إحداث مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية مبادرة يباركها كل مخلص للأمة ودينها
لدى انعقاد قمة قادة البلدان الإسلامية في مكة المكرمة في أواخر شهر رمضان المبارك أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عن فكرة إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يتخذ من مدينة الرياض مقرا له وجاء هذا المقترح في فترة دقيقة جدا تعيشها الأمة الإسلامية بمختلف مجتمعاتها من أقصى جنوب شرقي آسيا إلى أقصى غربي إفريقيا وحيثما وجد مسلمون ولو كان ذلك في شكل أقليات في أروبا والأمريكتين واستراليا. نعم لقد قرانا في التاريخ أن المسلمين في المشرق والمغرب عاشوا فتنا وانقسامات ونزاعات وحروبا وسقطت آلاف الأرواح ضحايا لنزاعات مذهبية متعصبة حاشا لتعاليم الإسلام السمحة أن تقر عليها أو تدفع إليها ولكنها الأطماع والطموحات والأغراض والغايات لأفراد وجماعات هي التي جعلت من المسلميْن يلتقيان بسيفيهما وقد حذرا من ذلك اشد التحذير إذ القاتل والمقتول في النار ومع ذلك لقد أسمعت لو ناديت حيا!! كان ذلك وأكثر من ذلك. ليس كل تاريخ المسلمين صفحات مشرقة ففيه المآسي التي تدمع لها العين ويدمى من فضاعتها القلب ولو كان الأمر بقي من التاريخ الماضي لهان ولكان عبرة وموعظة أما وأمر التنازع والاختلاف والتعصب والتزمت والاقتتال والفتنة يأبى إلا أن يزيد الطين بلة ليجعل اليوم من الأمة الواحدة التي تعبد الرب الواحد وتتبع النبي الواحد وتستهدي بالكتاب الواحد وتتوجه في الصلاة والحج إلى القبلة الواحدة إلى مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة فإن الدعوة للوقوف صفا واحدا في وجه هذا التفرق والتمزق والاختلاف والاقتتال لا يمكن إلا أن يباركها من الأعماق كل مخلص لامته ودينه، لقد جاءت هذه الدعوة في الإبان إن لم نقل إنها تأخرت بعض الشيء وكما قيل لم يفت من لم يمت، ودائما ليس متأخرا -لأنه دائما يمكن التطويق ويمكن الإنقاذ ويمكن إصلاح ذات البين شريطة خلوص النية ووحدة الكلمة. إن تأسيس مركز للحوار بين المذاهب وحتى أكثر من مركز وهو عندما تكون الجهة الداعية إليه في ثقل ومركزية المملكة العربية السعودية بلد مقر منظمة التعاون الإسلامي يجعل من الانخراط في هذه المبادرة واجبا دينيا وحتمية إستراتيجية توجبها دقة الظرف ومخاطر الانزلاقات التي نشاهدها صباح مساء على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية، تفجيرات تطال الآمنين المنصرفين إلى شؤونهم وأعمالهم ولا يكاد يفرق بينهم في الظاهر شيء ومع ذلك فإنهم يسقطون بالعشرات والمئات وفي مناسبات دينية ضحايا دعاة الفرقة المذهبية الضيقة!! إن الوضع المنذر بما هو اخطر منه واشد أثرا على الأمة جمعاء يدعو الجميع إلى أن يلتقوا على كلمة سواء وما أكثر ما في الكلمة السواء من القواسم المشتركة والمصالح العاجلة والآجلة والتي أعلاها وارفعها مرضاة الله رب الجميع (وأن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وأدناها أن يعيش المسلمون بمختلف مكوناتهم في امن واطمئنان واحترام متبادل يلتقون في المشترك وما أكثره ويعذر بعضهم البعض فيما يختص به كل طرف ولا يتحقق ذلك إلا بميثاق شرف ينبغي أن يكون ميثاقا غليظا يلتزم باحترامه الجميع ويقف الجميع في وجه من يخالفه ويحاول أن يَنْقُضه. لن يعجز قادة الأمة وعلماؤها وعقلاؤها ومفكروها ومصلحوها عن صياغة هذا الميثاق الملزم الذي يجدون في نصوص القرآن الكريم المحكمة وأحاديث وهدي سيرة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ألف حجة وحجة عليه إذ ليس لمن ينشر الرعب ويبتغي الفتنة ويسفك الدماء ويروع الآمنين أية حجة تبرر فعله وصنيعه الشنيع وليات هؤلاء ببرهانهم إن كانوا صادقين!! إن دعوات ومبادرات عديدة للتقريب بين المذاهب الإسلامية انطلقت طيلة العقود السابقة في مصر الأزهر وفي طهران بإيران وعلى صعيد منظمتي التعاون الإسلامي بجدة والأيسيسكو بالرباط كما أن كلا من مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران والمجمع الفقهي الدولي بجدة بذلا في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية جهودا تذكر فتشكر فصدرت البحوث والفتاوى والدراسات وحتى الاستراتيجيات للتحرك الفعلي في هذا المجال ولكن كل ذلك ظل محدود التأثير بل لاحظنا في الفترة الماضية إذكاء للصدام بين مكوني الأمة الأكبرين اعني بهما السنة والشيعة وحدة هذه التصادمات في ارتفاع ملحوظ في الهند وفي باكستان وفي البحرين وفي العراق وفي سوريا وفي شرق الجزيرة العربية وحتى في شمال إفريقيا، فالأمر جدّ والخطر داهم ودق طبول المعركة القادمة، معركة القرن بين السنة والشيعة يبشر بقربها من لا تخفى نواياهم على احد!! إننا نقول إن هذه المعركة ليست حتمية ويمكن تلافيها إذا ما لبى المسلمون: قادة وعلماء وكل من يتحمل مسؤولية أيا كانت مرتبتها ومجالها، نداء الواجب وتنادوا إلى اجتماع الكلمة وضمان الحد الأدنى من التكامل والتعاون على ما فيه مصلحة الأمة ونبذ كل فرقة وفتنة وصد كل دعوة يُشتَم منها التعصب والكراهية والحقد وهذا الأمر ليس مستحيلا، فالاعتبار بالتاريخ وما جرى والاستفادة من الواقع المعيش فيما يحيط بالمسلمين من اجتماع وتكامل بين الأمم والشعوب التي ليس لها من مشترك المسلمين أية نسبة. كل ذلك وغيره يدعونا إلى مباركة هذه المبادرة الرائدة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فقد تكون آخر أمل في الحفاظ على وحدة الأمة.