من فتاوى الشيخ محمد الحبيب النفطي
السؤال :
يقول السائل الكريم أ.م.ب:
انا شاب ابلغ من العمر 23 سنة طالب احببت فتاة في حدود ما يبيحه الدين الاسلامي فلم امسسها باي شيء وهي تبادلني نفس الشعور بالحب، ان الله تعالى يقول في كتابه العزيز (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم اولئك يدعون الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة باذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) الاية 221 من سورة البقرة على اني قد كنت عاقدا العزم على التقدم لخطبتها الا ان هذه الاية الكريمة قد غيرت لدي كل شيء خاصة اني اصبحت اعتبر الفتاة التي اردت التقدم لخطبتها في عداد المشركين- تبعا لقوله صلى الله عليه وسلم (بين العبد والكفر ترك الصلاة) وقد حاولت دعوتها الى القيام بالصلاة الا انها رفضت ذلك فلهذا اكتب اليك سيدي الشيخ لترشدني الى ما يمكن عمله في هذا الموضوع .
ارجو ان تتفضل باجابتي في اقرب وقت ممكن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.م.ب تونس
الجواب :
اعلم ايها السائل الكريم ان الاقدام على تفسير القرآن الكريم بالراي من غير تلق عن شيخ متخصص في علوم القرآن الكريم التي على راسها التفسير يعد ذنبا عظيما وجراءة على الله تعالى في كتابه لا تغتفر الا بالتوبة النصوح والا فكيف لك ان تفسر الاية الكريمة وهي قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة) الآية 221 من سورة البقرة بان تارك الصلاة الذي كان غير جاحد لوجوبها هو مشرك بالله، مع ان المشرك هو الذي يتخذ مع الله آلهة آخرين في عبادته ودعائه كالاصنام والاوثان وغيرها من كل ما يعبد ويدعى مع الله من سائر المخلوقات والآية الكريمة التي فهمتها على غير ما يراد من فهمها هي قد نزلت في حق الحرائر من النساء المشركات اللاتي يعبدن الاوثان والاصنام وكان ذلك في صدر الاسلام.
فلم تنزل الاية الكريمة في تحريم الزواج بتاركة ركن من اركان الاسلام كالصلاة مثلا من غير انكار أو جحود لوجوبها بل كان ذلك الترك كسلا وبعض تهاون في القيام بها لا بالاعتقاد في عدم وجوبها ويرجى من الله توبتها انه هو التواب الرحيم. كيف وقد اباح لنا ديننا الاسلامي الزواج بالنساء الكتابيات من يهوديات ونصرانيات وهن لا يصدقن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام على انها عامة لكل الناس بما فيهم اليهود والنصارى وهن لا يصلين صلاة المسلمين ولا يصمن صيامهم.
قال تعالى( اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب اي اليهود والنصارى حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم اذا اتيتموهن اجورهن اي مهورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخذان- اي خليلات) الآية5 من سورة المائدة والمعروف لدى العلماء ان سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن الكريم خصوصا فيما يتعلق بالاحكام الشرعية: وعليه فالمراد من تحريم الزواج بالمشركة في سورة البقرة المذكورة آنفا هي المشركة عابدة الاوثان والاصنام لا تاركة الصلاة كما تزعم ايها السائل والحديث الذي اوردته وهو قوله عليه الصلاة والسلام (بين العبد والكفر ترك الصلاة) هو جار مجرى الترهيب والتحذير من ترك الصلاة – على حد قوله عليه السلام (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم) واحاديث الترهيب والتحذير من ترك الواجب وارتكاب المحرم كثيرة جدا ولم يقل احد من ائمة المذاهب الاربعة ايمة اهل السنة والجماعة ان تارك الصلاة مشرك وكافر اذا كان تركها كسلا لا انكارا لوجوبها فكيف نكفر تارك الصلاة وهو يقول بلسانه ويعتقد بجنانه وقلبه ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.
فاتق الله ايها السائل الكريم (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الاية36 من سورة الاسراء ولهذا قال الإمام البساطي رحمه الله وهو من علماء المالكية في حكم اخذ العلم من بطون الكتب من غير تلق عن طريق اهل الاختصاص في اي علم (من اخذ الفقه من بطون الكتب غير الاحكام ومن اخذ النحو لحن في الكلام ومن اخذ التصوف من بطون الكتب مزق الاسلام ومن اخذ الطب من بطون الكتب قتل الانام) اذ كل علم يسال عنه اربابه كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام (من قال في القرآن برايه أو بما لا يعلم فليتبوا مقعده في النار) اخرجه الترمذي والنسائي وهذا يؤسفني كل الاسف فهذه الظاهرة السيئة التي تفشت منذ زمان وهي ان كثيرا من الناس وخاصة الشباب وهي انهم يفتحون المصحف الشريف وياخذون في قراءة القرآن الكريم ثم ياخذون في استنباط الاحكام بمحض الراي من غير تسلح وتزود بعلوم القرآن من لغة واسباب نزول وناسخ ومنسوخ ومطلق ومقيد من الفاظ القرآن الكريم وعام وخاص وظاهر ونص ومحتمل ومنطوق ومفهوم وما الى ذلك حتى اصبح يصدق على قراءتهم القرآن الكريم وتفسيرهم لاياته من غير تلق عن اهل الاختصاص في علومه اصبح يصدق عليهم قول الشاعر: لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس على اني حين اقول هذا القول لا اقصد ان قراءة القران الكريم يجب ان تكون حكرا على اهل الاختصاص في علومه بل اقصد منهم ان يقرؤوا القرآن تعبدا لا تفقها واخذا لأحكامه بمحض الراي من غير امتثال لامر الله تعالى الذي يقول في كتابه الكريم (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) الاية7 من سورة الانبياء عليهم السلام. واخيرا ايها السائل الكريم فانه يجوز لك ان تتقدم لخطبة هذه الفتاة التي احببتها والتي هي تبادلك نفس الحب فهي ليست مشركة كما تزعم بل هي مؤمنة موحدة تنطق بالشهادتين وتصدق بمدلولها (ولا تزر وازرة وزر اخرى) (كل نفس بما كسبت رهينة) وعلماؤنا المحققون قالوا قديما: ان تارك الصلاة غير جاحد لوجوبها هو مؤمن عاص وباب التوبة امامه مفتوح ولعل الله سبحانه وتعالى اذا تزوجت بها ان يهديها الى القيام بالصلاة قال صلى الله عليه وسلم (لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) والله الموفق