العلم بأسباب نزول القرآن ضروري للفهم الصحيح لآيات الكتاب العزيز
ما لم يقله القرآن Ce que le coran ne dit pas وتدبر القرآن Penser le coran عنوانان لكتابين صدر الأول عن دار قراسي grasset سنة 2013 وصدر الثاني سنة 2009 ومؤلفهما هو محمود حسين، وكلاهما يبحث في النص القرآني من حيث معانيه المتعددة والتصدي للتيارات التي تعزل القرآن عن كل ظرفية مكانية وزمنية وتنفي عنه كل تفاعل وأخذ وعطاء لتجعل منه نصا جامدا تغلب عليه الحرفية الضيقة التي تحنطه وهي بذلك تسلبه من خصوصيات ومميزات عبر عنها من جاء بالقرآن وتنزل عليه بأنه لا (تنقضي عجائبه ولا يمل على كثرة الرد). إنها القراءة الحرفية التي تستبعد كل ما يمكن أن يساعد على الفهم الأعمق والأشمل والأرحب لنص القرآن ومحمود حسين في هذين الكتابين يستقرئ تاريخ القرآن وتاريخ الإسلام زمن تنزله في مكة والمدينة. فالقرآن نزل منجما لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخفى ما في تواصل تنزل آيات الكتاب العزيز من تحد للمنكرين والمعاندين والمشككين. *والقرآن الكريم نزلت العديد من آياته وسوره مقترنة باحداث ووقائع كما تنزل القرآن الكريم وهو يحمل أجوبة على أسئلة واستيضاحات تضمن النص القرآني نصوصها بخصوصياتها ومختلف تجلياتها كما تضمن الأجوبة عليها (يسألونك عن الخمر والميسر، يسألونك عن الأهلة، يسألونك عن الروح، يسألونك عن الساعة، لقد سمع الله قول التي تجادلك...) *وتنزل القرآن الكريم معالجا لحالات خاصة كحادثة الإفك وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب رضي الله عنها وإبطال التبني. وتنزل القرآن وفيه مواكبة لأحداث خاصة لا يمكن أن تتكرر مثل الغزوات والهجرة والإسراء والمعراج وغير ذلك وهو كثير جدا لا يعني كل ذلك ان القرآن الكريم هو كتاب يحكمه ظرف زماني ومكاني لا يتجاوزهما وبذلك تنتفي عنه صفة الاستمرار والبقاء خارج الظرفين المكاني والزماني لا يقول هذا منصف متجرد وباحث موضوعي فضلا أن يتقبله مؤمن. فالقرآن هو المعجزة الخالدة للنبي الخاتم والدين الوارث الذي لا دين بعده هذه مسلمة يثبتها الواقع ويثبتها التاريخ على امتداده. ولكن ما أراد محمود حسين في كتاب: ما لا يقوله القرآن Ce que le coran ne dit pas و كتاب التفكر في القرآن le coran Penser هو أنه لا بد من العودة إلى علم من علوم القرآن يستبعده ويستغني عنه كثير ممن يتحدثون عن القرآن ويدعون إلى القرآن ويرفعون القرآن، والقرآن مرفوع في أعلى منزلة، ومحفوظ من منزله الله جل جلاله هذا العلم هو علم أسباب النزول وهو علم قائم بذاته إلى جانب علوم قرآنية أخرى كعلم الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، وعلم القرءات وعلم الرسم، وغير ذلك مما هو مفصل في المطولات من أسفار محضها مؤلفوها لمختلف علوم القرآن وهي مجدات متعددة وقد اختصرها واتى بأغلب ما فيها العلامة شيخ الإسلام الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في مقدمات تفسيره الجليل التحرير والتنوير. *محمود حسين في كتابيه: ما لم يقله القرآن Ce que le coran ne dit pas ، وتدبر القرآن le coran Penser يحاول أن يقدم عينات من أسباب نزول بعض الآيات يسلط بها الأضواء على خلفيات وأبعاد وإضافات لما وراء النص لا نجدها في النص القرآني ولكن ينبغي أن نضعها في الاعتبار وننطلق منها فإذا فعلنا ذلك وذلك لا بد منه فحينئذ سيغلب المقصد البعيد المدى على الحرفية الضيقة التي قد تذهب إلى أفهام خاطئة من ذلك قولهم أن القرآن فيه كل العلوم ويتعرض لكل الشؤون مستدلين بقوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) والكتاب هنا هو كتاب الأعمال الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة. ومثل قوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) فالظلم في الآية هو الشرك بدليل قوله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) وقوله تعالى (وما كان الله ليضيع ايمانكم) فالايمان في الآية هو بمعنى صلواتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة وغير ذلك كثير وكثير جدا مما تضمنته كتب السنة والسيرة والتاريخ وهي كلها أدوات مع بعضها البعض متظافرة متكاملة ومعتمدة على التمكن من اللغة التي نزل بها القرآن اللسان العربي المبين، فالعربية هي الوعاء الذي اختاره الله ليكون لسان وحيه وكلامه وبذلك فالتمكن من ناصية اللغة العربية بمختلف استعمالاتها حقيقة ومجازا وإطلاقا وتقييدا وبلاغة فضلا عن نحوها وصرفها ورسمها كل ذلك هو حجر الزاوية في تفهم القرآن واكتناه مضامينه التي لا حد لها ولا حصر ولقد استعان العلماء من السلف الصالح لمعرفة مراد الله بكلامه في آيات القرآن بكلام العرب وأشعارهم وأمثالهم وكان حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يستنشد الشعر: غزلا وهجاء ومدحا ورثاء في المسجد النبوي على مرأى ومسمع ممن حوله ولا ينكر عليه أحد كل ذلك لتحصيل فهم أصح وأعمق لمدلول آيات القرآن مضيفا ذلك إلى ما في حصيلته من علم بأسباب النزول وهو القائل (ما من آية إلا وانا أعلم متى نزلت وأين نزلت وفيمن نزلت؟) وقد أدرك هذه الدرجة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ثم بفضل همته العالية في التحصيل فقد حدث أنه كان يقضي الساعات الطويلة في الأيام الشديدة الحر واقفا على أبواب علماء الصحابة ليثبت عنهم مسألة من المسائل العلمية وعلى هذا النهج ينبغي أن يسير من يروم فهم القرآن الفهم السليم.