الرفيع حقيقة ومجازا فهو يطل على حاضرة تونس وضواحيها وبحيرتها تتلألأ أنواره مشعة يذهب بها كل ظلام وظلمة لتحلّ محلها محبة وسماحة ورفق وأمن وسلام وألطاف إلاهية ظاهرة وخفية لا ينكرها الا مجادل وتقوم عليها الحجج والبراهين فتتوالى الاحداث على هذه البلاد التونسية وأهلها فتكون دائما بفضل الله بأقل ما يمكن من الهزات والتقلبات والخسائر في الانفس والممتلكات والحمد لله على ذلك. المقام الشاذلي في تونس معلم ديني روحي وحضاري ثقافي حفظ للبلاد التونسية خصوصيات السماحة والوسطية والاعتدال والرفق والرحمة واللين. كل ذلك في حفاظ على ثوابت العقيدة الاسلامية السنية السمحة بأشعريتها ومالكيتها وجنيديتها فإذا كان جامع الزيتونة هو المؤصل والمرسخ علميا لهذه الثوابت والخصائص فإن المقام الشاذلي ومعه معالم أخرى (سيدي بوسعيد، سيدي محرز، السيدة المنوبية، سيدي علي الحطاب، سيدي عبد العزيز على مستوى الحاضرة وما حواليها) هذه المعالم وعلى رأسها المقام الشاذلي هي المرسّخة عمليا وتطبيقيا لخصائص الاسلام في تونس وذلك من خلال ما يدور في موسم الزيارة وما يدور في المغارة على مدار العام وكل ذلك متطابق تمام التطابق مع نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة ومقاصدها القريبة والبعيدة. والتحية بهذه المناسبة واجبة للقائم على هذا المعلم فضيلة الشيخ حسن بن حسن الذي أتاه الله خلقا كريما يغمر به كل مرتاد للمقام المغارة من كل الفئات ومن داخل تونس وخارجها جازاه الله خيرا.