من وحي المشاركة في دورة لتدريب المعلمين والأئمة بجمهورية مالي باماكو في سنة 1986 الدعوة الإسلامية في إفريقيا الغربية: واقعها ومقترحات في ت
بدعوة كريمة من معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة شاركت مع ثلة من الأساتذة في دورة تدريبية لإعداد الأئمة والدعاة بمدينة باماكو عاصمة جمهورية مالي. وكانت أيام الدورة مليئة بالنشاط والحركة والدعوة إلى الله في معهد الملك خالد ابن عبد العزيز الذي أسسه ويشرف عليه المحسن الحاج بابا سيسي وهو رجل ذو خلق إسلامي وكرم وفضل بحيث سخر كل جهوده من اجل إنجاح هذه الدورة مستعملا كل ما أتاه الله من مال وجاه ووجاهة وصلة وثيقة برجال الدولة في جمهورية مالي. فلقد وفر للمشاركين من أبناء مالي القادمين من مختلف الجهات: الإقامة والتغذية والرعاية الصحية وذلك في المباني الملحقة بالمعهد المتكون من عدة وحدات سكنية للطلاب والأساتذة وقاعات الدرس المتعددة والمجهزة تجهيزا عصريا وورش للتدريب المهني والتكوين الفني. وهذا المعهد العتيد الذي احتضن هذه الدورة جدير بالاستغلال الأوسع خدمة لأبناء مالي وما جاورها من البلدان الإفريقية. ووجدت رابطة العالم الإسلامي وهي الجهة التي تنفق على مثل هذه الدورات كل المساعدة من طرف هذا المحسن الفاضل الحاج بابا سيسي مما حقق لهذه الدورة النجاح. بدأت الدروس التي تقاسم إلقاءها على الطلاب أساتذة انتدبتهم الرابطة هم أصحاب الفضيلة الشيخ حسن أيوب والأستاذ عمر فلاته ومحمد صلاح الدين المستاوي بالإضافة إلى الإطار المشرف على الدورة المتكون من الدكتور حسن باحفظ الله مدير الدورة والأستاذ سمير راضي والأستاذ عادل باترجي والأستاذ عبد الوهاب دوكري مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي بدكار السنغال. كما شارك في الدروس الملقاة على المشاركين مبعوثو دار الإفتاء ومبعوثو رابطة العالم الإسلامي إلى جمهورية مالي. كانت الدروس صباحية في مختلف جوانب الثقافة الإسلامية من عقائد وتفسير وحديث وفقه وسيرة وتيارات معاصرة. وقسم المشاركون الذين تجاوز عددهم المائة وخمسين إلى ثلاثة أفواج يتداول عليهم الأساتذة كل في اختصاصه بحيث يكون مجموع الحصص الصباحية لكل فوج ثلاث حصص في مواد مختلفة كل حصة في ساعة زمنية. وخصص المساء للمحاضرات العامة بحيث يلقي كل يوم احد الأساتذة محاضرة عامة اثر صلاة العصر في المسجد الملحق بالمعهد ويحضرها الطلاب في المعهد والمشاركون في الدورة وجمهور عريض من سكان مدينة باماكو. وتكون هذه المحاضرات العامة مشفوعة بالمناقشة والحوار الهادف والبناء. ولم يقتصر عمل الأساتذة في الدورة التدريبية على إلقاء دروس عامة ومحاضرات وخطب جمعية وكلمات توجيهية في المساجد والمعاهد والجمعيات في مدينة باماكو وما حولها من الضواحي والأحياء بل تجاوز نشاطهم إلى بعض المدن مثل مدينة بارولي الريفية التي يشرف فيها الشيخ محمد مصطفى على إنشاء معهد عتيد سيكون بإذن الله إذا تم بناؤه وتجهيزه قلعة من قلاع الإسلام في قلب القارة الإفريقية إذ انه مشيد في قرية فلاحية وسط المزارع الخضراء فيه القاعات الواسعة والورشات والمكتبة والمستوصف والمبيت وقاعات المحاضرات والمسجد وسكن الأساتذة ودار الضيافة وهو خارج مدينة بارولي التي زرناها واستضافنا في بيته الشيخ مصطفى بعد أن صلينا الجمعة في مسجد المدينة الذي هو في طور البناء واستمعنا إلى خطبة الجمعة باللهجة المحلية ثم طلب منا أن نلقي كلمات في الحاضرين فتكلم الأخ الدكتور عمر فلاته وتكلمت أنا ودعا الأخ الأستاذ سمير راضي بما فتح الله به علينا وكان احد أبناء بارولي يتولى الترجمة للحاضرين الذين اكتظ بهم المسجد الجامع وكان التأثر باديا على وجوه الجميع والترحيب والفرحة غير خافية ظهر ذلك في حرصهم على مصافحتنا والسلام علينا على مختلف أعمارهم وتشييعهم لنا إلى منزل الشيخ مصطفى حيث قضينا نصيبا من الراحة ثم قفلنا راجعين إلى باماكو. وفي باماكو قمنا على هامش الدورة بإلقاء خطب جمعة ودروس كان التجاوب معها كبيرا وابلغنا أن هنالك من الوثنيين من أعلن إسلامه. فجمهورية مالي وما جاورها من الدول هي ذات أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية تنصرت من جراء الجهود التي تبذلها البعثات التنصيرية العديدة التي تزاول نشاطها هناك وتستعمل كل أساليب الإغراء مستغلة الظروف الصحية والمادية والاجتماعية المتردية. كما يوجد في مالي عدد لا يستهان به من الوثنيين خصوصا في القسم الغربي والجنوبي وهؤلاء لم توجه لهم دعوة الإسلام وإلا فان الكثير أو اغلبهم على استعداد للدخول فيه لأنه اقرب إلى طبائعهم وفطرتهم وقد حكى لنا بعض الدعاة يسر وتلقائية هؤلاء في الدخول إلى الإسلام كلما عرض عليهم. ولئن لم تقع التغطية الإعلامية الكافية والمتابعة لكل مراحل الدورة من طرف الإذاعة والتلفزيون باستثناء جلستي الافتتاح والاختتام فان الحاج بابا سيسي تولى بواسطة جهاز الفيديو تسجيل اغلب المحاضرات العامة. أما الصحافة المكتوبة فإنها تكاد تكون غير موجودة في مالي باستثناء جريدة تصدر مرتين في الأسبوع في أوراق قليلة وإخراج متواضع وباللغة الفرنسية. فإذا عدنا للحديث عن المشاركين في الدورة من أبناء مالي وهم الذين عقدت من اجلهم هذه الدورة فأغلبهم من الأئمة والمرشدين والوعاظ والأساتذة من مختلف أقاليم مالي الواسعة الأرجاء ذات الحدود الممتدة بآلاف الأميال فمالي تحدها الجزائر وموريتانيا والسنغال والنيجر وساحل العاج وبوركينافاسو وغينيا. إنها واسعة الأرجاء ممتدة امتدادا واسعا. ومن مدنها التاريخية العلمية تمبكتو وهي مدينة علمية عظيمة تخرج من معاهدها علماء أعلام. * إن مستويات المشاركين متفاوتة وكثير منهم من له تحصيل في العلوم الشرعية لا باس به فتجده يحفظ القرآن الكريم ومجموعة من الأحاديث بالإضافة إلى متون في العقائد والفقه والفرائض والنحو والصرف فكانت هذه الدورة بالنسبة إليهم مجرد تأطير وتجديد في أساليب الدعوة والتوجيه. فاغلب هؤلاء الأئمة ممن تكونوا على الطريقة القديمة ذات المحاسن الكثيرة لكن إطلاعهم على ما يدور في الساحة من أفكار وآراء وفلسفات محدود جدا. والبعض منهم يرى أن لا ضرورة للتعرف على مثل هذه الآراء المخالفة للإسلام!! ولكننا أقنعناهم بأن معرفة هذه الشرور المتربصة بشباب الأمة أصبح ضرورية بالنسبة لدعاة الإسلام وذلك من اجل تحصين الأمة من سموم هذه الأفكار، وان ذلك هو من باب معرفة الشر لتلافي الوقوع فيه وتبين أوجه القصور والانحراف والفساد فيه وان ذلك أيضا مما يزيد شباب الأمة ومثقفيها اعتزازا وتمسكا بمبادئ الإسلام التي لا يمكن أن يرقى إلى مستواها أي مذهب من المذاهب والنظريات. * وفي هذا الإطار ركزت الدروس التي ألقيتها على محور رئيسي أسميته الإسلام والتيارات المعاصرة قدمت له بمقدمة عامة حول العقيدة الإسلامية وطرق تركيزها في النفوس مبينا أن الله تبارك وتعالى وهب الإنسان عقلا دعاه في عديد الآيات إلى استعماله في ما يحقق له المصلحة العاجلة والآجلة ونبهت طلاب الدورة إلى أن العقل إذا نظر في الموجودات انطلاقا من نفسه التي بين جنبيه وفي الآفاق المحيطة به فسيتوصل إلى أن الصدفة مستحيلة وان وراء هذا الوجود الدقيق المحكم الرائع موجد عظيم هو الله سبحانه وتعالى. وقدمت لهم بعض الأدلة المنطقية التي تنفي استحالة الرجحان بدون مرجح واستحالة الدور واستحالة التسلسل اللانهائي. * ثم تجولت بهم بإيجاز غير مخل في ما في القرآن الكريم من جوانب إعجاز وتوقفت عند جانب الإعجاز العلمي الذي يناسب العصر الذي نحن فيه وأكدت على حقيقة وهي أن القرآن الكريم هو كتاب هداية قبل كل شيء ولا يمكن أن ينقلب إلى كتاب علوم فيزيائية أو طبية أو زراعية أو فلكية ولكنه مع ذلك وردت فيه إشارات علمية يستحيل أن يناقضها العلم الحديث وهي الدليل القاطع والبرهان الصادق على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وان القرآن الكريم هو كلام الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكان لنا مع الطلاب وقفات لنقدم فيها شهادات كبار أساطين العلم الحديث الذين بهرهم إعجاز القرآن الكريم. ثم تطرقت إلى بعض الدعوات والنظريات المعاصرة والتي تعزو شباب المسلمين وتفتكهم من أمتهم من مثل نظرية التفسير المادي للسلوك البشري ونظرية النشوء والارتقاء ونظرية التحليل النفسي ونظرية الوجودية وكذلك العلمانية والمادية ولئن لم يسعفني الوقت لإتمام كل هذه المحاور غير أنني مكنت طلاب الدورة من نصوص المحاضرات والدروس ليستفيدوا منها. * وخلال المحاضرات العامة زدت هذه الدروس تعميقا وقدمت للحاضرين مزيدا من التوضيحات والإحصائيات التي تلقفوها وقد نبهت الكثير منهم إلى إن دعوة الإسلام مفروض فيها اليوم أن تواكب العصر وتتنبه إلى مصايد الشيطان لدى المسلمين وبالخصوص الشباب منهم والمثقفين ولأجل ذلك ينبغي أن نسعى بها إلى الناس حيثما كانوا: في معاهدهم وكلياتهم ومصانعهم ونواديهم وحيثما كانوا ولا ننتظر أن يأتونا إلى المساجد ذلك أن الذين يراودون المساجد والمعاهد الدينية هم في اغلبهم في حصانة من مثل هذه الدعوات الهدامة. وتبيين مواقف الإسلام منها هو مما يزيدهم تمسكا بإسلامهم. ولكن ماذا عسى أن يمثل هؤلاء (رواد المساجد وتلاميذ المعاهد الدينية) بالنسبة لبقية فئات الأمة؟ أن نسبتهم ضئيلة. كما نبهت إلى أخطار الإستشراق وخبث أساليبه في اقتناص أبناء المسلمين وتشكيكه في دينهم وعرضت لهم نماذج من كتابات هؤلاء الحاقدين وذكرت لهم بعض الأسماء. * ومما لاحظت في بلاد مالي وما جاورها من البلدان الإفريقية أن الناس هناك منقسمون إلى فئتين: فئة وجهت أبناءها إلى المدارس الحكومية ومدارس البعثات التنصيرية قصد تحقيق غنم مادي دنيوي ضاربين عرض الحائط عن وعي أو عن غير وعي بما يضيعونه من قيم دينية ومثل أخلاقية مؤثرين الانسياق الأعمى وراء النموذج الغربي للحياة. وهؤلاء هم اغلب أفراد المجتمع وأكثريتهم. * وهنالك فئة أخرى أثرت تعليم أبنائها العلوم الدينية فوجهتهم إلى المدارس القرآنية التي تتجاوز في جمهورية الألفي مدرسة ومعهد منتشرة هنا وهناك في كل حي وشارع وقرية ومدينة يؤمها عشرات الآلاف من الأطفال والشبان ولكن هذه المدارس والمعاهد تفتقر إلى المنهج الدراسي الصحيح الذي يوحد بينها وتفتقر إلى المدرسين الأكفاء وتفتقر إلى الكتب، إنها تفتقر إلى ابسط مقومات التعليم فالمحلات ضيقة جدا والاكتظاظ كبير والأعمار متفاوتة والمقابل مرتفع في بعض الأحيان. إن هذه المدارس والمعاهد يؤسسها ويشرف عليها أفراد واسر ممن يتوارثون الرئاسة القبلية والدينية أو أشخاص تحركهم في بعض الأحيان الرغبة في الكسب. وتتلقى هذه المدارس مساعدات من هنا أو هناك ولكنها غير كافية وبعد أن يقضي التلميذ سنوات يخرج بزاد علمي محدود ولكن بدون شهادة علمية تمكنه من دخول حياة الناس على غرار ما يتمكن منه خريجو المدارس الحكومية والتنصيرية الذين يجدون الأبواب مفتوحة في كل الميادين. والقليل من تلاميذ المدارس الأهلية تمكن من الالتحاق بالأزهر أو بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الو غيرهما من المؤسسات الجامعية في الدول العربية ومن عاد منهم بشهادات لم تستوعبه الأماكن المحدودة جدا في الوظيفة والمقتصرة على حصص قليلة لتعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية أو في الترجمة ولهذا توجه اغلبهم إلى تكوين المدارس الخاصة وتأسيس الجمعيات الدينية وإمامة الناس والبعض منهم كلفته رابطة العالم الإسلامي أو دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية أو جمعية الدعوة في طرابلس بالإرشاد والتوجيه كمبعوثين لها في مالي وبقية دول غرب إفريقيا وهؤلاء الدعاة والمرشدون بعضهم وفق في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والبعض الآخر تعثر في طريقه نظرا للأسلوب الذي توخاه وسلكه والذي اعتمد في اغلب الأحيان على نقض الأوضاع ونقدها نقدا لاذعا متسرعا وهذا ما جعل الكثير من الدعاة يدخلون في صراعات عنيفة مع شيوخ القبائل ورؤساء العشائر والطرق وأصحاب الزوايا وكانت الغلبة في النهاية لهؤلاء الذين يستندون على قواعد اجتماعية ومادية قوية. وعانت بلاد مالي وما جاورها ولا تزال من هذه الانقسامات التي ما انزل بها من سلطان ولم يستفد منها إلا أعداء الإسلام الذين واصلوا مدهم في المدن والقرى حيث أسسوا الكنائس في القرى التي لا يوجد فيها نصراني واحد وبنوا المدارس ومراكز التكوين والمستوصفات وقدموا كل أنواع الخدمات الاجتماعية وشهدت السنوات الأخيرة تحركات مكثفة للكنيسة خصوصا في سنوات القحط العجاف التي مر بها الساحل الإفريقي. * والدعوة الإسلامية اليوم في مالي وما جاورها تحتاج إلى مراجعة برامجها فتبتعد بها عن المظاهر والشعارات وتغوص بها في أعماق المشكلات والمصاعب التي يعانيها الناس هناك فلم يعد اليوم يكفي الناس هناك تشييد المسجد أو إرسال المصاحف بل إن ما يحتاج إليه الناس هناك إلى جانب المسجد والمصحف هو المحراث والمحرك والجرار والدواء والمسكن والمعهد. وقد اهتدى إلى هذا الصنف من العمل الإسلامي البناء ذي المردود المحقق بعض ذوي البر والإحسان وتكونت منهم لجان لرعاية المسلمين في إفريقيا رعاية مادية ومعنوية واجتماعية فبنوا المستوصفات والمدارس ومراكز التدريب المهني وحفروا الآبار واستصلحوا الأراضي واخذ هذا العمل يؤتي ثمرته المرجوة ولو انه جاء متأخرا بعض الشيء. * إن تركيز الأفارقة في مواطنهم وتعليمهم الحرف والصناعات ودفعهم إلى بذل المجهودات من اجل الإنتاج والاكتفاء هو المنهج الأقوم للنهوض بهم وبالدعوة الإسلامية. وان تصحيح المفاهيم لديهم أمر ضروري ذلك أن الناس هناك في حاجة ماسة إلى معرفة توجيهات الإسلام وحقائقه فالإسلام عدو لدود للقعود والتكاسل والتواكل وهو يأمر بأخذ الأسباب وإعداد العدة إذ المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف والتدين لا يعني التخلف والرضى بالمسكنة والذلة والمهانة. والمسلمون في تلك الديار وهم أهل البلاد لا يقبل منهم أن يظلوا يظهرون بمظاهر الدروشة والتخلف والانحطاط فذلك مما يتنافى وحقائق الإسلام ومثله، ولقد رأيت بعيني هناك مالا يقبله الإسلام ولا مثله، فالمسلم هناك لا يرى غضاضة من أن تسعى عليه الزوجة وهو قاعد في ركن من البيت المتواضع وحوله عشرات الصبيان "وهم أبناؤه من صلبه والزوجة تكد في الحقل ثم تبيع على قارعة الطريق ما جنته وتعود بالمردود القليل للزوج المحترم وأبنائه!! لقد تجولنا في مساحات خضراء خصبة: الماء متوفر فيها وحتى إذ ما أنتج الفلاح هناك فلا ينتج إلا القليل ولا يفكر في الزيادة أو التطوير بقصد البيع وتحقيق الأرباح والاكتفاء الغذائي للبلد فذلك ما لا يفكر فيه وكأنه لا يعنيه من قريب أو من بعيد. * إن الدعوة الإسلامية في تلك الديار محتاجة شديد الاحتياج إلى دراسة معمقة وان إمكانيات مادية محدودة وإمكانيات بشرية متواضعة إذا ما وجهت وجهة علمية مدروسة فستؤتي أكلها أضعافا مضاعفة. وما ينفق في بعض الأحيان في اللقاءات والمؤتمرات الإسلامية المشهودة والرحلات الطويلة والبعيدة وما ينفق في التزويقات والتدشينات والدعايات إن ذلك فقط كفيل لو وجه وجهة صحيحة بناءة لصالح الأفارقة لحقق العجب العجاب. وان هذه الأمة الإسلامية لو تكاملت وتعاونت واستفادت مما بين أيديها من طاقات لحصل في ميدان الدعوة تقدم كبير، وكثير من الكفاءات المثقفة ثقافة عربية إسلامية وفرنسية لهي على استعداد لكي تركب إلى إفريقيا في عطلها السنوية لو ضمن لها فقط النقل والتغذية الضرورية وان المؤسسات والمحسنين هناك لعلى أتم الاستعداد لاستضافة هؤلاء الدعاة قصد الاستفادة من خبراتهم فهل من منسق بين الطرفين؟ * كما أن المعاهد والمدارس المنتشرة هناك في حاجة إلى جمع شملها وتوحيد مناهجها وان البعض منها مثل معهد الملك خالد بن عبد العزيز ومعهد الاتحاد في بارولي وغيرهما قادر على القيام بهذا الدور التنسيقي فيقع تخصيصها لتخريج المعلمين والأساتذة ويكونا نواة لمعهد عال للدراسات الإسلامية أو جامعة وذلك ممكن وميسور لو ضغطنا على التكاليف وضحينا بكثير من الكماليات التي لا ضرورة تدعو إليها. والقول بان الجامعة الإسلامية الجديدة بالنيجر كفيلة بالقيام بهذا الدور هذا القول غير مقبول فموقع مالي واتصالها بعديد من الدول الإفريقية وانفتاحها على غيرها واتساع أرجائها كل ذلك وغيره يجعل تأسيس مثل هذا المعهد العالي ضرورة ملحة ينبغي انجازها في اقرب الآجال وبدون أدنى تأخير إذا أردنا أن ننظم وننهض بالتعليم الديني في تلك الربوع وننقذ عشرات الآلاف من الأطفال من الضياع. ولا يخفى الفائدة العظمى من تأسيس مثل هذا المعهد العالي بحيث يركز الأفارقة في بلدانهم ومحيطهم ولا نحتاج إلى أكثر من توجيه الأساتذة الجامعيين لتكوينهم ولو كان ذلك موسميا. وتجربة استقدام الطلاب الأفارقة إلى البلاد العربية والإسلامية لم تكن دائما ناجحة فكثير من هؤلاء الطلاب رجعوا إلى بلدانهم بعادات وانحرافات تلقوها من سلوك العرب المسلمين!! وقد كان هؤلاء الطلاب قبل مجيئهم إلى البلاد العربية مثالا للاستقامة. * كما أن الحاجة ملحة في بلاد مالي إلى إنشاء جهاز للطباعة العربية إذ لا توجد إلى اليوم مطبعة عربية واحدة والناس يعيشون في ما يقرءون على ما يأتيهم من البلاد العربية فحتى المصاحف مستوردة فضلا عن الكتب المدرسية في العقيدة والفقه والنحو والصرف والتاريخ وغير ذلك. ولا أظن أن جهازا للطباعة يكلف كثيرا لو فكر فيه المخلصون من أبناء هذه الأمة أو حتى لو تعاونوا مع بعض أهل البلاد فوجهوهم إلى مثل هذا العمل الجاد. * وان منظمة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية (الأيسيسكو) وكذلك المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (الألكسو) وغيرهما ممن ينبغي عليهما الاستفادة من الفرص المتاحة لنشر الثقافة الإسلامية والعربية في تلك البلاد. فالمنظمات التنصيرية والفرتكفونية والعلمانية تسعى كلها لاكتساح الساحة وسد الفراغ وسيأتي اليوم الذي يستصدر فيه هؤلاء قرارات لمنع نشر الثقافة العربية الإسلامية وتعليمها للناس هناك. وهذا ما لا نتمناه. فالمجال لا يزال مفتوحا أمام الدعوة الإسلامية واللغة العربية في بلاد مالي وما جاورها والناس لا يعتبرون الإسلام والعربية أجنبيين عليهم فالاعتزاز بهما كبير والشوق إلي التعرف عليهما لا حد له. هذه الانطباعات السريعة عن العمل الإسلامي في غرب إفريقيا وبالخصوص في جمهورية مالي أوردتها بإيجاز كبير أوحتها إلي المدة القصيرة التي قضيتها في تلك البلاد بين إخوة في الدين والمصير لم اشعر خلالها بالغربة بل على العكس من ذلك غمرني أهلها كما غمروا كل وفد رابطة العالم الإسلامي بالتكريم والتبجيل وصادق الود. وإنها لفرصة عزيزة ثمينة مكنتنا بها رابطة العالم الإسلامي ممثلة في شخص معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين العام من المساهمة بجهودنا المتواضعة في خدمة إخوتنا المسلمين في بلاد مالي وان الشكر بعد الله يتوجه إلى كل من ساهم في إنجاح هذه الدورة وتنظيمها سواء في مكة المكرمة حيث الرابطة بأجهزتها المختلفة أو في ارض مالي حيث مؤسسة الملك خالد بن عبد العزيز ممثلة في شخص رئيسها ومؤسسها الحاج بابا سيسي وأبنائه ومساعديه وكل أفراد شعب مالي المسلم. ندعو الله تبارك وتعالى أن يسدد خطى العاملين بإخلاص لإعلاء كلمة هذا الدين والحمد لله رب العالمين.