في رياض السنة: إن الله جميل يحب الجمال
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس.رواه مسلم هذا الحديث الشريف من أحاديث كثيرة عديدة امتلأت بها دواوين السنة النبوية الطاهرة مع بعضها البعض في تكامل بعيد كل البعد عن التعارض والتناقض والاختلاف، تبين هدي الإسلام في مجال عظيم الشأن من مجالات النشاط البشري المتمثل في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان مما اصطلح عليه بالأخلاق، وللإسلام نظرية متكاملة للأخلاق وجعلها صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام الغرض من بعثته للناس، فبعد هداية الناس من الضلالة وإخراجهم من الكفر والشرك تأتي مباشرة مسألة سيرتهم وتعاملهم فيما بين بعضهم البعض، يقول عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولا يظنن ظان أن الأخلاق هي مجرد شعارات ومظاهر وشكليات وكلمات معسولة وابتسامات كاذبة منافقة تظهر الود ومن ورائها العداوة والبغضاء. الأخلاق في الإسلام نظرية متكاملة فيها ما هو من قبيل المشاعر التي هي في البواطن ولا يعلم حقيقتها إلا الله السميع الخبير البصير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. والأخلاق في الإسلام كلمات طيبة جميلة لطيفة لا بذاءة فيها ولا فحشاء فيها ولا سباب فيها ولا عهر فيها كلمات طيبة تصدر عن قلب طاهر. والأخلاق في الإسلام فعل وممارسة وتصرف، انه إتيان لفعل الخير من البسيط الصغير الذي لا يؤبه له ولا يكترث به إلى العظيم الكبير وكل ذلك يجازي عليه الله عبده المسلم بالأجر العظيم والثواب الكبير.وكل هذه المظاهر لهدي الإسلام في الأخلاق والمعاملة تنطلق من الإخلاص، والله تبارك وتعالى الذي يبتغي منه العبد المؤمن الجزاء والثواب لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). وحينئذ فان هدي الإسلام في الأخلاق والمعاملة مجال فسيح وهو التجسيم العملي للتدين الصادق والإيمان الخالص. وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته القدوة والأسوة وقال الله للمؤمنين (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وكان الأسوة المثالية التي يتطابق فيها الظاهر مع الباطن والقول مع الفعل وكان عليه الصلاة والسلام بحق حجة الله على عباده وقال الله في خلقه الكريم (وانك لعلى خلق عظيم) وكانت دعوته لامته دعوة حال لا دعوة مقال وشتان بين الدعوتين، فدعوة الحال هي الأبلغ والأنفذ إلى القلوب. وقوام هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ترهيب وتخويف من كل ما يغضب الله مما هو من مساوئ الأخلاق وسيء الأعمال والتصرفات، وترغيب وتحبيب في الأخلاق الكريمة والمعاملات الرفيعة. وهذا الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما والوارد في صحيح مسلم بيان رائع في جانب من جوانب التصرف البشري يرشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم الممنوع والجائز المباح في مجال التصرف مع الناس والتعامل معهم مما يبدو انه داخل ضمن الحرية الشخصية التي لا دخل فيها لهدي السماء وإرشاد سيد الأنبياء عليه السلام!! انه الكبر والخيلاء والعجب والفخر وكل ذلك مصاب به الكثير من الناس ممن يمشون في الأرض مرحا وممن يتصورون أنهم أفضل من غيرهم من بقية بني آدم متجاهلين أن أصل كل الناس واحد وأن مآلهم ومصيرهم واحد وان رب الجميع واحد، فلم التفاخر؟ ولم العجب ولم الخيلاء؟ ولم الاستعلاء والكبرياء؟ انه الجهل يردي بصاحبه ويتسبب في هلاكه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) هكذا في حسم، لا نصيب للمتكبر في الجنة مهما كان هذا المقدار من الكبر ضئيلا صغيرا. إن الكبر فرعنة وطغيان وتجبر ونسيان وغفلة في المصير والمآل والذي هو إلى التراب. الكبرياء والعظمة لله وحده ومن سواه فهم عباد الله الضعفاء مهما كانت قوتهم التي هي ولاشك إلى ضعف وزوال، إذ البقاء لله وحده، فهو سبحانه المتعال ومن سواه عباد ضعفاء، من ضعف والى ضعف، ومنكر ذلك غافل جاهل لا يتدبر ولا يعتبر ولا ينظر إلى نفسه ولا إلى ما يحيط به. وكلما اظهر العبد لربه من الضعف وكلما اظهر العبد للناس من التواضع والرفق واللين والقرب كلما كان نصيبه في الإحراز على مرضاة ربه اكبر. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله لوجهه في النار) رواه احمد. وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله عز وجل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار) رواه أبو داود. وعن حارثة بن وهب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر) رواه البخاري.والأحاديث التي تنهى عن الكبرياء والتعالي عديدة كثيرة وتحذر المسلم من الافتخار بنفسه: أصله وحسبه وجاهه وماله، وتحذر من التعالي على عباد الله الضعفاء والتسلط عليهم وقهرهم، وينبه هدي الإسلام المسلم إلى أن الله تبار ك وتعالى لا ينظر إلى الصور والوجوه وسائر الأعراض الزائلة وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، وانه رب ضعيف فقير لا يؤبه له هو قريب من الله، وجيه لديه، لا يرد له طلب. ينبه الإسلام المسلم إلى أن أكرم الناس عند الله اتقاهم، (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) والتقوى محلها القلب لا يعلمها من العبد إلا ربه وخالقه، كل الناس من آدم وآدم من تراب، ولا فرق بين ابيض واسود وبين عربي وأعجمي إلا بالتقوى وبالتقوى فقط. فإذا تركزت هذه الحقيقة في نفس المسلم وترسخت وكانت تصرفاته أقوالا وأفعالا تستنير بهذه الحقيقة وذلك بالتواضع والرفق واللين والقرب من الناس، إذا كان حال المسلم كذلك (ولا ينبغي أن تكون إلا كذلك) فلا خشية عليه ولا مانع من أن يستمتع بما أباح الله له من الطيبات، وقد عبرت عن هذه الحقيقة الإسلامية آيات عديدة (ولا تنس نصيبك من الدنيا) (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). فالله تبارك وتعالى يحب أن يرى اثر نعمته على عبده، ولذاك جاء جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا في هذا الاتجاه (قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال). فالكبر هو إنكار الحقائق والاستعلاء على الناس وظلمهم والتكبر عليهم واحتقارهم والتصرف بمقتضى ذلك ظلم وعدوان وكل ذلك حرام في دين الإسلام فإذا لم يكن المسلم متكبرا ولا متعاليا ولا محتقرا لغيره من عباد الله فلا تثريب عليه أن يتمتع بما أباحه الله لعباده وبما تكرم به عليهم من الطيبات والتي منها أن يلبس الرجل الثوب الحسن ويتخذ النعل الحسن، فالنوايا هي التي تجعل من العمل مباحا جائزا حلالا أو تجعل منه حراما محظورا.