تنظيم احتفالات وندوات لتركيز قيمة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تونس والمغرب وفرنسا
شهر ربيع الأول من كل عام هو الموعد الذي يغتنمه المسلمون في كل ديار الإسلام وخارجها للاحتفال بذكرى مولد سيد الكائنات سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام من أرسله الله رحمة لكل خلقه وقال في حقه جل من قائل ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وامتن الله بمجيئه عليه الصلاة والسلام على عباده المؤمنين فقال جل من قائل ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) وهي منة لا يمكن حصر وعد تجلياتها ومظاهرها فكل ما يأتيه وما يعبر به المؤمنون من مظاهر الحفاوة والبهجة والسرور المشروعة بمولده هي قليل في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وقال في حقه مادحا لخلقه (وإنك لعلى خلق عظيم) مستحقا بذلك بأن يكون الأسوة والقدوة (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وأمره أن يقول للمؤمنين (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) • فهو وحده دون سواه من بقية خلق الله بما فيهم الصفوة من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام من تتحقق باتباعه والاقتداء به في كل شان من شؤون الحياة المتشعبة الخاصة والعامة هو وحده من تتحقق به محبة الله لعباده المؤمنين • وهو وحده عليه الصلاة دون سواه من جسم في حيز الواقع المعيش هدي ربه المنزل في كتابه العزيز، فكان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي على الأرض، وكم كانت السيدة عائشة رضي الله عنها محقة وفي قمة البلاغة عندما أجابت من سألها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ( كان خلقه القرآن) وقبلها شهدت له من عرفته عن قرب وعاشت معه الشدائد أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها حيث استقبلته وهو عائد من غار حراء ترتعد فرائصه قالت له ( والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل وتُقري الضيف وتُعين على نوائب الدهر) وقال عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ما قال لي في يوم من الأيام أف ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لم تفعله؟ ولكن كان يقول ما شاء الله كان وما لم يشأ الله لم يكن) ولو مضينا نستعرض جوانب سيرته العطرة المكرسة للكمال والجمال والرفق واللين والسماحة والمحبة الصادقة لما كفانا حيز الزمان والمكان المتاحين حسبنا أن نؤكد ان الشخصية المحمدية التي بهرت الجميع من آمن به واتبعه من أصحابه ومن جاؤوا بعدهم إلى يوم الناس هذا والى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين كما بهرت الشخصية المحمدية حتى من لم يؤمنوا به ممن عرفوه وعاشروه أو من بلغهم خبره أو من عكفوا على دراسة سيرته العطرة فالإجماع يكاد يكون معقودا على أنه عليه الصلاة والسلام: مثله لم تلد النساء، كمال وجمال في كل جوانب شخصيته عليه الصلاة والسلام والأفراد والمجتمعات في كل الأزمنة والأمكنة لا تتعلق التعلق الصادق إلا بمن يفوقها خلقا وسيرة ومن يكون الأقرب في سيرته وسلوكه إلى القيم والمثل الأخلاقية التي دعت إليها الرسالات والأديان ونادت بها الحركات الإصلاحخية وحلم بها الفلاسفة والحكماء وتغنى بها الشعراء • وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يمثل قمة الكمال الانساني في توازن وتكامل وتوسط ينتفي معها الضرر والإضرار والإفراط والتفريط • فاغتنام يوم المولد وشهر المولد للوقوف وقفة المتدبر المعتبر والمذكر و(الذكرى تنفع المؤمنين) بما لهذا النبي الكريم وهذا الرسول العظيم من الكمال والجمال يدفع ولا شك من يؤمن به وينتمي إليه إلى مزيد الاعتزاز والافتخار ومزيد التعلق الشديد به والمحبة له عليه الصلاة والسلام وكيف لا والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو لب الدين وحجرة الزاوية في صرح الدين العتيد وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال (ألا لا دين لمن لا محبة له) • ومن أجدر الناس بالحب بعد الله غير الحبيب المحبوب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فمحبته سفينة النجاة ومعبر المؤمن لدخول الجنة والمعية له عليه الصلاة والسلام فبذلك بشر من قال لم أعدد للساعة إلا محبة الله ورسوله قال له( أبشر فأنت مع من أحببت )(أي في الجنة) ولا شك إن المحب لرسول الله لا يكون إلا متبعا له في كل شان من شؤون حياته الدنيوية والدينية ولا جدار فاصل بينهما في الإسلام وفي هدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام والحمد لله على ذلك • وفي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة لله الذي خلقه واصطفاه واجتباه وهدانا به إلى الصراط المستقيم بل إن ادعاء محبة الله، البارئ المصور والمنعم الأوحد تجسيمها الفعلي لا يكون إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي ان يكون اتباع حب وتعلق يكون به هوى المؤمن تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اتباع عن طيب قلب وراحة وطمأنينة كاملة، انه اتباع يتذوق به المؤمن حلاوة ايمانه وللايمان حلاوة أول شروطها (أن يكون الله ورسوله أحب لله مما سواهما) وبهذا الحب لله ورسوله تنتفي وتذهب إلى غير رجعة العداوة والبغضاء والكراهية والضغائن والأحقاد بحيث تصبح قلوب المؤمنين عامرة بالحب الحقيقي الصادق وما أحوج الناس كل الناس والمؤمنين وهم الأجدر والأولى وبذلك يسود السلام والوئام والتعايش والتسامح والتضامن بين بني الانسان بمختلف أجناسهم وألوانهم وأديانهم• والذين يحتفلون في شهر ربيع الأول من كل عام بذكرى مولد سيد الكائنات محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لا يركزون على قيمة من القيم الأخلاقية والسلوكية والروحية أشد من تركيزهم على قيمة الحب في رسالة الإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام في هذا المجال لأنها القيمة التي تشتد الحاجة إليها في هذه المرحلة من حياة البشرية التي طغت فيها المادية بحيث أصبحت الدنيا أكبر الهم ومبلغ العلم فمعيشة أغلب الناس أصبحت ضنكا نتيجة الإعراض عن الذكر مصداقا لقوله جل من قائل ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ...) ومحبة الدنيا والتعلق بها رأس كل خطيئة وهي أخوف ما خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده نعم إن المسلم في دين الإسلام لا ينسى نصيبه من الدنيا ولكن همته وغايته ينبغي ان تكون منصرفة إلى ما هو أبقى وأدوم وأخلد، لا يريد العلو في الأرض والفساد فيها ومن كانت الدار الآخرة هي غايته ومبتغاه ومراده في كل ما يأتيه وما يدعيه فلا يمكن إن يكون إلا أمنا وسلاما ورفقا ولينا يمشي على الأرض هونا وإذا خاطبه الجاهلون قال سلاما يدفع بالتي أحسن ويكظم غيظه ويعفو على الجميع فقد اختار أن يكون ممن قال فيهم ربهم (والله يحب المحسنين) والمحسنون يحبون ولا يكرهون يصفحون ولا يقتصون فضلا عن انهم لا يعتدون ولا يظلمون وكيف يظلمون وربهم يبدأ بنفسه ويثني بعباده في تحريم الظلم ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظالموا) • إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي ازداد الوعي بأهميته في السنوات الأخيرة في تركيز هذه القيم التي اشتدت الحاجة اليها على امتداد الساحة الإسلامية في ديار الإسلام وحيثما وجد المسلمون ولم يعد الاقتصار على هذه الاحتفالات بإحياء ليلة ويوم المولد بل أصبح يمتد ليبدأ منذ أن يهل شهر ربيع الأول وصولا إلى شهر ربيع الثاني (ليلة المولد ويوم المولد وسابع المولد وأربعين المولد) • وإن شاء الله تصبح كل أيام السنة أيام مولد وكيف لا وبمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم انبلج فجر عهد جديد انجلى به الظلم والظلام والبغي والعدوان فهو الرحمة المهداة • والحمد لله فمنذ سنوات انطلقت على بركة الله من هنا من تونس هذه الأنشطة لتبدأ بإقامة ختم الشفا للقاضي عياض وتتبعها احتفالات في المقام الشاذلي (ليلة المولد) وفي جامع الزيتونة المعمور (يوم المولد) وفي المغارة الشاذلية (يوم السابع) وفي مقام سيدي محرز وزاوية سيدي ابراهيم الرياحي وفي الزاوية المدنية بقصيبة المديوني ومقام سيدي عبد الله بوجليدة بتطاوين وغيرهم من المعالم الدينية وهناك في مداغ بإقليم بركان بالمغرب الأقصى في الزاوية القادرية البودشيشية بحضور شيخها سيدي حمزة حفظه الله • وفي فرنسا انطلقت الاحتفالات بالمولد النبوي من مدينة مرسيليا إلى مدينة كليرمون فرون إلى مدينة باريس التي احتضنت ومنذ ثماني سنوات تظاهرة محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بادرت إلى إقامتها الجمعية الدينية بسافرون Severan بإشراف رئيسها السيد الفاضل البكاي مرزاق جازاه الله خيرا توجت هذه السنة بندوة دينية كبرى حضرها وشارك فيها كل من الأستاذ عبد الله بنو (فرنسي) محمد صلاح الدين المستاوي (تونس) طارق بن قاراي (مغربي) محمد المهلهل (ليبيا) نجم الدين خلف الله (تونس فرنسا) الشيخ منور المداني (تونس) فضلا عن السادة البكاي مرزاق ومحمد البشاري والشيخ عبد الرحيم (إمام مسجد سافران) وعمدة سافران الذي تابع أشغال هذه الندوى من أولها إلى آخرها وغطت هذه الندوة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية • وفي هذه السنة انطلقت احتفالات مشهودة بالمولد النبوي شاركت فيها مجموعة من الطرق الصوفية (الشاذلية المدنية اليشرطية العلوية والخرشيدية الشاذلية ) وجمعت هذه التظاهرة بين الجوانب العلمية (مداخلات باللغتين العربية والفرنسية وفقرات من السماع والإنشاد البديع ) وقد تابع هذه التظاهرة الدينية الروحية في محبة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام جمهور كبير من كل الفئات غصت به القاعة التي احتضنت هذه التظاهرة مما يشجع على تطويرها وتعميقها وتوسيع دائرة المشاركين فيها والمتابعين لها في المستقبل إن شاء الله