دور المؤسسات الاهلية (الزوايا والطرق والمكتبات والافراد) في خدمة الاسلام في افريقيا(2)
اذا كانت المؤسسات العلمية الدينية العتيقة والحديثة (الزيتونة والقرويين والازهر وجامعة الامير عبد القادر وكلية الدعوة وفروعها) قد قامت بجهود تذكر فتشكر بما تخرج منها بالمئات والىلاف من طلبة العلم الافارقة حيث نشروا في ربوع افريقيا الممتدة: شرقا وغربا وشمالا وجنوبا العلوم الشرعية واللغة العربية التي حصنت المجتمعات الافريقية فنشات اجيالها على العقيدة الصحيحة: عقيدة اهل السنة والجماعة متلازمة غير منفكة عن مذهب الإمام مالك امام دار الهجرة وبما اثراه به علماء الغرب الاسلامي الاعلام الممتد سندهم من علي بن زياد إلى اسد بن الفرات والإمام سحنون وابن ابي زيد القيرواني إلى ابن عرفة وعلماء المغربين الاوسط والاقصى وبلاد الاندلس وصولا إلى ابن عاشور وابن باديس والكتاني والفاسي رحمهم الله. * اذا قامت تلك المؤسسات بهذا الدور أحسن قيام واتمه فان مؤسسات اخرى اهلية غير رسمية كان لها قسطا كبيرا في آداء هذا الدور ألا وهي الزوايا والطرق الصوفية التي هي احدى ابداعات الحضارة العربية الإسلامية المميزة لها والتي تبين بجلاء ووضوح ما للاخلاص وابتغاء وجه الله في الاعمال والمبادرات من اثر كبير في خدمة الاسلام والمسلمسن. * لقد شهد المنصفون من المؤرخين والدارسين للطرق الصوفية والزوايا الواسعة الانتشار الكثيرة العدد في مدن وقرى الشمال الافريقي شهدوا لها بانها هي من نشرت الاسلام واللغة العربية بواسطة شيوخها وتلاميذها واتباعها من الرحالة والتجار في مجاهل افريقيا اذ لم يصل الفتح الاسلامي إلى تلك الربوع ولكن الاسلام والعربية وصلا بكل يسر وسرعة وبكل سماحة ورفق وبك اعتدال وحكمة وبكل حب واخوة. * لقد ظل والى اليوم رجال الزوايا والطرق الصوفية رسل سلام ووئام يجمعون ولا يفرقون ويتعايشون مع سواهم لم نسمع انهم كانوا السبب في فتنة أو فرقة ونزاع فضلا عن القتل وسفك الدماء مما تتواتر اخباره في هذه الايام ويصدر عن فئات اخرى لم تترب ولم تنشأ وفق منهج الجامعات الشرعية ومؤسسة الزوايا والطرق الصوفية التي تعايشت وتكاملت فيما بينها فظلت كل واحدة منها مرابطة على ثغور الاسلام: القادرية والشاذلية والعيساوية والتيجانية والعلوية والمريدية وغيرها... * إن الاسلام في افريقيا متلازم لا ينفك عن الطرق الصوفية، وهي خصوصية لا يمكن تجاهلها في كل اصلاح وتجديد وبناء وتشييد لا يمكن إن يكون إلا باعتبار هذا التلازم والاستفادة منه. * دور ريادي لمكتبة المنار التونسية: وعاضدت الحضور الاسلامي في افريقيا مبادرات وجهود فردية لا يمكن ذكر اسماء اصحابها كلهم لان عددهم كبير وعملهم في الاغلب يبتعد عن الدعاية والظهور تمحيصا وحرصا على تحصيل الاجر والثواب من الله الذي لا تخفى عليه خافية والذي لا يقبل من الاعمال إلا اخلصها. من هؤلاء السيد الفاضل التجاني المحمدي رحمه الله واجزل مثوبته صاحب مكتبة المنار التونسية والتي لا تزال اسرته جازاها الله خيرا تواصل القيام عليها فهذه المكتبة (وهي مكتبة تجارية) تكاد تختص في طباعة المصحف الشريف برواية وَرْش في ورق اصفر ومكتوب بخط واضح في سفر واحد أو مجزأ وكذلك رسالة ابن ابي زيد ومتن ابن عاشر بشروح مختصرة وميسرة وبعض الكتيبات الصغيرة للتعليم من تاليف بعض شيوخ المدارس العربية في البلدان الافريقية وظل الافارقة يحرصون على اقتناء منشورات ومطبوعات مكتبة المنار التونسية وينفقون الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليها ولم تصرفهم عنها الطبعات الفاخرة الآتية اليهم والموزعة عليهم من مختلف البلاد العربية الإسلامية الاخرى. ولم ينس الافارقة للتيجاني المحمدي ولمكتبته المنار ولتونس هذه المنة حتى انهم عندما بلغهم خبر وفاته قبل سنوات حزنوا عليه الحزن الشديد وعقدوا في المساجد والزوايا مجالس للترحم عليه والدعاء له. ولشيوخ الزيتونة مثل فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله فضل كبير على افريقيا فتحقيقاته للهمزية والبردة وشرحه لكلماتهما وكلمات جزء عم وقد نالت رواجا كبيرا ووزعت منها عشرات الآلاف من النسخ وانتفع بها خلق كثير من الافارقة.