التمسك بالدّين والرجوع إلى هديه سبيل المسلمين للتقدم والرقي خطبة جمعية ألقاها الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله بجامع مقرين العليا
الحمد لله الذي لعزته يخضع الملوك والأقوياء وبتقواه وخشيته ترتفع مراتب الأتقياء نحمده سبحانه وتعالى ان هدانا للاسلام ونشكره إذ شرفنا باتباع خير الأنام سيدنا ومولانا محمّد عليه الصلاة والسلام ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة من اعترف بالوحدانية ونشهد أن سيدنا محمد ا عبده ورسوله من أرسله الله للعالمين هاديا وبشيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه حماة الدين وعلى جميع من وصفهم بكونهم من الغرّ المحجّلين أما بعد أيّها المسلمين، اشكروا لربّكم مواهبه التي لا تعدّ ولا تحصى ولا يحيط بها الحصر ولا تستقصى وقابلوها بما هي حرية به من تأدب وتقوى وإذعان فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وانظروا رعاكم الله إلى الطاقة الخفية ونعمه الدائمة السرمدية التي تحيط بنا كلما ألمت بنا بلية أو حلت بنا رزية فها أنتم اليوم وقد تنكّر لكم الأصدقاء وخذلكم النصراء والحلفاء وتكالبت عليكم الصهيونية بما وراءها من سلاح وعتاد وما بين يديها من غيّ وضلال وإفساد ها أنتم تهتدون إلى قوتكم القهارة وامكانياتكم الجبارة وجيوشكم الجرارة فتعلمون ان الاسلام لا ينصره إلا بنوه ولا يخذله ويحاربه إلا جاهلوه ومنكروه ويتلاقى المسلمون للمرة الثانية على صعيد الإخاء فمرحبا بتصافي الأخوة وأهلا وسهلا بهذا اللقاء وكم تنشرح صدورنا عندما نشعر بأن شمل المسلمين قد التأم وبأن عهد التدابر والتقاطع قد انقطع وانفصم إننا لمؤمنون بان ذلك هو أوّل شروط الانتصار وانه خطوة جريئة نحو محو آثار الهزيمة والعار وطرد الغاصبين الظالمين من الديار فما أقرب النصر وما أحراه بالدوام والاستمرار إذا ثبتت أركان الوحدة والرجوع إلى الدين في الأخلاق والعبادات والمعاملات وربينا عليه ناشئتنا من البنين والبنات وجعلنا الاسلام الحنيف شعارنا الوحيد حتى يصبح أقرب إلينا من حبل الوريد حينئذ يمكن أن نرفع الرؤوس باعتزاز وشموخ ونطمئن على ما حققناه من تدعيم ورسوخ لقد اشتمل ديننا القويم على جميع أسباب الازدهار والنماء لأنه دعانا إلى الغوص في أعماق الأرض والتحليق في عوالم السماء وأمرنا بالأخذ من علوم الآخرين وتجاربهم النافعة حتى لا نتخلف عن الركب ولا نزهد في أي قوة دافعة غير أننا ويا للأسف فتنا عن أنفسنا وسحرنا عن ألبابنا وزهدنا في ما لدينا من كنوز مفيدة ومبادئ قويمة رشيدة وانطلقنا وراء سراب المدنية الكذوب وبريقها الخلوب نأخذ القشور ونترك الصميم ونرجع بأنفسنا في ظلام حالك وليل بهيم ليتنا أخذنا عنهم العلوم والصناعات وقلدناهم في الاجتهاد والاقتصاد والاختراعات وضربنا بسدّ من حديد بين مجتمعاتنا وما يأتيها منهم من فساد وموبقات إذا لقطعنا نحو اللحاق بهم مسافات ولحققنا لأنفسنا أنبل المقاصد وأسمى الغايات ألا فانتبهوا رعاكم الله إلى سموم المدينة وآفاتها وفرقوا بين صميمها وملفقاتها فاطرحوا عنكم كل مفسد ومبيد وتشبثوا بكل صالح ومفيد هل من المدنية الفساد والفجور ؟ وهل من التقدم أن يطيل شبابنا الشعور؟ هل من الحضارة أن يشمر بناتنا الثياب؟ وأن يمزقن براقع الحياء والآداب؟ هل انعدمت من أنفسنا الحمية وأصبحنا ألعوبة النساء والذريّة؟ ونتهاون بما نشاهد في بيوتنا من انواع البلية: إن الغريب الذي لا يكاد يفهم والعجيب الذي لا يقبل ولا يهضم هو ان الأغلبية الساحقة من الناس تتأفف وتتحسر وتشكو إلى بعضها وتتذمر من هول ما تشاهده من تهور وتدهور وكلها تنتظر العصى السحرية لتحقق المأمول وترجع الفروع إلى الأصول والأصول إلى نظامها المعقول وهذا لعمري هو الهوس والخور لأن انتظار المعجزات لا يقول به أولوا العقول. إن المعجزات تكمن في عزيمة الانسان الذي أمده الله بالعقل والقوة واللسان وبذلك مكنه من ناصية جميع الأكوان وحكمه في سائر أنواع الحيوان. إن الله أودع في الانسان قوة ليخطط حاضره ويرسم مآله (ولو تعلقت همّة الانسان بما وراء العرش لناله) وبهذا نصبح جميعا مسؤولين عن انفسنا وعمن لنا عليهم سلطان من أبناء وبنات وزوجات وإخوان. وإذا ما التفت كل واحد منا إلى بيته بالإصلاح والرعاية واستعمل ما وهبه ربه من قوة وكفاية فلن تبعد عنا في سبيل الخير غاية ولن تصبح هذه الترهات والتوجعات إلا حكاية ورواية ولكن أين هي العزائم الفولاذية؟ وأين هي النفوس الأبية؟ وأين هي القلوب الطاهرة النقية؟ أين الإيمان الصحيح والإخلاص لله وللأوطان؟ وأين هو التوق إلى الحنّان وإرضاء الملك الديّان؟ أين هي هذه المعاني التي هي سرّ التشريف والتكريم والتي كلما تنكبنا جادتها حل بنا البلاء العظيم والخطر الجسيم؟هل من عودة إلى السبيل الجادة لنتجنب الأخطار؟ وهل من وقفة للتأمل والاعتبار؟ ارجعوا إلى الله رجوع الصادقين وطهروا أنفسكم من أخلاق الجاهلين والملحدين وابنوا دنياكم هذه على أساس العقيدة والدين فذلك وأيم الله هو الركن الركين والأساس المكين واستعيذوا بالله من شرور الضالين المضلين ورددوا بكل صدق وتدبر قول ربكم اهدنا الصراط المستقيم