الاسلام يبشـــر بنفســــه من خلال يسر تكاليفه وانسجامه مع الفطرة السليمـة
لم يعد من الخفي ما تقوم به بعض الدول الأوروبية من حركات تبشيرية منظمة تزود بجميع الوسائل المادية، وتقرر لها الميزانيات الضخمة التي تكفي للدعاية والنشر وتكفي للفحص والعلاج وتكفي للايواء والكفالة وتعهد بإدارة هذه المنظمات الى رجال يستطيعون ان يلبسوا على الناس دينهم بوسائل الإغراء والتشكيك وغيرهما من بقية الوسائل الأخرى
وان هذه الحركات التبشيرية رغم تركيز جهودها في البلدان المتخلفة عقائديا وفكريا وماديا فانها لم تيأس من غيرها فقامت في كل بلد من بلدان العالم بأداء رسالتها التي اعتنت بها وأخلصت اليها ورغم ضآلة المحصول وعدم تناسبه مع العناء والخسارة نراهم لا ييأسون ولا يستسلمون. وفي الحقيقة هذه الأشياء يكاد يراها كل ذي عينين ويسمع بها كل ذي أذنين وليس هذا هو المهم بل المهم هو ما تعترف به الارقام والاحصائيات التي تقدمها جمعيات التبشير بنفسها مع مراعاة صالح دعايتها ما تقدمه في كل سنة من نجاح دين الاسلام وهو اقل منهم وسائل وأهله أقل منهم حماسا وقد أحرز هذا الدين على النسبة الكبرى من نسبة المتحولين الى دين جديد لا من الوثنيين وحسب بل وحتى من نفس أهل الدين الذي تبشر به حركات غالبة وقوية ومتقدمة وتنفق في سبيل هذا الغرض بسخاء وتدعو اليه بتنظيم واقتدار.
ان من أتيحت له فرصة التجول بافريقيا السوداء ومن ذهب الى امريكا وعاش في اوساط السود من شعبها أو من حاول أن يقرأ ما يكتب عنه من هنا وهناك، ان كان من المتجولين او من الدارسين او المطالعين لتاخذه الدهشة عندما يرى أناسا يتحمسون للاسلام ويدافعون عنه وينسجمون مع روحه ويتسلحون بقوته المعنوية الفعالة، بل انه اذا كان من ذوي الاحساس المرهف ومن اهل النزاهة والانصاف لشعر بوخز الضمير حيال أولئك الناس الذين لم تتوفر لديهم الامكانيات الكافية ولم يضرب الاسلام جذوره في أرضهم ولم يفقهوا تعاليمه كما يفقهها من عاش في بيئة مسلمة وتكلم العربية منذ الطفولة المبكرة، يشعر حيالهم بالتقصير فيعود الى بلده بروح جديدة اذ قد تنبه فيه شعور جديد كان بالأمس نائما واحس تبعة كان يعيش في غمرة حياته مع قومه غافلا عنها وغير مقدر لمسؤولياتها، ثم انه ان كان من ذوي المدارك وأهل العقول لا بد ان يقف امام سؤال كبير كتب بأحرف بارزة هو:
ما لهذا الدين يبشر بنفسه ويدافع عنها؟
ان مجرد سماع هذا السؤال يكفي لتنطلق الهمة للتفتيش عن جواب له ولا يكفي اي جواب عاجل او مرتجل ذلك ان الارتجال والسرعة يجعلان النتائج والتاثرات سريعة الارتجال ايضا فكما كانت عابرة في المجيء كذلك تكون عجلى في التوديع والانصراف ولعل هذه الظاهرة من أخطر الظواهر التي يجب ان تعالج علاجا جذريا حتى يتبدل لون حياة التلبس بها الخاصة والعامة، فسرعة التأثر اذا اصبحت بسرعة النسيان تشكل خطرا عظيما في حياة الأفراد والجماعات والامم خصوصا اذا شملت المبادئ والاهداف بعد ان تتجاوز الجزئيات والافعال. قلت ان ذلك السؤال الذي كتب امام بصيرة المتجول عبر افريقيا اوروبا او امريكا. قد اعدنا صورته الان امام بصائرنا ولا اخالكم جميعا الا محاولين ان تجيبوا عنه كل حسب افكاره ومداركه
ولمحاولة البداية في البحث اقول: هلا يكون دفاع الاسلام من نفسه وانتشاره بسهولة عائدا الى ما خصه الله سبحانه به من يسر في التكاليف ومن انسجام مع الفطرة البشرية السليمة؟
أفلا تكون المحرمات التي نهى عنها من نوع ما ينبو عنه الطبع الشريف والذوق النظيف؟
من يا ترى يحب ان يظلم؟ ومن هو الذي يرضى ان يقع الاعتداء على ماله او عرضه وبدنه؟ من يكره التعمير ويحب الخراب والفساد؟ اين هو الذي لا يحب القول المعروف والكلمة الطيبة والعون على الشدة؟
بهذه الأشياء جاء الاسلام ولمثل هذا دعا وبشر فكيف لا يجده الضعيف عونا له يشد ازره وياخذ بناصره ويعينه في التغلب على ضعفه وكيف لا يجده القوي مهذبا للنفس محددا من نوازعه الحيوانية منبها له من غفلته واخذا من قوته لضعفه ومن غناه لفقره ومن صحته لسقمه ومن شبابه لشيخوخته ومن حياته لموته هذا هو الاسلام وهذا هو السلام.
(يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)