استضافة الدورة العشرين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي:الرهان الذي نجحت فيه الجزائر
في شهر سبتمبر الماضي استضافت مدينة وهران الجزائرية الدورة العشرين لمجمع الفقه الاسلامي الدولي وذلك بمناسبة الاحتفال بمدينة تلمسان عاصمة للثقافة الاسلامية (2011) والذكرى الخمسين للاستقلال وقد كانت الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر المجمع استضافتها دولة الامارات العربية المتحدة سنة 2009. وهذه الدورة العشرون هي الاولى التي تنعقد في غير دول الخليج وجنوب شرقي آسيا فقد ظلت استضافة دورات المجمع مقتصرة على تلك الدول التي تعرض على مجلس المجمع وامانته العامة احتضان أعمال دوراته متعهدة بكل ما يقتضيه ذلك من اعداد مادي وبشري وتنسيق يبدا منذ الاعلان عن قبول الاستضافة إلى انتهاء اشغال الدورة ولهذه الاسباب وغيرها تهيبت الكثير من الدول الاعضاء في المجمع هذا الأمر إلى أن بادرت دولة الجزائر الشقيقة وفي اطار احتفالها بالعيد الخمسين لاستقلالها وتنشيطا لتظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية التي تنوعت وتعددت بالعشرات اصداراتها إلى استضافة الدورة العشرين للمجمع وكان رهانا نجحت فيه الجزائر ونجح فيه الجناح الغربي للعالم الإسلامي وهي امنية تمناها فضيلة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة الامين العام الاسبق للمجمع رحمه الله وتوفي ولم يرها تتحقق في حيز الواقع فقد عمل بكل جهده من اجل أن يستضاف المجمع في احدى بلدان المغرب العربي وكاد الأمر أكثر من مرة أن يتحقق في المغرب وتونس وليبيا ولكن في كل مرة لا يتم إلى أن عرضت الجزائر الاستضافة وهيات لها الاسباب على كل الاصعدة المادية والبشرية وحتى المعنوية: استتباب الأمن والانتهاء من اجراء الانتخابات فانعقدت الدورة العشرون ونجح الرهان الذي عملت الجزائر عن طريق وزارة الشؤون الدينية والاوقاف على تحقيقه وانجازه على اتم الوجوه واكملها. ولوزارة الشؤون الدينية والاوقاف في الجزائر رصيد من التجربة في تنظيم مثل هذه اللقاءات الدولية سواء كان ذلك تجربة ملتقيات الفكر الإسلامي تلك الجامعات الصيفية التي شد إليها الرحال كبار العلماء والمفكرين والمستشرقين وحضرها المئات من ابناء الجزائر بمختلف اجيالهم وفئاتهم، أو كان ذلك من خلال ما تدعو إليه من ندوات ومؤتمرات في مختلف مدن الجزائر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا على اتساع رقعة التراب الجزائري. انعقدت الدورة العشرون لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بحضور رئيس وامين عام المجمع كل من الدكتور صالح بن حميد والدكتور احمد خالد بابكر واعضاء مكتب المجمع والاعضاء والخبراء فضلا عن الاطار الاداري للمجمع الذي عمل ليلا ونهارا طيلة ايام الدورة بالتعاون مع اطارات الشؤون الدينية على المستويين الوطني والجهوي على توفير كل أسباب النجاح لهذه الدورة وتتابعت الجلسات العلمية بعد الافتتاح الرسمي الذي تولاه كل من السيد بو عبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية والدكتور اكمال الدين اوغلو الامين العام لمنظمة التعاون الإسلامي والدكتور صالح بن حميد رئيس المجمع والدكتور خالد بابكر الامين العام للمجمع. وكانت الجلسات العلمية منظمة بكيفية أن يقدم مقرر كل محور عرضا شاملا عما كتب فيه من بحوث من طرف الاعضاء والخبراء ليفسح المجال على اثر ذلك لنقاش علمي عميق يزيد الموضوع المطروح وضوحا وجلاء حتى إذا ما صدرت القرارات في اختتام الدورة كان لها من الوضوح والمراعاة للنصوص الشرعية في ظواهرها ومقاصدها. اتسمت المواضيع التي وقع التطرق إليها في هذه الدورة مثلما هو الحال في الدورات السابقة بالشمول والدقة حيث قدمت عروض في مسائل ذات صلة بالمعاملات المالية والطبية والعلمية والاجتماعية والتشريعية. ومنهجية عمل المجمع انه يتعاون في دوراته وقبل انعقادها مع الهيئات المختصة والجامعات ومراكز البحث في شكل حلقات دراسية تقدم الامانة العامة للمجمع حصيلتها للمشاركين في دورة المجمع فتكون منطلقا ومستندا يساعدهم على الوصول إلى الحلول والاجابات على المشاغل المطروحة على اصعدة الأفراد والمجموعات وعلى اصعدة الهيآت والمؤسسات. وهذه المهمة رغم دقتها وتشعبها لعمق التحديات التي تعيشها الأمة نجح فيها المجمع نجاحا تشهد به وعليه أعمال المجمع خلال دوراته العشرين والمتمثلة في توثيق دقيق لكل ما القي وقدم من بحوث ودراسات وما تبعها من تدخلات وتعقيبات وما صدر عقب كل دورة من قرارات وتوصيات وبيانات وهي بفضل الله اليوم متاحة في اصدارات تملا الرفوف وهي على صفحات موقع المجمع على الانترنات والمؤمل أن تقع ترجمتها إلى اللغات الانقليزية والفرنسية ولم لا غيرها من اللغات الأخرى لاسيما لغات بعض الشعوب الإسلامية التي تعد بمئات الملايين. بحثت في الدورة العشرين لمجمع الفقه الإسلامي مواضيع هامة مثل الهندسة الوراثية والجينوم البشري والبصمة الوراثية والافلاس في الفقه وحقوق السجين في النظر الإسلامي وعقوبة الاعدام في النظر الإسلامي والتكييف الشرعي للتأمين وصكوك الاجازة وغيرها من المواضيع الدقيقة والتي دعي إلى الكتابة فيها اهل الذكر في كل المواضيع السابقة الاشارة إليها إذ المجمع يضم في صفوفه اعضاء وخبراء ويستعين بمختصين كل ذلك لأن المسائل التي يتولى بحثها مسائل اجتهادية لابد فيها من توسيع المشاركة حتى تكون الرؤية واضحة إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره ثم لتكون القرارات والتوصيات الصادرة مواكبة للعصر في الآن نفسه وفية لتعاليم الإسلام: نصا وروحا وهي المعادلة الصعبة ولكن لابد من توفرها والتي تحقق في حيز الواقع مقولة صلوحية الإسلام لكل زمان ومكان ولا يكون ذلك بالاقوال والشعارات ولكن بالحجج والبراهين وهما خصوصيتان للعلماء واهل الذكر لا يشاركهم فيها غيرهما... كانت الدورة العشرون للمجمع التي انعقدت بمدينة وهران الجزائرية دورة ناجحة سواء كان ذلك في مضيها في منهجية عمل المجمع العلمية بحيث تفرغت الجلسات العلمية المتتالية من الافتتاح إلى الاختتام إلى ما خطط لها. * وهي ناجحة بما واكب الدورة من تغطية اعلامية واسعة ومن استفادة من المشاركين سواء كان ذلك بالقاء الدروس والمحاضرات في مساجد وجوامع مدينة وهران وما جوارها واجراء المقابلات الاذاعية والتلفزية مع العلماء المشاركين والتي لا يزال يبثها التلفزيون الجزائري بمختلف قنواته لاسيما قناة القرآن الكريم. * وهي ناجحة من خلال الفرصة التي اتيحت للمشاركين بالانتقال ذهابا وايابا من الجزائر إلى وهران بالقطار إلى الجزائر بواسطة حافلات وكذلك زيارة مدينة العلم والصلاح مدينة تلمسان مدينة أبي مدين شعيب ساكن العباد وزيارة معالم وهيآت دينية في الجزائر العاصمة حيث أمكن من خلال كل ذلك الاطلاع عن كثب على ما تعيشه الجزائر من امن واستقرار بعد سنوات المحنة لا اعادها الله ومشاهدة ورؤية حركية على كل الاصعدة التنموية والثقافية والروحية وهو ما يسر له كل مسلم ويتمناه من الاعماق لكل البلدان والشعوب الإسلامية.