الكتاب الديني ومخاطر التراجم الضعيفة والمشوهة وأثرها السلبي في تكريس الشبهات
إنّ ما يلصق بالإسلام وبكتابه القرآن الكريم المحفوظ بإرادة الله (إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون) وما يلصق زورا وبهتانا بنبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي رفع الله له ذكره بين الناس (ورفعنا لك ذكرك) كبير في كمه وأكثر الكتب انتشارا باللغات الأجنبية هي تلك التي تستعرض حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الترجمات للقرآن الكريم، فالجميع اليوم بعد أحداث 11 سبتمبر وبعد الحملات المسعورة على الإسلام ونبي الإسلام عليه السلام وعلى المسلمين واتهامهم بأبشع التهم وأوهاها، الجميع اليوم من مختلف الأجيال والفئات والمستويات الاجتماعية يريد أن يتعرف على الإسلام ويسال عن الكتب والمؤلفات في هذه المواضيع التي فيها الكثير من الدس والغش وفيها الكثير من السطحية والجهل وفيها الكثير من الضحالة وعدم تقدير الضروريات وتقديم الأهم على المهم فقد اشتد الطلب وقل العرض واغتنم الفرصة التجار الذين يتاجرون بكل شيء والمهم بالنسبة إليهم الربح والربح السريع ولو تسبب ذلك في الارتجال والتسرع وما يستلزمانه من رداءة وانزلاقات، فالمتجول بين المكتبات سواء في الأحياء التي يقطنها ويرتادها مسلمون (بلفيل وكورون في باريس مثلا) أو الأحياء الراقية حيث الجامعات العريقة (السوربون) وحتى في المساحات الكبرى في المغازات الشهيرة فالكتاب عن الإسلام بالفرنسية هو اليوم الأكثر حضورا والأوفر بيعا وكبريات دور النشر الفرنسية إصداراتها الإسلامية والإصدارات عن الإسلام بالفرنسية فيها ما هو أكاديمي جامعي وهو قليل والكثير منه استعراضي ظرفي ركب موجة الاهتمام بالإسلام والمسلمين. ومن الكتابات عن الإسلام ما هو مترجم عن العربية وحتى عن التركية والفارسية، إنها حركة ترجمة نشيطة حتى لا يكاد كتاب من كتب الثقافة الإسلامية المعروفة للعلماء القدامى وللمفكرين المعاصرين إلا وهو مترجم إلى الفرنسية وهناك السلاسل في شكل كتاب الجيب المخرج إخراجا جميلا ومغريا، ولكن أية ترجمة؟ إنها ترجمات متسرعة فقد بلغ إلى مسامعي أن بعض الناشرين يوزعون فصلات من الكتاب الواحد على طلبة الجامعات في فرنسا من أصول عربية ليترجموها بمقابل زهيد ثم لا تلبث تلك الفصلات أن تضم إلى بعضها لتصدر في كتاب أنيق باللغة الفرنسية هو ترجمة لأحد كتب الإمام الغزالي أو الإمام النووي وغيرهما هؤلاء من الأسماء اللامعة أما كتب التفسير فهي أيضا ترجمت واختصرت واختزلت وكل ذلك على عجل وعلى أيدي غير مختصين!! ولقد كانت هذه الترجمات الحرفية السطحية التي من المؤكد أن أصحابها والذين قاموا بها (أي الترجمة) لم يدركوا المعنى الأصلي في اللغة التي ترجم منها ذلك النص (اعني اللغة العربية) لقد كانت هذه الترجمات منفرة مضحكة مخجلة وأبعدت عن الإسلام أكثر مما قربت إليه وتلك طامة كبرى ينبغي التنبه إليها واتخاذ ما ينبغي اتخاذه ولا يعني ذلك وصاية على الفكر ولا تحديدا للحريات معاذ الله فالواجب يقتضي أن نقدم ديننا وثقافتنا وعطاءات علمائنا ومفكرينا ففي ذلك إشعاع وانصهار في العالمية ولكن ذلك ينبغي أن يكون على اصح الوجوه وأقربها إلى التعبير عن مضامين هذه الثقافة وأيضا مع مراعاة عقلية كل ثقافة وحضارة ولغة، وحدث عن الأفهام السقيمة والسطحية والحرفية الضيقة ولا حرج. وهذا ما ينبه إليه بالخصوص الذين تهيأ لهم أن يتعرفوا على الترجمات السريعة والسقيمة التي بادرت للقيام بها بعض دور النشر والمكتبات التجارية، لا أريد إن أورد أمثلة لذلك فهي كثيرة جدا ولكن أريد أن أنبه إلى ما ينبغي التعجيل به من لفت أنظار الجهات الناشرة لهذه الترجمات إلى ضرورة أن تحيل ما يترجم لها إلى لجان تكونها من أهل الذكر العارفين باللغتين الأصلية (العربية) والمترجم لها (الفرنسية) لتعديل ما ينبغي تعديله حتى تصل المعاني إلى القارئ المتلهف المتشوق شديد الشوق للتعرف على الإسلام وكتابه ورسوله وثقافته حتى تصل سليمة اقرب ما تكون إلى حقائقها والمراد منها ومسؤولية الهيآت العلمية والدينية على امتداد البلاد الإسلامية وفي طليعتها بلاد الشمال الإفريقي كبيرة ودورها فاعل فهي الأقرب وهي الأقدر والأعرف بعقلية الآخر فينبغي عليها أن لا تتأخر. من يقوم بجولة ولو سريعة بين القنوات التي تبث برامجها على مختلف الأقمار الفضائية يلاحظ كما هائلا للمحطات التي تبث مادتها بكل اللغات وتستجيب لكل الأذواق والهوايات والاهتمامات وهذا الأمر في حد ذاته لم يعد مستغربا بسبب الانفجار الإعلامي والتطور الكبير جدا الذي شهده ويشهده كل يوم الميدان الإعلامي ولكن ما شد انتباهي صدفة هو تكاثر القنوات الناطقة بالعربية والمتخصصة في التبشير بالدين المسيحي. ولا أريد القيام بالدعاية لها فهي في غنى عن هذه الخدمة –إنها تبث ساعات طويلة بعضها على امتداد الليل والنهار- بالعربية الفصحى باللهجات المغربية والجزائرية والتونسية والمصرية واللبنانية و... و... وليس من حقنا –ولا في مقدورنا أن نمنع أحدا من الدعاية لدينه ومعتقده واستعمال كل ما يراه مفيدا ومعينا له على بلوغ غاياته وطموحاته فذلك حق مشروع لكل فرد ولكل طائفة. وكل ما يمكن أن نطالبهم به إنما هو الالتزام باحترام الآخر، واحترام معتقداته واجتناب التعريض بالغير، واعتقد أن اتفاقا من هذا القبيل يمكن أن يكون أحد النقاط الهامة في جداول أعمال لقاءات الهيآت المسيحية والإسلامية التي تجتمع على ارفع المستويات هنا وهناك وبتواتر متواصل إذ من شأن هذا الميثاق الذي ندعو إلى صياغته والالتزام به من قبل جميع الأطراف: المسيحية والإسلامية أن يجنبنا سوء التفاهم والاختلاف وما يمكن أن يترتب عنهما من ردود فعل تأباها جميع الأطراف. ويتأكد الالتزام بهذا الميثاق (عدم التعرض للغير والآخر بما لا يريد) عندما تكون المادة المقدمة موجهة للجمهور العريض الواسع الذي يتفاوت في مستوياته الذهنية والعلمية.