الدين حب أو لا يكون... فلنحب بعضنا البعض
دعتني قبل فترة احدى القنوات الفضائية للحديث عن منزلة ومكانة الحب في دين الاسلام وذلك بمناسبة الاحتفال بما اصطلح على تسميته بعيد الحب واستجبت للدعوة باعتبار انه لابد من الخروج بالخطاب الديني من الفضاءات المتعارفة والمعتادة من مساجد وغيرها إلى الفضاءات الاخرى: ثقافية واعلامية وفكرية واجتماعية وكذلك عملا بمقولة (لا مشاحة في الاصطلاح) والعبرة ببلوغ الغاية التي هي التنوير والتبصير والتعريف بحقائق الدين. فالعيدان الدينيان اثنان لا ثالث لهما: عيد الفطر وعيد الاضحى، والعيد المقصود الحديث عنه هو مجرد مناسبة تعود كل عام يقع اغتنامها لترسيخ هذه القيمة الاخلاقية السامية التي يحتاج الجميع في كل المجتمعات البشرية لتشربها وتمثلها لتكون حجر الزاوية في علاقاتهم ببعضهم البعض وبذلك فقط يصبحون امنا وسلاما على بعضهم البعض. * والاديان السماوية منا جاءت من عند الله إلا لتجعل علاقة الانسان باخيه الانسان علاقة حب لا حقد معه ولا كراهية معه ولا بغضاء معه. * والحب قيمة مركزية في كل الاديان وفي خاتم الاديان واكملها واتمها، فلا دين لمن لا محبة له اذ لا يجتمع ايمان صادق راسخ قوي مع حقد وكراهية، ولا يفوز ولا ينجو من عذاب الله وشديد عقابه إلا من يأتي الله بقلب سليم، والقلب هو المضغة من الجسد التي اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله، والقلب هو محل التقوى التي ليست بالتمني ولا بالتحلي ولكنها ما وقر في القلب وصدقه العمل، العمل الصالح الذي اساسه المشاعر النبيلة والنوايا الحسنة التي هي صميم الحي وعينه. * الحب دين بل هو الدين وهو علامة مصداقيته وعكس الحب هو الكراهية والبغضاء والحقد. * وانعكاسات الحب هي الرفق والرافة واللين والشفقة والرحمة وهي منازل لا تدرك إلا بالمجاهدة للنفس الامارة بالسوء وسالك هذا المنهج منته باذن الله وبعونه وتوفيقه إلى سبل الرشاد (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * انعكاسات وتجليات الحب في الواقع المعيش كضم للغيض وعفو وصفح ودفع بالتي هي احسن (والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). * والمحسنون هم اولئك الذين بلغوا المرتبة الثالثة من مراتب الدين مرتبة الاحسان (أن تعبد الله كانك تراه) والله تبارك وتعالى كتب الاحسان في كل شيء حتى في القتل (عند ذبح الحيوان) ويحرم الاسلام قتل النفس البشرية ظلما وعدوانا ايا كان دينها وايا كان جنسها ولونها-فقد عد الله قتل نفس بشرية واحدة هو كقتل الناس جميعا وكذلك فان من احياها (بمعنى منع قتلها وانقذها) هو كمن احيا الناس جميعا (من قتل نفسا بغير نفس فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا). * إن المسلم لا يمكن إن يكون إلا سلما على الجميع (ادخلوا في السلم كافة) والمؤمن لا يكون مؤمنا إلا اذا امنه الناس جميعا. * إن قيمة الحب هي أصل واساس لكل خير ياتيه الانسان. * والمسلم محب لربه خالقه وبارئه المنعم عليه، فهو أحب إليه مما سواه. * والمسلم محب لمن ارسله الله رحمة له وللناس أجمعين وهو عليه الصلاة والسلام احب إليه مما سواه غير الله، وهما معا (الله ورسوله) بحبهما يتذوق المسلم حلاوة الاسمان (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه إلا لله وان يكره إن يعود إلى الكفر كما يكره إن يقذف في النار). * والمسلم محب لاخوته في الإيمان اذ لا يكون المسلم مؤمنا حقا حتى يحب لاخيه المؤمن ما يحب لنفسه، والمتحابون في الله تجب لهم محبة الله (وجبت محبتي للمتحابين في) * والمسلم يحب الناس اجميعن بمعنى يحب للجميع الخير ولا يكره في الناس إلا الشر الذي هو ضرر ومفسدة اذ المسلم مشفق لا يشمت ولا يدخر كل ما في وسعه لنصحهم بحكمة ورفق ولين، وكل ما يرجوه ويدعو ربه هو الهداية والتوبة والغفران لمن زلت بهم القدم. * المسلم حبيب لكل ما خلق الله وبث في الكون من كائنات حية وجامدة لا يحرق الاشجار لا يقتل الحيوان وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجذر قيمة الحب في قلوب المسلمين عندما يقول عن جبل احد (احد جبل يحبنا ونحبه). ألا يجدر بنا أن نجعل كل ايام السنة وايام العمر عيدا للحب فهو وحده الكفيل باجتثاث الكراهية والحقد والغل التي هي بذور الشر الذي نعيش تداعياته ونبحث لها عن علاج ناجع وما هو إلا بالحب والحب وحده، ألا يحق لنا إن نقول إن الدين حب أو لا يكون؟.