الإشراق الإسلامي للشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله نموذج للوعظ الديني القويم

الإشراق الإسلامي للشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله نموذج للوعظ الديني القويم


فضيلة الشيخ محمد الجيلاني حمزة رحمه الله الواعظ بجامع الحنفية بالمهدية ولد سنة 1900 بالمهدية وحفظ القرآن الكريم ثم زاول تعليمه بالمدرسة العربية الفرنسية وفي سنة 1913 التحق بجامع الزيتونة إلى أن تحصل على شهادة التطويع سنة 1920 وتولى التدريس بجامع جده الحاج مصطفى حمزة وكان الشيخ الجيلاني حمزة يجمع إلى التدريس والخطابة الكتابة في المجلات كشمس الإسلام والمجلة الزيتونية وجرائد الزهرة والنهضة والصباح. وأسس رحمه الله مدرسة قرآنية انفق عليها من ماله الخاص وتخرج منها عدد كبير من أبناء المهدية. ومارس الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله التأليف فأصدر كتاب السعادة الأدبية وقد قرر هذا الكتاب ضمن كتب الجامع الأعظم وعاضد الشيخ الجيلاني حمزة جهود الشيخ عبد العزيز الباوندي في تأسيس الإملاءات القرآنية في المدن والقرى التونسية. وفي سنة 1961 اختير الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله ضمن بعثة تونسية من شيوخ الزيتونة وأساتذتها للتدريس بمعاهد الجامعة الإسلامية وبالمساجد والجوامع الليبية وكان معه عدد من العلماء الأفاضل نذكر منهم الشيوخ: الحبيب المستاوي والطيب بن قمرة ومحمد بن بنية وعمر العداسي وعمر الواعر وصالح عباس رحمهم الله والبشير البركاوي. وقد قامت هذه البعثة التونسية في ذلك الظرف الصعب بمهمتها أحسن قيام وتركت هناك أحسن الأثر إذ تولى أعضاؤها التدريس والوعظ وتقديم الحصص الدينية في الإذاعة الليبية والمحاضرة في النوادي والجمعيات واستطاعت أن تكون لتونس هناك رصيدا يذكر فيشكر من الحب والود لا يزالان قائمين إلى اليوم فعلى أيدي أولئك الشيوخ البررة تلقت أجيال عديدة من أبناء الشعب الليبي ومثلت تلك البعثة إلى جانب بعثات توجهت إلى الجزائر وموريتانيا صورة لإشعاع تونس والزيتونة المباركة. فالشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله خطيب ومحاضر وأستاذ وواعظ وهو إلى جانب كل ذلك كاتب ينشر انتاجه في المجلات والصحف وهو بذلك يتميز عن أغلبية زملائه فقد ترك من بعده رصيدا علميا يمكن أن يستفاد منه. وكتاب (الإشراق الإسلامي) نموذج من آثاره العلمية التي نتمنى أن تأخذ طريقها إلى الجمع والتحقيق من قبل أسرته آل حمزة في المهدية أو من قبل باحثينا وأساتذتنا الذين يعدون الدراسات والأطروحات الجامعية حول الحياة العلمية والفكرية في تونس. كتب مقدمة هذا الكتاب سماحة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور رحمه الله حيث قال رحمه الله. لا نريد أن نتجاوز إلى استعراض مواد كتاب الإشراق الإسلامي للشيح محمد الجيلاني حمزة رحمه الله قبل أن نورد للقارئ بعض ما ورد من أفكار نيرة في المقدمة التي كتبها لهذا الكتاب حيث يقول (فمن أقدس الواجبات على السادة المفكرين أن يخرجوا عن صمتهم وتقاعسهم ويوجهوا جهودهم لنشر التآليف المفيدة لإيقاظ الوعي القومي والخلقي والديني والاقتصادي في نفوس الجماهير حتى يتجه كل واحد منهم إلى أن يجند نفسه لإصلاح مجتمعه بمشاركة الآخرين في الإصلاح بكل ما يستطيع لان من العلائم التي يتخذها العارفون أدلة قاطعة على نهضة الأمة من رقادها وجود حركة فكرية فيها تحقق للشعب الرفاهية في القراءة الممتعة والثقافة الممتازة والأفكار الناضجة واستثارة العقول في الشعب ليعمل وينتج. ويظهر جليا منهج الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله في الوعظ والإرشاد انه منهج إصلاحي يعتز فيه صاحبه بانتمائه الديني والوطني يظهر ذلك في مثل قوله (فلنبرهن للأمم ولنظهر للعالم أننا امة مجيدة جديرة بكل حرية واستقلال) وقوله (فإذا كنا نحب وطننا فما علينا إلا أن نشمر عن ساعد الجد ونسعى للعمل على رفعته وان يقدم كل واحد منا لهذا الوطن قليلا من ماله وقليلا من تفكيره ومن هذا القليل من كل فرد تجتمع القوة لأن الإنسان متفرد لا يحس بالقوة التي يحس بها من نفسه إذا اجتمع بأخيه وصاحبه). وقوله (فليكن الإخلاص رائدنا وحب التضامن قائدنا والمنفعة العمومية وجهتنا إننا إذا فعلنا ذلك زالت أوهامنا وارتقت إحساساتنا وصلح حالنا ونلنا السعادة بكل معانيها). ويبين الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله سبيل تحقيق ذلك فلا يراه في غير الاعتماد على النفس حيث يقول (انه لا يحق للتونسي في حالته الراهنة أن ينتظر الإصلاح والانتشال من وهدة التخلف المحدق به إلا إذا حك جلده بظفره وعمل على تقويم خلله بيده ولم يكن مغرورا والغرور مرض يتولد منه كثير من أمراض الحياة وهيهات أن تستقيم حياة مع أمراض). ويذكر الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله بما انعم الله على البلاد التونسية من استقلال من ربقة الاستعمار (ومادة الكتاب قريبة عهد بالقترة التي واكبت الاستقلال فقد طبع الكتاب سنة 1968 ولا شك أن الخطب والمواضيع أعدت وألقيت في سنوات الاستقلال الأولى). يقول الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله (لقد هيأ الله للأمة التونسية أن تتخلص من الاستعمار لتقيم معوجها وتقضي على الفساد الذي خلفه الاستعمار في ربوعها حتى تعيش هانئة سعيدة فعليها حينئذ أن تقيم هذا الاستقلال على أساس متين من الخلق وتقوى الله ومراقبته فلا غش ولا حقد ولا غدر ولا نزاع ولا شقاق ولكنه الكمال في كل شيء والجمال في جميع الأعمال والأخوة والائتلاف والمحبة والاتحاد والصدق والإخلاص والأمانة كل يقوم بما عاهد الله عليه خير قيام ويؤدي عمله بحذق وإتقان وبهذه الفضائل تحيا الأمة وتبقى فلا تغلب ولا تقهر ولا تهان). ويمضي الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله في رسم منهجه في الإصلاح الذي يعتمد الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة في ما يلقيه من مواعظ ويكتبه من كتب يقول (هذا وخدمة للدين والوطن وتمشيا مع نهضة تونس التي سرت في كل شؤون الحياة رأيت لزاما علي أن أساهم في نهضتنا المباركة بوضع كتاب في التربية يستعين به الأساتذة والمعلمون والتلاميذ وسائر أبناء الأمة الإسلامية على تهذيب النفوس وتقويم الطباع وقد نهجت فيه نهجا مناسبا وسلكت فيه سبيلا واضحا على الطراز الذي كنت سلكته في التأليف السابق “السعادة الأبدية” وقد ظفر بإقبال عظيم من امتنا التونسية فقد طبع مرتين في عام واحد مع ما هو معروف من انه كتاب صغير متواضع وقد بحثت عن الكتب التي الفت في علم الأخلاق فلم نجد منها سوى كتاب “تهذيب الأخلاق” لابن مسكويه و“أدب الدنيا والدين” للماوردي والجزء الرابع من “إحياء علوم الدين” للغزالي وكل هذه الكتب الفت بلسان اصطلاحي لا يفهمه إلا طبقة خاصة من العلماء وأما الكتب الحديثة المتداولة بيننا اليوم فهي غير وافية بغرض امتنا العربية التي شعرت بمبلغ الحاجة إلى تهذيب أخلاق ناشئتنا على مبدأ ديني قويم مراعى فيه تغييرات وتطورات العمران). ويستعرض الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله تجربته الشخصية في الوعظ والإرشاد سواء كان ذلك في مسقط رأسه بالمهدية أو في المدن التي تولى فيها إلقاء دروس ومحاضرات وكذلك في القطر الليبي الشقيق حيث تولى التدريس والوعظ والإرشاد يقول الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله (ومن هنا يتضح لنا أن الأمة التونسية امة طيبة كريمة ومتهيئة لكل خير ومنقادة لكل من يتولى ارشادها وهدايتها وان الدين والحمد لله متأصل في نفوس أبنائنا.. ثم قبل مفارقتي لهم (بعد الانتهاء من إلقاء الدرس والموعظة) تراهم يلحون علي أن اجمع هذه المواعظ في كتاب رغبة في عموم نفعها وأنا في كل اجتماع ابدي لهم اعذارا وفي آخر الأمر لم أجد من الإجابة فرارا وقلت في نفسي لعل موعظة واحدة من مواعظ هذه الدروس تصل إلى قلب غافل عن الله فيستيقظ من غفلته ويسارع إلى مرضاة ربه لذلك عزمت على طبعها ونشرها هداية للضال وتبصرة للمؤمن وتذكرة للشباب وسعيا للعمل في المنفعة العامة لان الأشخاص زائلة والمنفعة الشخصية لا تدوم والعمل للمصلحة العامة باق لا يفنى وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وولد صالح يدعو له بخير وعلم بثه في صدور الرجال) وهذا ما قصدته من وضع الكتاب ولا غاية لي إلا الدعوة إلى الله والثواب منه وحده راجيا من سيطلع عليه من أصحاب الفضائل والكمالات أن يسدلوا ذيل الأستار على ما يرونه فيه من الهفوات). واستعرض للقراء عناوين المواعظ والخطب التي تضمنها كتاب: الإشراق الإسلامي وهي متنوعة ومجرد قراءة عناوينها يعطي فكرة على استنارة هذا الشيخ وتوخيه منهج الوسطية والاعتدال والسماحة والرفق والإحاطة بكل مشاغل المسلم في العصر الحديث إنها عناوين معبرة ومثيرة لكل هذه المعاني الآنفة الذكر إنها مثلا: الدين والأخلاق، هل الإسلام دين تأخر وجمود أم هو دين العقل الصحيح؟ لابد للإنسان من دين، الدين الإسلامي أصلح لأهل الأرض، فضل الإسلام وعظمته واعتراف الأجانب بذلك، شهادة فلاسفة العالم بفضل الإسلام، اثر الدين في حياة الإنسان. الدين المعاملة، ما هو الزهد في نظر الدين؟ الدين الإسلامي (وما كفل للمسلمين)، اثر الإسلام في تقويم الأخلاق، الإيمان وأثره في النفوس، الإيمان منبع الحياة ومنبع القوة- الإيمان ميدان اختبار وجهاد، اثر التوحيد في نفوس المؤمنين، القرآن الكريم هداية عامة للبشر، الوعظ أعظم حارس للنفوس، بماذا نجح الإسلام والمسلمون في العهد الأول؟، بماذا صلحت الحياة في العصور الأولى؟، فضل الخوف من الله، المؤمن بين الخوف والرجاء، وازع الدين ووازع القوة -تزكية النفس وطريقها- الإنسان كلما عمل بعلمه كلما ازداد ورعا، الصدق في القول والإخلاص في العمل، وجوب العمل للدنيا والآخرة، بين العمل والتوكل، ما هي عوامل النهوض؟، ما هي وسائل النجاة؟، العزة للأقوياء، سنة الله في انجاء الأمم، نحو حياة أفضل، التضامن الاجتماعي دستور الإسلام، الإسلام والمساواة، ومن هو الكيس؟، الجهر بالحق وأثره، الإسلام لا يكتم الحق بل يقرره-التملق الممقوت من أمراضنا الخلقية، السب واللعن والانتحار، الخمر ومضارها، ما هو الشباب، الشباب الصالح وأثره في سعادة الأمة، المجتمع وواجبات الشباب نحوه، تربية النشء في الإسلام، أخلاق السلف الصالح دواء لعلل المسلمين، الديمقراطية في الإسلام، اثر التسامح في الإسلام، الإسلام يقدر الرجال، مجددو الدين، عظماء الرجال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وحمزة بن عبد المطلب وخالد بن الوليد وأبو عبيدة عامر بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وزيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين. تلك هي عناوين مواضيع كتاب الإشراق الإسلامي صاغها قلم الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله مستدلا على ما ذهب إليه من آراء بآيات الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة والآثار الصحيحة ويورد الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله في دروسه ومواعظه القصص المعبرة المركزة لقيم الفضيلة في أنفس وعقول سامعيه الذين يشدهم إليه شدا فيظلون يتابعون باهتمام ما يلقيه على مسامعهم في المساجد والجوامع وعلى منابر النوادي والجمعيات لقد كان رحمه الله واحدا من كوكبة من الشيوخ الأفاضل الذين كانوا زينة المجالس في بيوت الله في تونس من شمالها إلى جنوبها نذكر منهم الشيوخ: احمد بن ميلاد وحسن الخياري وعلي الطرابلسي والحبيب المستاوي وعبد الرحمان خليف وغيرهم وغيرهم رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فراديس الجنان فقد أدركناهم خطباء مفوهين ومدرسين بارزين ووعاظا مخلصين لله وللوطن وجد لديهم رواد مساجدنا وجوامعنا بغيتهم في الفقه في الدين والاستقامة في السلوك والإخلاص في القصد والغاية. إن الشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله في هذا الكتاب (الإشراق الإسلامي) يستمر نفعه بعد رحيله عن هذا العالم إلى دار البقاء إن كتابه هذا (الإشراق الإسلامي) من خير ما يعتمد عليه ويستأنس به الخطباء والوعاظ فيما يلقونه كل أسبوع على رواد بيوت الله من خطب جمعية. إن مادة كتاب (الإشراق الإسلامي) تمثل منهج الوسطية والاعتدال والسماحة والرفق والجمع بين العمل للآخرة والعمل للدنيا انه منهج شيوخ الزيتونة الأعلام الذين يصلحون ولا يفسدون ويجمعون ولا يفرقون لا غاية لهم إلا الإحراز على مرضاة الله شعارهم قول الله تعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت). وهو المنهج الذي أثبتت الأيام سلامته وحاجة الناس إليه. إن شيوخنا الأعلام والشيخ الجيلاني حمزة رحمه الله نموذج لهم يجمعون بين تعلقهم بدينهم الحنيف الذي تلقوا تعاليمه السمحة في الزيتونة المباركة وتعلقهم بوطنهم العزيز تونس لقد تمثلوا رحمهم الله أحسن وأكمل تمثل ذلك الأثر الخالد الذي يجعل محبة الوطن من صميم الإيمان.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.