أول مرة: تفسير للقرآن باللغة الفرنسية ينجزه الباحث المغربي محمد بن شقرون
تواتر في السنوات الماضية صدور ترجمات للقرآن الكريم إلى اللغات الفرنسية والانقليزية وغيرهما من اللغات الأجنبية أي غير لغات الشعوب الاسلامية من فارسية وتركية وأردية وسواحلية وغيرها مما نشط في إصدارها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة. ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية يعود صدورها إلى قرون مضت بدأ هذا العمل على أيدي مستشرقين ورهبان ثم التحق بهم في ترجمة معاني القرآن الكريم باحثون ودارسون عرب ومسلمون من هؤلاء: أبو بكر حمزة عميد مسجد باريس الكبير والدكتور محمد حميد الله والدكتور صلاح الدين كشريد والأستاذ الصادق مازيغ والأستاذ نور الدين بن محمود وهؤلاء الثلاثة تونسيون والدكتورة زينب عبد العزيز والأستاذ عبد الله بنو D.Penot (الفرنسي) والأستاذ شيون Chuon (السويسري) ومالك شبل (الجزائري) والقائمة طويلة وكان ولايزال الرأي مجمعا على أن الترجمة بالنسبة للقرآن الكريم هي للمعاني التي فهمها المترجم والتي لا يمكن أن تسمى قرآنا، أي كلام الله ومن هنا فإن الأصوب والأقرب إلى تحقيق المراد والذي هو تبليغ لما في القرآن من هدي لمن لا يعرفون اللغة التي نزل بها القرآن (العربية) وهذا العمل مشروع «بل مطلوب» ولابد منه باعتبار أن الاسلام ارسل به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهل نترجم القرآن الكريم حرفيا (وهو نص مقدس معجز (فالآية) فيها من المعنى إلى سبعمائة معنى لا يضيق المعنى بالمعنى الآخر؟) والترجمة الحرفية للنصّ لا تفي بما في كتاب الله القرآن الكريم!! ولأجل ذلك فمنذ منتصف القرن الماضي بتّ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في الأمر ودعا إلى ترجمة لتفسير القرآن الكريم فتكون تلك الترجمة أقرب إلى المعاني التي يشتمل عليها القرآن ومنذ ذلك التاريخ والساحة تنتظر القيام بهذا العمل الأمر الذي لم يوقف حركة ترجمات القرآن الكريم سواء كان ذلك إلى اللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية وتكاد لا تمرّ سنة أو أقل في بعض الأحيان إلا ونقرأ عن ترجمات جديدة. غير أن بعض الواعين بدقة موضوع ترجمة القرآن الكريم وانعكاساتها السلبية على الأفهام اندفعوا إما إلى ترجمة أحد التفاسير المعروفة المشتهرة والمنتشرة بين الأيدي والتي تحقق لها قدر لابأس به من القبول وذلك مثل تفسير ابن جرير الطبري والذي تولى ترجمة جزء منه مصحوبا بتعليق الأستاذ بيارڤودي pierre Godé وكتب مقدمته الأستاذ محمد أزكون أو ترجمة تفسير إبن كثير وقد قام بذلك مجموعة لفائدة إحدى دور النشر اللبنانية ولكن هذه الترجمة لم ترتق في لغتها وتحريرها وتلخيصها إلى المستوى المطلوب ولم تنل مانالته ترجمة تفسير ابن جرير الطبري. إزاء هذا الفراغ أقدم الأستاذ محمد بن شقرون الباحث المغربي والمدرس بجامعة محمد الخامس إلى القيام بالعملين معا (الترجمة لمعاني القرآن مصحوبة بتفسير للقرآن) وقد قامت أخيرا (أفريل 2012) دار النشر عالمية universel بباريس باصدار هذا العمل في ثلاثة مجلدات تجاوزت صفحات كل مجلد الستمائة يحمل هذا العمل عنوان: le noble coran: Commentaire et traduction القرآن الكريم: تفسير وترجمة معانيه إلى اللغة الفرنسية. أول ما يلاحظه المتصفّح لهذا العمل العلمي أن الناشر بدأ بالنصّ العربي، أي آيات القرآن الكريم بلسانها العربي مشكولة ثم أتبع ذلك بمحاولة الترجمة، آية آية وهذا ما يشترك فيه هذا العمل مع غيره من الترجمات الأخرى بحيث لا يمكن المفاضلة بينه وبينها، الإضافة في هذا العمل هي ترجمة تفسير تلك الآيات وهنا يحيلنا الأستاذ محمد بن شقرون إلى التفاسير التي عاد إليها واعتمد عليها مؤكدا أن أي ترجمة أو تفسير لا يمكن القيام بهما دون العودة إلى التفاسير القديمة لذلك يلاحظ القارئ لهذا العمل بأنه يحيل دائما على بعض المفسرين وتلك ضرورة قصوى ويمكن أن نذكر من هؤلاء ابن جرير الطبري وابن كثيروابن عباس والقرطبي والنسفي والمراغي والصابوني والشنڤيطي والنرحيلي فضلا عن العودة إلى أعمال علميّة في الفقه لابن تيمية وإبن بطة والماوردي وإبن قدامة وإبن أبي زيد القيرواني والنرحيلي وغيرهم دون إهمال ما قام به مستشرقون كبار مثل هنري لاووست Henri Laouste. وفي مقدمة الترجمة والتفسير يستعرض الأستاذ بن شقرون ما ينبغي توفره من شروط في المقدم على عمل من هذا القبيل لعل أهمها التمكّن من لغة القرآن: نحوها وصرفها وأساليبها وبلاغتها ومن مختلف العلوم الإسلامية وهو مالم يتوفر في العديد ممّن قاموا بالترجمة التي قيل عنها دائما إنها خيانة ويكون الأمر خطيرا جدا عندما يتعلق بكلام الله العزيز: القرآن الكريم وقد أقدم على الترجمة والتفسير في بعض الأحيان من لا يحسن القراءة بالعربية مستعينا بنصوص أجنبية لاتينيـة وأنقليزية من أجل اظهار أن العمل الذي قام به بأنه عمل أصيل!! وهكذا نقلوا عن بعضهم البعض فروبـاردي كتـون Robert de Ketton استغل كثيــــرا وسافــــــاري Savary ـ (1951) ترجم «قرآنه» من محاولة ترجمة عن اللاتينية قام بها مراكسي Marracci دون أن يكلف نفسه عناء العودة إلى القرآن في نصّه العربي!! بهذه العيّنة من الأمثلة والمسائل ذات العلاقة بترجمة القرآن وبيان معانيه قدم الأستاذ محمد بن شقرون عمله موضحا أنه يتوجه إلى القارئ بالفرنسية فرنسيّا أو مسلما لا يحسن العربية، وأنه أيضا تحاشى الدخول في التفاصيل والاختلافات الفقهية التي لا يستوعبها قارئه وقد تبعده عن النص القرآني هذا النص المتكامل مع السنة النبوية. إن الأستاذ محمد بن شقرون وهو الأستاذ الجامعي المختص المتصل اتصالا وثيقا بأصول الثقافة العربية الإسلامية والمتمكّن منها فضلا عن اطلاعه الواسع على أعمال الباحثين والدارسين الغربيين والفرنسيين الذين زاملهم وله بهم صلات وثيقة في الجامعات ومراكز البحث العلمي. هذه الترجمة المصحوبة بتفسير لمعاني القرآن الكريم تأتي في الوقت المناسب لسدّ فراغ وتقدم رؤية شمولية غير حرفية للقرآن الكريم الكتاب الذي لم يفرّط الله فيه من شيء لذلك وجب أن يقع التنويه بمثل هذه المبادرة ولو كانت فردية والأستاذ محمد بن شقرون نفسه يودّ لو أنها كانت جماعية فالعمل الجماعي دائما يكون أوفى بالغرض المطلوب أما وذلك لم يقع القيام به فإن مؤهلات الأستاذ محمد بن شقرون ورصيد إسهاماته العلمية يجعله يقدم إضافة وهي في كل الأحوال أحسن بكثير مما هو معروض اليوم على القارئ الفرنسي والقارئ المسلم الذي لا يعرف العربية... إنه كثير في كمّه مغر في عناوينه ولكنه عبارة عن ترجمات حرفية تجارية متسرعة ومرتجلة الصبغة الربحية واضحة فيها!! ولذلك فإن مردودها في أغلب الأحيان سلبي يزيد القارئ نفرة وابتعادا عن الاسلام!! وهو ما لايزال يعبّر عنه المختصون من المتمكنين من اللغة العربية والفرنسية ومن المهتدين للإسلام من الباحثين والدارسين الغربيين!! إن عمل الأستاذ محمد بن شقرون Le Noble Coran: commentaire et traduction الذي أصدرته دار نشر إنفرسال Universel وقام بمراجعته فريق من الباحثين كلفته بهذه المهمة الدار يحتاج إلى التعريف به سواء كان ذلك بواسطة وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أو كان ذلك من خلال ما يمكن أن ينظم له من ندوات علمية يوضع فيها هذا العمل بين أيدي ثلة من أهل الذكر المتمكنين من اللغتين العربية والفرنسية ومن ذوي الخبرة والمعرفة في الثقافة العربية والإسلامية ليبدوا ملاحظاتهم إضافة أو تعديلا ليكتسي هذا العمل الصفة الجماعية التي تدفع إلى قبوله والإطمئنان إلى مافيه من أفهام وآراء منطلقها نصّ القرآن الكريم والقيام بمثل هذه المبادرة من طرف الناشر في الميسور والمستطاع ويمكن أن يكون ذلك في شكل شراكة ناجحة معه الهيئات ذات التجربة في هذا المجال.