القاضي الفاضل يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله نموذج للعالم الزيتوني المستنير
فجعت الاوساط العلمية والدينية في الفترة الاخيرة بفقدان احد القضاة الافاضل واحد الشيوخ الزيتونيين الكبار فضيلة الشيخ الأستاذ يوسف ابن الحاج فرج بعد عمر مديد مليء بالعطاء العلمي الجاد والدقيق والتحقيق الفقهي الشرعي والتشريعي الذي عرف به علماء الزيتونة الأعلام الذين نهلوا من معين علم شيوخ الجامع المعمور المتصل سنده إلى امام دار الهجرة مالك بن انس عن طريق تلميذه علي بن زياد أول من ادخل الموطا إلى افريقية واحد رواته الموثوقين. * تلقى الشيخ يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله واجزل مثوبته تعليمه في جامع الزيتونة حيث تخرج منه متبحرا في علوم الشرعية في ادق اختصاصاتها ليتدرج في سلم القضاء درجة بعد اخرى إلى ان تبوا ارفع مراتبه متنقلا كسائر زملائه من قضاة تونس من محكمة تونس إلى اخرى ومن جهة إلى اخرى من البلاد التونسية لتجتمع فيه ولديه الخبرتان النظرية العلمية والعملية التطبيقية وتكون ثمرة كل ذلك احكام قضائية يصدرها تنم عن فطنة وحنكة وسعة علم واجتهاد اثرى به مثل بقية زملائه من القضاة الزيتونيين الذين جمعوا بين الفقه الشرعي والقوانين الوضعية الثروة التشريعية والقضائية التونسية. * لقد كان الشيخ يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله واجزل مثوبته نموذجا للمدرسة التونسية في العلوم الشرعية ذات الخصائص والمميزات المتمثلة في سعة الاطلاع وبعد النظر والفهم العميق لمقاصد ومرامي الشارع الحكيم في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام واجتهاد أعلام فقهاء الشريعة على مختلف مذاهبهم وبالخصوص فقهاء المالكية الذين عرفوا بالتحرير والتنوير والاجتهاد والتجديد في مواكبة لمستجدات الحياة وفي وفاء حقيقي لروح الشريعة الإسلامية السمحة. * ان الشيخ يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله واجزل مثوبته هو امتداد طبيعي لمدرسة ابن عاشور وجعيط وبيرم والنيفر والنجار والرياحي وابن عرفة وابن عبد السلام وصولا إلى ابن ابي زيد وسحنون واسد بن الفرات إلى ابن القاسم ومالك امام دار الهجرة رضي الله عنهم. * وان الثروة الفقهية والتشريعية للمدرسة التونسية في القضاء والتشريع التي تواصل عطاؤها على ايدي الشيخ يوسف ابن الحاج فرج وزملاؤه ممن جمعوا بين الفقه الاسلامي والقوانين الوضعية تعد بحق مفخرة ومعينا ثريا جديرا بالالتفات إليه والتعريف به للاستفادة منه والاستنارة به في مسيرة التاصيل والتحديث. * وابى الشيخ يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله إلا ان يوثق ما توصل إليه من بحث وتدقيق وتحقيق اثناء ممارسته لعمله كقاض في مختلف درجات المحاكم فيكون ثمرة لهذا الجهد ذلك السفر العلمي الذي لا غنى عنه بالنسبة للباحثين والدارسين والقضاة والعدول فضلا عن المهتمين والمتابعين للشان الفقهي والتشريعي والثقافي بصفة عامة، انه الكتاب الذي الفه والذي يحمل عنوان (المواريث الشرعية والوصية ومجلة الاحوال الشخصية) الذي تولت نشره دار الميزان للنشر بسوسة سنة 1996 فقد وجد فيه طلبة كليات الحقوق بالجامعات التونسية البغية والمطلوب كفاهم به الشيخ يوسف رحمه الله عناء البحث والتنقيب في ما هو غير متاح من المصادر والمراجع أضاف إليه الشيخ يوسف زبدة تجربته الطويلة المديدة حيث جاء بالمفيد والمصوب والمرجح والمبين لمقاصد الشارع الحكيم والمقنن للتشريع فاستفاد منه الجمع الغفير من الباحثين المختصين. * ان الشيخ يوسف ابن الحاج فرج رحمه الله الذي ظل إلى آخر حياته عضوا في المجلس الاسلامي الذي نشرت مجلته (الهداية) فصول كتابه (المواريث الشرعية...) نموذج للشيخ الزيتوني الوطني المستنير الذي يجسم في المظهر والمخبر وفي القول والفعل والمزاوجة التلقائية بين الوطنية الصادقة والتدين الصحيح الذي يابى الانغلاق والتزمت والتعصب ويسلك منهج الواقعية والمرونة والمواكبة لمستجدات العصر في غير انسلاخ وتميّع وتسيب رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فراديس جنانه وجازاه عما قدم خير الجزاء.