في رياض السنة :شروط دخول الجنة بسلام: إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام والصلاة بالليل والناس نيام
عن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس افشوا السلام اطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح هذا الحديث من كتاب السلام في رياض الصالحين للإمام النووي وقد جاء بعد الحديث والذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا...) والذي ختمه عليه الصلاة والسلام بما يتحقق به للمؤمن دخول الجنة والمتمثل في امره عليه الصلاة والسلام بإفشاء السلام (افشوا السلام) أي اجعلوا السلام تحيتكم وأول ما تقولونه لبعضكم البعض عندما تلتقون وخير المؤمنين من يسبق بإفشاء السلام وكيف لا يحصل منه ذلك وهو من ذكر الله وبذكر الله تطمئن القلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وهي كلمة يتحقق بها الأمن والأمان ويدخل قائلها ومن قيلت له أو لهم في سلام تنتفي معه القطيعة والضغينة والحقد ويحل محل ذلك كله الحب الصادق الخالص. ناسب إذن أن يكون هذا الحديث “يا أيها الناس افشوا السلام..” بعد حديث “لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا”. وقد بدأ عليه الصلاة والسلام هذا الحديث بنداء موجه لكل الناس دون استثناء: صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، الناس على عمومهم مهما كانت مراتبهم الاجتماعية ومهما كانت لغاتهم وأجناسهم وبالطبع فان الناس المعنيين بهذا الخطاب هم المؤمنون بما جاء به سيد الأنام عليه الصلاة والسلام من هدي قويم يرشد إلى الصراط المستقيم وما به تتحقق للمسلم سعادة الدارين لاسيما دخول الجنة التي هي مبتغى المؤمن ومراده من كل ما يأتيه من أعمال وما يجتنبه من تصرفات فذلك هو الفوز المبين وفي مجاله يتنافس المتنافسون ويعمل العاملون. لقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعملون بما ارشد إليه في هذا الحديث بدخول الجنة بسلام. واذا ما عدنا إلى هذه الشروط التي اشترطها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نجدها يسيرة سهلة في المستطاع لا تكلف القائم بها عناء ولا مشقة كبيرة وتلك ميزة واضحة وجلية تلوح لكل ناظر في تعاليم الإسلام وهديه القويم إنها السماحة واليسر مصداقا لقوله جل من قائل (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله سبحانه وتعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وهو ما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لصاحبيه اللذين أرسلهما لدعوة الناس (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) وذلك هو ما كان عليه الصلاة والسلام إذ تقول كتب السيرة انه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما. * أول شروط دخول الجنة بسلام هو إفشاء السلام ولا يخفى ما في إفشاء السلام وآثاره الايجابية على الفرد والمجتمع وبين الناس، فالسلام قيمة إنسانية خالدة ينشدها الجميع إذ أن ما يقابلها هو الخراب والدمار والدماء والدموع والهرج والمرج وكل تلك مآس وويلات عانت منها البشرية وذهب ضحيتها عشرات الملايين من الأنفس البريئة ظلما وعدوانا وقد ازدادت الحاجة إلى السلام في عصرنا الحاضر ولأجل ذلك تنادي بتجسيم قيمة السلام في حياة الناس كل من هددتهم المخاطر، وقامت من اجل نشر قيمة السلام منظمات ووضعت مواثيق ولا يزال السلام مهددا من كل جانب، والأديان السماوية والإسلام في طليعتها لا يمكن أن تتعارض مبادؤها مع قيمة السلام، فبين الإسلام والسلام أكثر من حرف اشتراك هذا من حيث الشكل وللشكل أهميته التي لا تنكر وكذلك الأمر من ناحية المضمون فالإسلام في كل هديه لا يهدف إلا إلى الوصول بالمؤمنين به إلى العيش في سلام وما يتبع ذلك من امن ووئام ومحبة وصفاء وسمو. * الشرط الثاني لدخول الجنة بسلام وهو إطعام الطعام، وإطعام الطعام من الأهمية بحيث أن الله تبارك وتعالى امتن به على عباده حيث قال جل من قائل (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) والجوع لا يطاق ولا يحتمل والجائع لا يدري ماذا يفعل يقول الإمام علي رضي الله عنه (عجبت لمن بات جائعا كيف لا يخرج ممتشقا سيفه يقتل كل من اعترضه) وقد حمل الإسلام مسؤولية أهل الحي الذين يموت بين ظهرانيهم واحد منهم جوعا ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الجار الذي يبيت شبعانا وجاره إلى جانبه جائع (وهو يعلم). واعتبر الإسلام إطعام الطعام من أعظم أبواب البر وفي مقابل ذلك اعتبر مستحقا دخول نار جهنم من لا يطعم المسكين، ولم يترك الإسلام سبيلا من السبل القاضية على الجوع إلا ودعا المسلمين إلى سلوكها وجعل إطعام الطعام دون منّ وابتغاء لوجه الله من علامات الإخلاص (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) وأمر الإسلام بالإنفاق سرا وعلانية صدقة وبرا وأداء لحق الله في الأموال التي استخلف عليها الناس (انفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وغير ذلك كثير جدا من الآيات والأحاديث. * والشرط الثالث لدخول الجنة بسلام هو صلة الأرحام، والرحم من الرحمان أوكل الله بها ملكا ينادي (اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني) ولان الناس يرغبون في العاجل من سعة رزق وطول عمر فقد اخبر رسول الله صلى الله علليه وسلم أن صلة الرحم توسع في الرزق وتمد في العمر، وأولو الأرحام في كتاب الله وسنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام بعضهم أولى ببعض يتوارثون ولهم نحو بعضهم البعض حقوق كثيرة، وهم أولى بالمعروف (أولو القربى أولى بالمعروف) وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على ذوي الأرحام صدقتين: صدقة وصلة. وذوو الأرحام حتى وان اختلفت عقائدهم فان حقوقهم على بعضهم البعض محفوظة وقد استأذنت السيدة أسماء رضي الله عنها في صلة أمها غير المسلمة فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورغم أن ذوي الأرحام كثيرا ما يقابلون المعروف بضده ومع ذلك فان المؤمن الحق مدعو بان لا يكافئ بالقطيعة قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الواصل بالمكافئ) وبشر عليه الصلاة والسلام من يصل أقاربه رغم قطيعتهم له وقد جاءه احدهم شاكيا صنيعهم (أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي. قال له: لا يزال لك عليهم من الله معين وكأنما تسفهم المل. * أما رابع الشروط فهو الصلاة بالليل والناس نيام، وهو شرط متوج ومكمل لان من يفشي السلام ويطعم الطعام ويصل الأرحام متدرج في الرقي في سلم الطاعة والتقرب إلى الله بكل معروف مما يرضيه سبحانه وتعالى، مسك ختام هذه الشروط هو الصلاة بالليل والناس نيام فأهل الليل بمعنى-أهل قيام الليل- هم أهل محبة الله يفرحون بقدوم الليل ليناجوا في ظلامه ربهم الذي يرى تقلبهم في الساجدين، إنهم عباد الرحمان الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، إنهم قليلا من الليل ما ينامون إذ تراهم (يراهم ربهم الذي لا تخفى عليه خافية) يتركون الفراش الوثير بدفئه وما فيه ليقفوا بين يدي ر بهم يناجونه ويسبحونه ويستغفرونه ويتضرعون إليه ويسألونه كل حاجاتهم وأعلاها رضوانه وغفرانه ودخول جنانه قال فيهم ربهم (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لسان حالهم يردد: نامت العيون إلا عينك فاحرسنا بعينك التي لا تنام، تخشع قلوبهم وترتعد فرائصهم وتذرف أعينهم بالدمع الحار، فهنيئا لهم بما بشرهم به من لا ينطق عن الهوى عليه السلام (عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس المسلمين) وكثيرا ما اجتمع هذان الوصفان في الشخص الواحد من العباد والزهاد الذين كانوا فرسانا بالنهار رهبانا بالليل فصلاة الليل من أعظم أبواب الطاعة، إنها مظهر الإخلاص وعلامته، فبيوت المسلمين هي معابد وليست مقابر قال عليه الصلاة والسلام (لا تجعلوا بيوتكم قبورا) أي للنوم فقط أي اجعلوا جزءا منها مكانا وزمانا للقيام بركعات في جوف الليل الأظلم. من عمل بهذه الشروط السهلة اليسيرة (إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام والصلاة بالليل والناس نيام دخل الجنة بسلام) نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقننا للعمل بما ارشد إليه سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.