فتاوى مختارة :جواز بناء الجوامع من أموال الزكاة وجواز دفعها للقائمين على المساجد
س: هل تصح دفع الزكاة في بناء جامع أو تعميره، ببلد توفرت فيه شروط وجوب الجمعة على أهله، ولا جامع فيه؟ وهل يصح دفع الزكاة لإمام جامع، أو لعالم يقوم بالوعظ وتعليم الدين لعموم الناس؟ الجواب: إن دفع الزكاة في جميع ذلك جائز، تبرا به ذمة دافعها، إذا لم يخصص من بيت المال ما يبنى به الجامع، وإذا لم يعط منه الإمام أو الواعظ ما يستحق، عما يقوم به. ودليل ذلك، ما نقله الشراح وأصحاب الحواشي على خليل، عن اللخمي وابن رشد: أنهما أجازا دفع الزكاة لإمام الصلاة، ولعالم الدين الذي يقوم بتعليمه لعموم الناس، ولمن في منزلتهما أي: لمن يقوم بمصلحة يتوقف على أقامتها واجب ديني إذا لم يعطوا من بيت المال كفايتهم، وهم أولى بأخذ الزكاة من غيرهم. أما الجامع الموصوف في السؤال، فوجوده شرط لصحة إقامة الجمعة في مذهب مالك رضي الله عنه. فإذا توفرت شروط وجوب الجمعة على أهل بلد، ولم يوجد به جامع، صار بناء جامع فيه متوقفا عليه إقامة واجب من اوكد واجبات الدين، وهو صلاة الجمعة، فيجوز دفع الزكاة في بنائه وتعميره، إذا لم يخصص له من بيت المال ما يبنى به، كما جاز دفعها للإمام والعالم ومن في منزلتهما، المنقول عن اللخمي وابن رشد. على أن كثيرا من محققي المفسرين، وخاصة المتأخرين، ومنهم سيد قطب، والمراغي، وصاحب المنار، يختارون ابقاء المصرف السابع من آية “مصارف الزكاة”، وهو: (سبيل الله) على عمومه، شاملا لكل بر فيه نفع عام في الدين، مستندين في اختيارهم: على صريح نص الآية العام أولا. ثم على ما ثبت في الحديث الصحيح: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مائة من ابل صدقة الزكاة دية لاولياء رجل من الأنصار وجد قتيلا بخيبر ولم يعرف قاتله، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الابل من أموال الزكاة اطفاء للثائرة، وليس ذلك من الجهاد في شيء. ونقل ابن العربي في أحكام القرآن، أن مالكا رضي الله عنه، قال في تفسير (سبيل الله): “سبل الله كثيرة”. ونقل الرازي في تفسيره، أن القفال من الشافعية نقل عن جماعة من الفقهاء. اختيار تعميم سبيل الله، في كل بر وخير يعم نفعه، ومن ذلك تعمير المساجد. وبما ذكره يتضح: أن حمل المصرف السابع من مصارف الزكاة، وهو (سبيل الله) على ظاهر عمومه في كل بر يعم نفعه، هو الصحيح. وان تخصيص من خصصه بالجهاد، زيادة عن كونه مخالفا لظاهر الآية، قد يفضى إلى تعطيل كثير من المصالح التي يتوقف عليها إقامة واجب من واجبات الدين، خصوصا في البلدان العلمانية، التي لا تخصص شيئا من مال الدولة لمصالح الدين، فإذا لم ينفق عليها من أموال الزكاة تعطلت وانطمست معالم الإسلام.