المغرب يودع الشيخ سيدي حمزة القادري البودشيشي رحمه الله أحد الربانيين الكبار في العصر الحديث
ودع المغرب الشقيق في الفترة القريبة الماضية أحد الشيوخ الربانيين الكبار في العصر الحديث أ لا وهو الشيخ سيدي حمزة بن العباس القادري البودشيشي رحمه الله (1922/2017) شيخ الطريقة القادرية البودشيشية بعد عمر مديد قضاه في التربية والتوجيه والتزكية الروحية على نهج سلف الأمة الصالح.
- وقد هبت لشهود جنازته جماهير غفيرة جاءت من كل أنحاء المغرب بل ومن البلدان الاوروبية (فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، ايطاليا وغيرها) لتوديع هذا الشيخ الجليل الذي بدت جليا ومنذ عقود بصماته وآثاره في المشهد المغربي والعربي والاسلامي متمثلة في تلك الجموع الغفيرة التي تعد بعشرات الآلاف (بدون مبالغة) ومن كل الفئات من الشباب والكهول والشيوخ ومن النساء والرجال ومن كل الطبقات بما فيها النخبة من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين في مختلف الاختصاصات وكذلك من يتحملون أرفع المسؤوليات في المغرب وفي البلدان الاوروبية والاسيوية.
- لقد وجد كل هؤلاء في الشيخ سيدي حمزة بن العباس رحمه الله ما يبحثون عنه من العارفين الربانيين الذين تذكر بالله برؤيتهم، ذلك هو الشيخ حمزة رحمه الله ساكن مداغ من ناحية بركان بجهة وجدة الواقعة شمال شرقي المغرب على الحدود مع الجزائر، في زاوية واسعة الارجاء متعددة المرافق ممتدة الساحات على سفح هضبة مطلة على الحقول الخضراء يشد اليها الرحال من ينشدون الصفاء والسكينة والطمأنينة التي هي ثمرة لذكر الله الذي تتعالى به اصوات الذاكرين آناء الليل وأطراف النهار بارشاد من شيخهم الذي تلهج ألسنتهم بكل العبارات الدالة على صدق تعلقهم به فهو من أخذ بأيديهم في سلوك الطريق الى الله.
- سار الشيخ سيدي حمزة على نهج آبائه وأجداده من العلماء والصلحاء والوطنيين الاحرار الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي وأبلوا في ذلك البلاء الحسن وبعد التحصيل للعلوم الشرعية على أيدي علماء القرويين تفرغ الشيخ سيدي حمزة للتربية الروحية الربانية المحمدية بمثابرة وإخلاص فآتى مجهوده الثمرة المرجوة المتمثلة في هؤلاء الاتباع الذين يعدون بعشرات الآلاف ويمثلون ثقلا بشريا وازنا ومؤثرا بالمشهد المغربي مقدمين الاضافة المتميزة البعيدة عن الغوغاء والتعصب والتزمت والنائية بنفسها عن الصراعات المذهبية والسياسية والمتفرغة لشؤونها الخاصة والعامة في تجرد وإخلاص وفي بذل وعطاء من نوع خاص. وقد شد كل ذلك اهتمام الداخل والخارج فأعدت التحقيقات وأقيمت المناظرات حول خصوصية الزاوية القادرية البودشيشية وشيخها سيدي حمزة بن العباس رحمه الله
- وكانت احتفالات الزاوية كل عام بذكرى المولد النبوي الشريف مشهدا روحيا وفكريا تشد اليه الرحال وقد زاده الملتقى العالمي للتصوف الذي بلغ دورته الحادية عشر ثراء واهتماما حيث يحاضر فيه كبار المفكرين والعلماء والاساتذة الجامعيين من المغرب وخارجه ويديره باقتدار وذكاء وفعالية حفيد سيدي حمزة الدكتور مولاي منير القادري ويتابع فعالياته سيدي جمال خليفة الشيخ سيدي حمزة من بعده.
- وقد كان لي شرف السلام على سيدي حمزة رحمه الله أكثر من مرة آخرها قبل وفاته بمدة وجيزة في منزله بالمنيعة والتمست منه كل مرة ان يخصني بخالص دعواته كما كان لي شرف المشاركة في الملتقيات العالمية الاخيرة للتصوف الاسلامي وحضور الليلة الكبرى (ليلة الاحتفال بالمولد النبوي) والتي تنتظم كل عام بحضور الشيخ حمزة وتقام في المسجد الكبير الذي هو في طور التشييد وتتعالى فيه الاصوات الشجية بالامداح المحمدية والانشاد والتجليات الروحية بقيادة الشيخ سيدي معاذ (شقيق مولاي منير) والتي تجعل من الليلة الكبرى ليلة متميزة ليس فقط في المغرب بل وعلى الامتداد العربي والاسلامي
- وقد تشرفت بالقيام بواجب العزاء في الشيخ سيدي حمزة رحمه الله وحضرت ما أقيم من فعاليات تمثلت في تجديد العهد من طرف مريدي الطريقة القادرية البودشيشية للشيخ سيدي جمال حفظه الله وسدد خطاه ونفع به وما أقيم من سهرات امتدت الى مطلع الفجر من طرف الجموع الغفيرة الممتلئة سكينة وخشوعا وتأثرا على فراق الشيخ سيدي حمزة رحمه الله وما تعالت به اصواتهم من أذكار وضراعات ودعوات وصلوات خاشعات.
- كما شهدت جانبا من تلك الوفود الممثلة للزوايا والطرق والهيآت والمنظمات والاحزاب التي جاءت من كل انحاء المغرب ومن خارجه تقدم واجب التعزية في الشيخ سيدي حمزة وكان التفاعل الرسمي في أرفع مظاهره حيث حضر الجنازة مستشاران من مستشاري الملك محمد السادس والعديد من الوزراء وكبار المسؤولين ومباشرة وفي اليوم الموالي للجنازة استقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء الشيخ سيدي جمال الذي قدم له تعازي اسرة الزاوية القادرية البودشيشية واتباعها وتولت كل وسائل الاعلام من صحف وجرائد ومحطات اذاعية وتلفزية الاعلان عن الوفاة وتغطية مراسم الجنازة ونشرت المقالات والتحقيقات المطولة عن الشيخ سيدي حمزة رحمه الله والطريقة القادرية البودشيشية وما تميزت به وما عرفته في مسيرتها من مواقف وطنية ودينية.
