الزوايا تحمل راية نشر ثقافة السلام في الملتقى العالمي الحادي عشر للتصوف
- درجت في السنوات الأخيرة العديد من الهيآت العلمية والدينية ان تجعل الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الاول مقترنا بعقد ندوة او ملتقى علمي يدعى اليه اهل الذكر من العلماء والمفكرين من مختلف البلدان العربية والاسلامية ومن الجاليات المسلمة والمنتشرة في اروبا وآسيا وأمريكا، وتتمحور المواضيع المطروحة في هذه الندوات والملتقيات حول القضايا التي تشغل الساحة
- وكان لي شرف حضوربعضها والمشاركة فيها ولقد تلقيت شاكرا للقائمين عليها دعوات تشرفت بالاستجابة لبعضها واعتذرت عن البعض منها نظرا لتقارب مواعيد انعقادها (أذكر في هذا السياق دعوة 1-وزارة الشؤون الدينية في الجزائر التي جعلت من شهر ربيع الاول (الذي وافق هذا العام شهر ديسمبر) لإقامة ندوات وملتقيات وتظاهرات أطلقت عليها نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك منذ أن نشرت الصور الكاريكاتورية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، 2- التجمع الثقافي الاسلامي بموريتانيا وغرب افريقيا الذي يشرف عليه الاخوان الفاضلان: الحافظ والخليل النحوي والذي تتزامن ندوته السنوية مع المولد النبوي الشريف وتقام على هامشها عكاظية يتنافس فيها شعراء موريتانيا وبلاد شنقيط في نظم غرر قصائد المديح النبوي وقد تهيأ لي قبل سنوات حضور هذه الندوة وفاتني شرف حضورها هذا العام 3- ودعوة مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية بطهران الذي درج على تنظيم أسبوع الوحدة الاسلامية بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وقد اعتذرت للأخوة في الجزائر وموريتانيا وايران عن تلبية دعواتهم الكريمة في حين شددت الرحال الى احتفالية الهيئة المشرفة على مقام الولي الصالح سيدي عبد الله بوجليدة بتطاوين ولو أنني لم أتمكن من إلقاء محاضرتي بهذه المناسبة نظرا للأمطار الغزيرة والغيث النافع الذي تهاطل على مدينة تطاوين وما جاورها.
- وقد تلقيت وفي آجال معقولة دعوة من الدكتور مولاي منير القادري رئيس الملتقى العالمي للتصوف الاسلامي في دورته الحادية عشر الذي تحتضنه الزاوية القادرية البوتشيشية في مداغ من ناحية بركان في الشمال الشرقي للمغرب الاقصى تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده
- وقد درجت هذه الزاوية العريقة التي يقوم عليها ويقود مسيرتها الموفقة وأنشطتها المتعددة والمواكبة للمستجدات الشيخ سيدي حمزة أمد الله في أنفاسه ونجله الشيخ سيدي جمال أعانه الله ويدير هذا الملتقى العالمي ويؤطره بحكمة وحنكة الدكتور مولاي منير القادري وهو جامعي يدرس في الجامعات الفرنسية.
- موضوع الملتقى العالمي للتصوف في دورته لهذا العام هو: التصوف وثقافة السلام: رؤية اسلامية كونية لترسيخ قيم التعايش والسلم الحضاري وكانت محاور الملتقى في المواضيع التالية:
1/ ثقافة السلام: المفهوم والدلالات 2/ ثقافة السلام في الاسلام: المقومات والتجليات 3/ ثقافة السلام وأبعادها النفسية والاجتماعية والحضارية 4/ التصوف وثقافة السلام نماذج تاريخية 5/ ثقافة السلام وتفعيل الديبلوماسية الروحية 6/ التصوف والسلام الأخضر 7/ ثقافة السلام ودورها في ترسيخ قيم الجمال 8/ثقافة السلام ودرء آفة العنف والتطرف عن الاسلام 9/ ثقافة السلام وأبعادها الاقتصادية والتنموية في الاسلام 10/ ثقافة السلام وترسيخ قيم التعايش الحضاري 11/ ثقافة السلام وبناء المشترك القيمي والحضاري للشعوب 12/ ثقافة السلام ودورها في حوار الاديان
- وهي مواضيع مواكبة لانشغالات واهتمامات الرأي العام ليس فقط في العالمين العربي والاسلامي ولكن الرأي العام العالمي فقضية السلام هي قضية الساعة إزاء ما تعيشه الانسانية من أزمة حادة واستفحال ظاهرة الارهاب المتلبس ويا للأسف الشديد بالدين الاسلامي بالخصوص حيث تشهد هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الامة الاسلامية بروز ظاهرة التطرف الذي يتخذ من الدين الاسلامي مستندا ومشروعية لما يأتيه من قتل للأنفس البشرية واراقة للدماء الزكية متعللا بتسلط بعض الاطراف وبانحرافهم حسب دعواهم عن الدين !! الأمر الذي استوجب تحرك كل الاطراف ذات الصلة بالشأن الديني في العالمين العربي والاسلامي لتاصيل قيم الأمن والسلام والتسامح والتعايش من خلال أصول الاسلام من كتاب وسنة وسيرة وأفهام مستنيرة لعلماء الاسلام.
- وقد نشطت مؤسسة الزوايا في الغرب الاسلامي بالخصوص في المغرب والجزائر في السنوات الأخيرة في تنظيم مثل هذه الندوات والملتقيات لتبين ان عطاء الزوايا عبر تاريخها المديد هو عطاء التزكية والمجاهدة ونشر الأمن والسلام والتعايش بين المؤمنين والناس أجمعين.
- وهكذا كانت الزاوية القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى العالمي للتصوف في دورته الحادية عشر 1438/2016 مواكبة للانشغالات والاهتمامات الكبرى فدعت باحثين وعلماء محليين ودوليين في مختلف التخصصات: علوم الفلسفة، التصوف، الشريعة، السوسيولوجيا، الاتصال، الاقتصاد والعلاقات الدولية من بينهم طوتشان ميشيل (أستاذ باحث وخبير دولي) الدكتور محمد وسام خضر (باحث ومدير بدار الفتوى بمصر) الدكتور جمال أبو الهنود (مستشار بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية فلسطين) الدكتور أحمد حسنين لقمة (الوكيل الأول لمشيخة الطرق الصوفية بدولة مصر) محمد صلاح الدين المستاوي (خبير في مجمع الفقه الاسلامي الدولي مدير مجلة جوهر الاسلام تونس) الدكتور عمرفان ديربروك (رئيس المجلس التنفيذي الاسلامي بيلجيكا) الدكتور فاضل نعمان (أستاذ باحث بالجزائر) والدكتور يسرى جبر طبيب جراح بجامعة الازهر وغير هؤلاء من الباحثين والأساتذة الجامعيين في كليات الجامعات المغربية ومراكز البحث
- وفي عشر جلسات ماراطونية ألقيت ثمانون مداخلة لخص فيها أصحابها بحوثهم التي اعدوها في محاور الملتقى الاثني عشر وتابع هذه الجلسات العلمية جمهور كبير من الحاضرين ذكورا وإناثا ومن كل الفئات من مريدي الزاوية القادرية البودشيشية التي ينتشر اتباعها في كل ربوع المغرب: مدنا وقرى وفي البلدان الاروبية والقارة الامريكية وحتى جنوب شرقي آسيا وتشد أعداد كبيرة منهم بعشرات الآلاف الرحال كل عام لشهود احتفالات الزاوية ولقاء شيخها سيدي حمزة والشيخ جمال ومولاي منير وكل أركان الطريقة البودشيشية حيث ينتظم حفل كبير في ختام هذا اللقاء الروحي السنوي الذي تحتضنه مداغ في أجواء مشرقة نورانية تحفها السكينة والطمانينة في أذكار وأمداح متواصلة في مشهد متميز ملفت للانتباه شد اهتمام المحللين والدارسين
- حيث يقدم التصوف من خلال الزاوية البوتشيشية رؤية وممارسة أساسها المحبة والاخوة والسلام والتعايش التي تجد أصولها في ثوابت الدين الاسلامي الحنيف: قرآنا وسنة وسيرة محمدية عطرة وتربية روحية ربانية على أيدي المشايخ العارفين بالله اذ لم ينخرط خريحو الزوايا ومريدوها في حركات التطرف والارهاب التي استقطبت شباب الأمة العربية والاسلامية غير المحصنين روحيا
- وكانت المحاضرة التي قدمت ملخصا لها في اليوم الثاني للملتقى العالمي للتصوف تحمل عنوان: ثقافة السلام ودرء آفة العنف والتطرف عن الاسلام أصلت فيها قيمة السلام شرعيا واتبعتها بتجسيمها العملي في مسيرة التاريخ الاسلامي، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، ومسيرة الفتح الاسلامي وتوقفت عند بعض القضايا مثل: حرية المعتقد، وحركة الفتح، ودعوى الاكراه في الدين، وشبهة انتشار الاسلام بالسيف، وقضية الجزية وأهل الذمة وغير ذلك من القضايا التي تحتاج الى المزيد من البحث (نص البحث كاملا سيتضمنه كتاب الملتقى الذي تعهدت الزاوية بنشره تباعا وتعميم الافادة به)
وقد كان الحضور التونسي في هذا اللقاء الروحي والفكري ممثلا الى جانب مشاركتي ومشاركة الاستاذ الدكتورة عائشة الحضيري (أستاذة فلسفة) وحصة سماع قدمها المنشد أحمد جلمام الى جانب فرقة الانشاد التي يقودها الشيخ سيدي معاد والتي شنفت الاسماع في الليلة الكبرى التي تُختتم فيها احتفالية الطريقة القادرية البودشيشية بذكرى المولد النبوي الشريف وتُغطيها وتبثها وسائل الاعلام المرئية والمسموعة على اوسع نطاق حفاوة وفرحة بمولد سيد الكائنات رسول السلام والرحمة المهداة للناس أجمعين عليه الصلاة والسلام(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)