في رياض السنة : من خصال المؤمن المحققة لمرضاة الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للمؤمن على المؤمن ستّ خصال: يعوده إذا مرض ويشهده إذا مات ويجيبه إذا دعاه ويسلم عليه إذا لقيه ويشمته إذا عطس وينصح له إذا غاب أو شهد) رواه الترمذي والنسائي الأحاديث النبوية التي تتطرق إلى ما ينبغي على المسلم نحو أخيه المسلم كثيرة لا يحصى لها عد ولا يمكن الإتيان عليها وفي كل حديث منها إضافة وتسليط ضوء على جانب أو جوانب من العلاقات بين المسلمين. وهذا الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعرض بعض ما على المسلم نحو أخيه من حقوق ينبغي عليه أن يؤديها نحوه ابتغاء لمرضاة الله والتي جعلها لا تتحقق إلا إذا ما أدى المسلم هذه الواجبات وهي تدخل كلها في ما اصطلح على تسميته بالمعاملة، هذه المعاملة التي ينبغي أن تكون حسنة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولا يحب الإنسان لنفسه إلا ما فيه الخير أما الشرّ والضرر فانه لا يرضاه لنفسه ويجتنبه بكل الوسائل فكذلك ينبغي على المسلم أن يكون مع أخيه المسلم. وهو لا يكون مسلما إلا إذا سلم الناس -كل الناس- من لسانه ويده. وإذا كانت عديد الأحاديث النبوية من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بينت للمسلم ما يحرم عليه وما لا يجوز له فعله وإتيانه وهذا الجانب من المعاملة مهم جدا وينبغي أن تكون به البداية لا يتم بنيان من يهدم فلا بد من الانتهاء عن فعل الشر وإتيانه عملا بالحديث الشريف (ما نهيتكم عنه فانتهوا عنه جميعا). بذلك ينبغي أن تكون البداية، أي الانتهاء عن فعل الشر بكل أنواعه وأشكاله ثم يأتي المؤمن بعد ذلك إتيان ما في الإمكان من الخير (أمرتكم بأشياء فاتوا منها ما استطعتم) وما في المستطاع كثير جدا عندما يوفق الله عبده إلى الخير ومن أجلى مظاهر هذا الخير السهل والذي هو في المتناول: حفظ اللسان الذي هو من العمل الذي يحاسب عليه المرء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن استهان بما ينطق به اللسان (ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلى حصائد ألسنتهم؟) فالكلمة عمل (ومن عد كلامه من عمله قل كلامه) فإذا أضاف المسلم إلى السريرة التي تكون حبا والكلمة تكون طيبة غير مؤذية ثم يتقدم في هذا المجال خطوات أخرى عملية في علاقته بأخيه المسلم فبخ على بخ وخير على خير، واجر وثواب عظيمين من عند الله الغني الذي يعد ذلك من صميم العمل الصالح المقرب إليه والمحقق لمرضاته سبحانه وتعالى إذ هو الغني عن عباده لا تنفعه طاعاتهم ولا تضره معاصيهم، إنما هي أعمالهم يحصيها لهم، ومن أعمالهم ما يأتونه من تصرفات مما يدخل في مجال المعاملات و(الدين المعاملة) فعندما تكون هذه المعاملة حسنة فتلك هي علامة التدين الصحيح والصادق. ولأن المسلمين شبههم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد والبنيان المرصوص فإن من حق المؤمن على المؤمن أن يعوده إذا مرض، وعيادة المرضى من أعظم القربات لما فيها من المواساة والتسلية والوقوف إلى جانب المريض المصاب المبتلى تخفيفا عليه وقد جاء في الحديث القدسي (يا ابن آدم مرضت ولم تعدني فيقول العبد كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول الله: أما علمت أن عبدي فلان مرض أما إنّك لو عدته لوجدتني عنده) أي وجدت رضاي ورحمتي عند ذلك المريض. * ومن حق المؤمن على المؤمن أن يشهد جنازة أخيه إذا مات ويشيعه إلى مثواه الأخير ويصلي عليه ويدعو له بالرحمة والغفران فهو في أمس الحاجة إلى ذلك. وفي عيادة المريض وتشييع جنازة الميت فوائد جمة ومنافع كثيرة تعود على القائم بهذين العملين من أعمال البرّ، إذ فيهما موعظة ويمكن أن يحصل منهما القائم بهما اعتبار يدفع إلى اجتناب الشرّ والتذكر بعد الغفلة والاندفاع في فعل الخيرات المحققة لمرضاة الله. ومن حق المؤمن على المؤمن أن يجيبه إذا دعاه، ولا يخفى ما في ذلك من تطييب للخواطر وتقوية للأواصر وما ينتج عن ذلك من تحابب. ومهما كان تواضع هذه الدعوة ومهما كانت بساطتها فإن الاستجابة لها عن طيب خاطر وبمجاملة وملاطفة صادقة دليل على الصدق والتواضع وفي ذلك مرضاة الله تبارك وتعالى. * (ومن حق المؤمن على المؤمن إن يبادر بالسلام عليه إذا لقيه) ولا يخفى ما في كلمة السلام من أثر كبير في تقوية أواصر المحبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم) والسلام اسم من أسماء الله (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا بالسلام وأدخلنا الجنة دار السلام). * (ومن حق المؤمن على المؤمن أن يشمته إلى عطس) ولا يخفى ما في ذلك من تذكير للعاطس برحمة الله له فقد رحمه الله بهذا العطاس فالله هو اللطيف الرحيم بعباده ومن لطفه ورحمته تيسيره على عبده للعطاس ولولاه لهلك. * (ومن حق المؤمن على المؤمن أن ينصحه في حال حضوره وفي حال غيابه) إذ الدين النصيحة فمن غشّ فليس منّا والنصح علامة الحب الصادق الخالص المحقق لمرضاة الله.