بمناسبة اختتام الموسم الشاذلي (الخميس 28 أوت2014) الشاذلية وأهل تونس في كنف الله ببركة ما يدور في المقام والمغارة
هكذا مرت الأسابيع سراعا تتالى ففي يوم الخميس 29 ماي 2014 افتتح الموسم السنوي الصيفي لزيارة المقام الشاذلي وفي يوم الخميس 28 أوت 2014 يختتم هذا الموسم الروحي المشهود الذي يحتضنه جبل النور في أعلى مقبرة أهل تونس، مقبرة الزلاج التي يرقد في تربتها الطاهرة الزكية العلماء الأعلام والصلحاء الكبار والشهداء الأبرار منذ مئات السنين إلى جانب عامة المسلمين من كل الفئات والجهات والأصقاع (ولا تدري نفس بأي أرض تموت). *يأنس أهل الزلاج عليهم من الله الرحمات مثلما يأنس إخوانهم ممن لا يزالون على قيد الحياة بما يدور في المقام الشاذلي على مدار العام من عمل ديني جماعي يرى فيه البعض ممن لم ينظروا إليه بعمق وتجرد وموضوعية بأنه من المستحدث المردود في حين أنه ولاستمراره ودوامه هو عمل خالص لله لا تشوبه شائبة (وما كان لله دام واتصل) فقد توالت العقود من السنين وهذا العمل في اتصال وامتداد تتوارث الأجيال شهوده وحضوره لما يجدون فيه من إشراقات وأنوار تغشاهم ويحسون بها ويعيشونها (ومن رزق من باب لزمه) ومن لم يذق لم يعرف. *والأماكن والأزمان تتفاضل بما يدور فيها وخلالها، وما يجري في المقام الشاذلي شرعي بكل المقاييس وما على الذي ينكر إلا أن يشهده ثم يحكم بعد ذلك، وما يجري في المقام الشاذلي شهد على سلامته وشرعيته علماء تونس الأعلام من كبار شيوخ الزيتونة فقد كانوا روادا للمقام وحريصين على أن لا يغيبوا عن شهود هذا الموسم الديني فيحضرون افتتاحه واختتامه ويحرصون على أن لا يحرموا من نيل البركات واستجابة الدعوات والتعرض للنفحات الربانية التي يتجلى فيها الله على عباده المجتمعين على تلاوة كتابه والرافعين أيديهم بالدعاء والضراعة بأبلغ ما ألهمه الإمام الشاذلي في أحزابه وتوجهاته وتوسلاته وهو في هذا المجال فارس الفرسان باعتراف أهل الذكر من خاصة الخاصة الذين لم يملكوا إلا أن يتمثلوا بما صاغه أبو الحسن الشاذلي وتلميذه أبو العباس المرسي وترجمان طريق القوم ابن عطاء الله السكندري عليهم رضوان الله من أدعية رقيقة دقيقة عميقة بليغة تضمنتها أحزاب: البحر والبر والتوسل واللطف والحمد والنصر وغيرها كثير مما تميز به الشاذلية ونهل من معينه العذب كل السالكين لطريق الله. *العمل الشاذلي الذي تدور فعالياته في المقام والذي يختتم موسمه الصيفي يوم الخميس بعد صلاة العشاء والتي تمتد إلى منتصف الليل الأخير يبدأ بأداء ما فرض الله على عباده، أداء صلاة العشاء جماعة بإمامة شيخ القراء محمد الكرماوي حفظه الله والذي ورث هذه الخطة الشريفة عن شيوخ حفاظ مهرة بالقرآن نذكر منهم الشيخ المبروك والشيخ بلحاج والشيخ المهيري عليهم رحمة الله. *وليلة اختتام الموسم هي ليلة الختم للقرآن الكريم الذي يقع بعد سلكة تمتد لعدة أسابيع ولحظات الاختتام للقرآن الكريم من أعظم اللحظات ومن أكثرها تجليات ورحمات كيف لا والأصوات ترتفع بالقرآن يرتل ترتيلا وهو أفضل ما يتقرب به إلى الله بعد الفريضة، والعلماء مجمعون على ذلك والمشغولون بالقرآن أي بأفضل ذكر الله موعودون بان يجازيهم ربهم بأفضل ما يجازي به عباده الصالحين (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلون) وماذا بعد ختم القرآن إلا الدعاء والضراعة إلى الله (والدعاء مخ العبادة) وهو العبادة بعينها والداعي موعود بالإجابة (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) *والأدعية التي تلي ختم القرآن الكريم ممزوجة بأشرف وأعظم ما يدعى به الله، وأحب ما يدعى به، إنها ممزوجة بأسماء الله الحسنى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها). *ودعاء الختم للقرآن الكريم الجاري به العمل في المقام الشاذلي ينسب إلى الإمام محمد بن عرفة رحمه الله واجزل مثوبته وهو مدفون على بعد أمتار من المغارة الشاذلية التي كان يكثر من التردد عليها والاعتكاف فيها ويرجع الفضل إلى بركاتها في فك عوائص وغوامض المسائل العلمية الأصولية والفقهية والمنطقية، وهو العلامة الحافظ الذي ارتضاه أهل تونس وعلماؤها الأعلام إماما لجامعهم الأعظم، جامع الزيتونة المعمور كعبة الشمال الافريقي لمئات السنين. *وتعقب الختم حلقة الحزب التي يقود فعالياتها شيخ المقام سيدي حسن بن حسن حفظه الله يساعده ويلتف حوله في ترتيب وانتظام محكم الحزابة برئاسة الشيخ الطيب بن عثمان حفظه الله. *أحزاب عظيمة رفيعة جميلة بكل المقاييس بما في ذلك المقاييس اللغوية البلاغية فضلا عن المضامين الروحية التي هي بحق فتوحات ربانية أجراها الله على لسان سيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله وأجزل مثوبته والذي شرف هذه الربوع التونسية التي هي قلب الشمال الافريقي فمن المغرب الأقصى انطلق والى مصر انتهى (من الاسكندرية إلى القاهرة إلى صحراء عيذاب في حميترا حيث يرقد جثمانه الشريف وقد وافته المنية هناك وهو في طريقه إلى الحج الذي واضب على أدائه) *وفي تونس وبأمر من شيخه المولى عبد السلام بن مشيش رحمه الله ساكن جبل العلم بشمال المغرب استقر به المقام لسنوات طويلة: معلما ومربيا وموجها ومرشدا وداعيا إلى الله على بصيرة، فكان مقامه في تونس خير مقام خير وبركة ورحمة ورضوان من الله، اجتمع عليه المحبون المريدون وتربوا على يديه وهو لئن رحل عنهم إلى مصر إلا أنه ظل يتعهدهم روحيا وقلبيا وقد ترك في تونس أصحابا وأحبابا عمروا الجبل : المغارة والمقام واتصل سندهم الروحي العلمي جيلا بعد جيل إلى يوم الناس هذا والى أن يرث الله ومن عليها. *إن المغارة والمقام الشاذلي بما يدور فيهما على مدار السنة وبما يجري في المقام كل عام خلال فصل الصيف في ترتيب وتنظيم وإحكام يحفظه وينفذه فقرة فقرة سدنة وهبوا أنفسهم لخدمة المغارة والمقام مرابطين على مر السنين والأيام ومتشرفين معتزين بذلك لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا يستقبلون بترحاب كبير كل الزوار من كل الفئات القادمين من كل الجهات ومن خارج البلاد (فرنسا ايطاليا اسبانيا ألمانيا بلجيكا ومن البلدان المغاربيةوالعربية) ينسق بينهم ويرتب حركاتهم وسائر تصرفاتهم الشيخ فتحي دغفوس حفظه الله وقواه وأعانه على ما أولاه هو وإخوانه. *يختتم موسم الزيارة السنوي للمقام الشاذلي في حضور كبير يتسم بالتلقائية والتجرد بأخلص الدعوات والتمنيات بأن يديم الله تبارك وتعالى النعمة على الحاضرين وعلى من حولهم من اهليهم وإخوانهم المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها لا سيما أبناء هذه الربوع التونسية التي لا تزال بفضل الله محفوفة بالأطاف الربانية ببركة ما يتلى في المقام والمغارة من القرآن الكريم وما ترتفع به الحناجر من أدعية تضمنتها الأحزاب الشاذلية والتوجهات والاستغاثات في المسبعات كل يوم سبت على إثر صلاة الصبح وفي حزب الليل كل يوم جمعة ما بين المغرب والعشاء وفي أختام الشفا والمواسم (المولد الإسراء النصف من شعبان وصلاة التراويح في رمضان) دعوات وتوجهات منها قولهم (نحن في كنف الله نحن في كنف رسول الله نحن في كنف القرآن الكريم نحن في كنف بسم الله الرحمان الرحيم نحن في كنف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ومن كان في كنف هذه الأكناف فهو بإذن الله في حصن حصين .