من هدي الإسلام في صلة الأرحام وفقا لسنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام

من هدي الإسلام في صلة الأرحام وفقا لسنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام


لعيدي الفطر والأضحى عبر ودروس ومواعظ كثيرة وهما مناسبتان لتقوية عرى التواصل والتآخي بين أفراد المجتمع الإسلامي، والمسلم يحيي العيدين ويحتفل بهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقف عندهما مليا لاستخلاص العبر وهي كثيرة وعديدة وأول هذه العبر والمواعظ والدروس هي اقتران الفرحة والسرور لدى المسلم بتوفيق الله تبارك وتعالى له وإعانته على طاعته وما أعظمها من فرحة وسرور مشروعين، فرحة وسرور حقيقيان لا ندامة عليهما ولا تثريب على المؤمن فيهما. وهما بداية فرحة وسرور يتواصلان ليتجاوزا هذه الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة حيث سيجازي الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين الجزاء الأوفى والأوفر على ما قدمت أيديهم من عمل صالح في هذه الحياة الدنيا وذلك بآداء ما فرض الله عليهم وما وفقهم إليه من عمل صالح. * ولان الإسلام دين واقعي ولان الإنسان يحب العاجل أباح الإسلام للمسلم أن يجعل من العيدين موعدا للفرحة والحبور والسرور والاستمتاع بالحلال الطيب وذلك في دين الإسلام مباح مشروع بل مندوب ومستحب. وعظمة الإسلام هي في هذه الواقعية وفي تلك المراعاة لما خلق الله في الإنسان من رغبات وحاجات يقول جل من قائل نافيا عن المسلمين كل تضييق وحرج (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). * إن ما يحرمه الإسلام على المسلم هي الخبائث وما يمنع منه المسلم هو الظلم والعدوان والتعدي على الآخرين ماديا ومعنويا أما ما سوى ذلك من الطيبات ومن الحلال فان الإسلام يدعو المسلم إلى اخذ نصيبه منه لان ذلك يمكن أن يكون سبيلا ووسيلة لمزيد شكر المنعم بها سبحانه وتعالى، إن الله تبارك وتعالى يحب أن يرى اثر نعمته على عبده، وهذا الأثر يكون في المطعم والمشرب والملبس والمسكن والمركب، والمسلم وهو يتمتع بكل هذه الطيبات من الحلال لابد أن يشكر حالا ولسانا من تكرم عليه بهذه النعم، وهذا الشكر موجب للزيادة يقول جل من قائل (لئن شكرتم لأزيدنكم). الرحم من الرحمان * فالعيد فرصة ينبغي اغتنامها للتواصل مع كل من يمتون للمسلم بصلة بداية بذوي الأرحام من الأهل والأقارب والرحم من الرحمان وقد أوكل الله بها ملكا ينادي صباح مساء (اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني) وقد بشر عليه الصلاة والسلام الواصلين لأرحامهم بطول العمر حيث قال عليه الصلاة والسلام (صلة الرحم تزيد في العمر) وسواء كانت الزيادة مادية أو معنوية فإنها حاصلة. ودعا الإسلام المسلم في علاقته بذوي أرحامه أن لا يكون مكافئا بل ينبغي عليه أن يكون محسنا يقول عليه الصلاة والسلام (ليس الواصل بالمكافئ) وبشر عليه الصلاة والسلام من يقابل تقصير ذوي أرحامه وإساءتهم بالتجاوز بان الله تبارك وتعالى يزيده من خيره وفضله وعطائه ما دام على هذه الحالة فقد شكا احد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي أرحامه فقال (إنني أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي فأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه إذا كانت تلك هي حاله مع ذوي أرحامه فان الله لا يزال له عليهم معينا وانه كأنما يسفهم المل). واعتبر الإسلام الصدقة على ذوي الأرحام صدقة وصلة، كما ارشد عليه الصلاة والسلام إلى أن من فاته أن يبر والديه في حياتهما فلا يفوته أن يبرهما بعد وفاتهما وذلك بصلة الرحم الذي لا يوصل إلا بهما وإكرام صديقهما والصدقة عليهما وزيارة قبريهما. * إن صلة الرحم باب عظيم الشأن من أبواب الخير كثيرا ما يتغافل عنه المسلمون ويهملونه فيكون سببا لغضب الله عليهم وسببا للكثير مما يصيبهم من البلايا. والناظر في علاقات ذوي الأرحام يجدها تتفاوت بين الناس. * فمن الناس من يراعي هذه الصلات ويراقب الله فيها ويسارع إلى وصلها ابتغاء للثواب والجزاء وزيادة الخير واثر ذلك التصرف سرعان ما يلمسه القائم به في كل شأن وأمر من شؤونه وأموره. وهذا التصرف الذي يرضي الله ورسوله عندما يلتزم به ذوو الأرحام نحو بعضهم البعض تتمتن العلاقة بينهم ذلك أن الأنفس البشرية مجبولة على حب من أحسن إليها. * ومن الناس من يهمل هذا الواجب نحو ذوي أرحامه ويصل به الأمر إلى اقرب المقربين إليه أبويه فلا يقوم بالواجب نحوهما ومن كانت هذه حاله والعياذ بالله فان عاقبته وخيمة في هذه الدار وفي الدار الآخرة، وهو كما يدين يدان وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل هذا التصرف المشين خصوصا تجاه الوالدين وهما أحق ذوي الأرحام بالوصل ونبه إلى أن من بر أبويه يبر به أبناؤه (بروا آباءكم يبركم أبناؤكم). ومن العادات الحسنة والحسنة الحميدة التي اقترنت بالعيدين ما نراه في أيام العيد من تواصل وتزاور بين الأقارب تذهب به كل الاختلافات والنزاعات والضغائن ويتمنى المسلم وهو يشاهد ذوي الأرحام في هذا التواصل والتحاب والتواد أن تكون كل أيام السنة عيدا حتى يدوم هذا الحب وهذا الود. ومادام المسلمون قادرين على نسيان الاختلافات والنزاعات والضغائن في أيام العيد وماداموا قادرين على مخالفة النفس الأمارة بالسوء والشيطان اللعين فالمطلوب منهم أن يستصحبوا هذه الحالة من التصافي والتآخي على مدار أيام السنة وطيلة سنوات أعمارهم فما يتنازعون عليه وما هو سبب اختلافهم وفرقتهم فان زائل وهم راحلون وتاركوه وراء ظهورهم ومقبلون على رب لا يفوز لديه إلا من أتاه بقلب سليم. ولأجل ذلك فإن العيد في الإسلام من مغازيه ومراميه وأهدافه هذا التصافي وذلك التحاب والتآخي والتواد.. وقد ارشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من أسباب التحاب بين المسلمين إكرام بعضهم البعض حيث قال عليه الصلاة والسلام (توادوا تحابوا) ومن الخلق الرضى الذي ارشد إليه الإسلام الكرم والجود إذ قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) واخبر عليه السلام (أن الكريم قريب من الناس قريب من الله قريب من الجنة) والكرم في الإسلام مادي ومعنوي ومن هدي الإسلام في العيد أن يكون في الأضحية جزء للأكل وجزء لإكرام الضيف وصلة الرحم وجزء للصدقة كل ذلك من أجل أن تعم الفرحة جميع من يحيطون بالمسلم من أقارب وذوي أرحام وأجوار وأصدقاء وعموم المسلمين وعموم الناس. وعندما تكون العلاقة بين أفراد المجتمع على هذا الأساس من التعاون والتراحم والتواد والإكرام لبعضهم البعض فإن الحب يحل محل العداوة والبغضاء وذلك ما تهدف إلى تحقيقه بين بني الإنسان تعاليم الإسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. إن الإسلام يدعو المسلم إلى الإحسان فعلا بما يتوفر لديه مهما كان قليلا (اتقوا النار ولو بشق تمرة) كما يدعوه إلى الإحسان قولا ومشاعر وذلك بالكلمة الطيبة وهي صدقة في دين الإسلام. الترويح على الأنفس مباح ومشروع ومما ندب الإسلام المسلم إليه في أيام العيد أن يروح على نفسه وأهله الترويح البريء الذي من شأنه أن يدفع من يأتيه في إطار المباح والمشروع إلى استئناف بذله وعطائه بعطاء اكبر ونشاط ابرز واظهر وقد نهى عليه الصلاة والسلام سيدنا أبا بكر عن منع من كانوا يضربون على الدف فرحة بالعيد قال له عليه الصلاة والسلام (اتركهم فإنهم في يوم العيد) لقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لصاحبه رضي الله عنه وللمسلمين عامة أن للعيد خصوصيته إذ يباح فيه للمسلم أن يروح على نفسه بكل ما من شأنه أن يدخل عليها المسرة والحبور شريطة أن لا يتجاوز ذلك الحدود الشرعية وهذا الترويح على الأنفس وإدخال المسرة عليها مطلوب ومتأكد خصوصا بالنسبة للصغار ممن لا يزالون في مقتبل العمر ولابد من مراعاة هذه الحاجة الماسة لدى هؤلاء الصغار ولابد من اعتبارها والعمل على تلبيتها والاستجابة لها وذلك هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك هي سيرته فقد كان عليه الصلاة والسلام يلاعب الصبيان ويداعبهم ويمزح معهم ولا يقول إلا حقا. وقد رد عليه الصلاة والسلام على ذلك الصحابي الذي تعجب من ملاعبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما بان له عشرة من الصبيان ما قبل احدهم قط قال له عليه الصلاة والسلام (ماذا تريد مني أن افعل لك إذا كان الله قد نزع من قلبك الرحمة من لا يرحم لا يرحم؟) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل ركوعه وسجوده عندما يكون احد ابنيه على ظهره وهو يفعل ذلك موعظة وعبرة وقدوة ومثلا في المعاشرة الحسنة الرؤوفة الرحيمة للصبيان. وكان عليه الصلاة والسلام ينزل من فوق المنبر ليحمل احد ابنيه الحسن أو الحسين ويتم خطبته وهو واضعه على كتفه كل ذلك للموعظة والعبرة وللهدي والإرشاد إلى السلوك القويم في معاشرة الصبيان. * ومن هديه عليه الصلاة والسلام في هذا السياق انه كان يخرج إلى الساحات في أيام العيد فيمسح على رؤوس الأطفال ويداعبهم ويحتضنهم ويمازحهم وخصوصا الأيتام منهم ممن فقدوا الحنان والرأفة والرحمة فيعوضهم عليه الصلاة والسلام بعض ما فقدوه ويرشد الأمة إلى السلوك القويم والمعاملة الحسنة وذلك ليس بالغريب على من أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلى من جعله على خلق عظيم وعلى من جعله الله أسوة وقدوة وأمر المسلمين بأن يقتدوا به (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقال (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). * إن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مناحي الحياة معين لا ينضب فما من حال من أحوال المسلم إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها هدي وتوجيه وإرشاد وما أحوج المسلمين إلى العودة إلى هذا المعين العذب فسيجدون فيه ما يسدد خطاهم وينجح مسعاهم ويجنبهم العثرات والكبوات. إن ما ينبغي أن يتركه العيد بما فيه من طقوس وشعائر وسنن هو ذلك الرصيد من التقوى ومراقبة الله وخشيته والرغبة في جزائه وثوابه فهذا الرصيد هو الذي يتزود منه المسلم إلى عيد قادم في رحلة الحياة المليئة بالفتن والمغريات والمشاغل والملاهي والتكالب على حطام الحياة الدنيا الزائل الفاني وهذا التكاثر في المال والبنين. إن فرحة العيد لا ينبغي أن تنسينا أنها فرحة جزئية بسيطة غير دائمة فرحة أكل وشرب ولباس وزينة أما الفرحة الحقيقية الباقية الدائمة فهي فرحة الفوز يوم الوعيد والحساب الشديد فالفائز يومئذ هو من سيفرح فرحة لا انقضاء لها ولا انتهاء. فالكيس الفطن من تزود من العيد بما يفيد من العمل السديد وأنها لمن العادات الحسنة والسنن الحميدة تلك التي درج عليها سكان بعض المدن مثل العاصمة حيث يجعلون من الجمعة الموالية للعيد مناسبة لزيارة الأهل من سكان القبور ممن رحلوا عن هذه الحياة الدنيا وأفضوا إلى ربهم وذلك للترحم عليهم والدعاء لله لهم والتصدق عليهم والاعتبار بمصيرهم (وإن إلى ربك الرجعى). وهذه الزيارات للمقابر والتي أذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (كنت نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها) وهذه الزيارات إذا كانت في أدب وفي الإطار الشرعي بعيدا عن كل لهو وفتنة وكل ما يغضب الله من فعل وقول هذه الزيارات وفق هذه الشروط لا تأتي إلا بخير": دعاء لذلك الميت بالرحمة والرضوان وهو في أمس الحاجة إليه (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى) واعتبار من الزائر بذلك المصير الذي لا مفر منه (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وبذلك يكون المسلم قد قام بما يجب في أيام العيد نحو ذوي أرحامه ممن هم على قيد الحياة وقام بما يجب نحو ذوي أرحامه وخصوصا أبويه بعد رحيلهما عن هذا العالم وذلك بالترحم عليهما وزيارة قبريهما والصدقة عليهما والدعاء لهما وهكذا تتصل الحلقات وتتكامل الأعمال فترفع درجات القائم بها وتمحى عنه سيآته بإذن الله تبارك وتعالى.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.