من الهدي النبوي: مخاطر الإفتاء بغير علم وما يترتب عنه من ضلال وإضلال
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).متفق عليه هذا الحديث الشريف من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي عرف باجتهاده في التقرب إلى الله والتزود بخير زاد، فقد كان رضي الله عنه من الصحابة العباد الصوامين القوامين المنصرفين بكل همتهم إلى الدار الآخرة المعرضين عن الدنيا وبهارجها وزينتها مكتفين منها بالكفاف الذي لا يطغى ولا يهلك. وهذا الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص أورده الإمام النووي في كتابه (رياض الصالحين) (وقل رب زدني علما) طه114 و(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر9 (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة11 و(إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر28 وكان الحديث الأول في هذا الكتاب (كتاب العلم من رياض الصالحين) الحديث الذي يرويه معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه. والآيات التي صدّر بها الإمام النووي كتاب العلم من رياض الصالحين ثم الأحاديث التي أوردها بعد ذلك تبين المنزلة الرفيعة والمكانة المتقدمة التي أعطاها دين الإسلام للعلم وهي مع بعضها البعض وكثير آخر معها من آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم تؤكد هذه الحقيقة وهي أنه ليس فوق منزلة العلم والعلماء منزلة إلا منزلة النبوة والرسالة والعلماء ورثة الأنبياء والمرسلين عليهم من الله الصلاة والسلام. وهذا الحديث الذي نقرب بعض المعاني الواردة فيه يخبر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى بما سيصير إليه أمر الدين في آخر الزمان، هذا الزمان والذي لا يعلم نهايته إلا الله وما هي في واقع الأمر إلا علامات والمسلم مدعو إلى أن يعمل لدينه ودنياه إلى آخر رمق في حياته، يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا. وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه عندما سأله جبريل عليه السلام الذي جاء على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه من الجالسين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وذلك عندما سأله متى الساعة؟ قال عليه الصلاة والسلام: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟. فلما أعاد جبريل عليه السلام السؤال بصيغة أخرى: اخبرني عن علامتها؟ أجاب عليه الصلاة والسلام وذكر بعض علاماتها وهي العلامات الصغرى التي تغيب وتحضر حسب تمسك وعدم تمسك الناس بهدي الدين. أما العلامات الكبرى والتي ذكر بعضها في القرآن (خروج الدابة التي تكلم الناس...) ذكرت السنة البعض الآخر كظهور المسيح الدجال وخروج الشمس من مغربها فتلك علامات إذا ظهرت لا تنفع التوبة بعدها. وهذا الحديث يمكن أن يكون من العلامات الصغرى كما يمكن أن يكون من العلامات الكبرى. وفي هذا الحديث تحذير للمسلمين من الاستهانة في تحصيل العلم الشرعي والتفقه في الدين والذي هو علامة حب الله لعبده (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ولا بد للمسلم من تحصيل المعلوم من الدين بالضرورة وهو ما لا يعذر الجاهل بجهله ذلك أن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا أصوبه (ما وافق الصواب) أي ما كان صحيحا وسبيل أن يكون عمل المسلم في عباداته ومعاملاته صحيحا إنما هو بالتلقي من أهل الذكر وسؤالهم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وأهل الذكر هم طائفة من الأمة ينفرون لتحصيل علوم الدين والتمكن منها لينذروا بها قومهم إذا رجعوا إليهم، فعلى هذه الطائفة واجب التبيين للناس أمر دينهم (لتبيننه للناس) انه عهد أخذه الله عليهم فلا يجوز لهم أن يكتموا ما علمهم الله (من كتم علما ألجمه الله بلجام من النار) والعلماء الفقهاء في الدين ما اختصوا بوراثة الأنبياء (العلماء ورثة الأنبياء) إلا لقيامهم بمهمة التبليغ والبيان للحق من الباطل والصواب من الخطأ والحلال من الحرام. يبدأ الحديث بالتذكير بحقيقة لا يختلف حولها اثنان وهي قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن بقبض العلماء) فلا يتصور عاقل أن هنالك علماء نزع منهم العلم الذي اكتسبوه عندما أخذوا بالأسباب، والإسلام دين الأخذ بالأسباب واحترام النواميس انه دين التوكل لا التواكل والتكاسل، دين التشمير على الساعد والعمل الجاد من اجل تغيير ما بالنفس (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الإسلام دين العمل والسعي في طلب العلم والعلم في تحصيله والتزود به واكتسابه ضرب من ضروب العمل الذي سرعان ما ترى نتائجه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم) فإذا كان هناك علماء بأجيال متعاقبة يأخذونه عن بعضهم البعض بسند متصل والأمة الإسلامية أمة عرفت باتصال السند في العلم والعمل وسائر مظاهر النشاط البشري وفي ذلك السند متانة ونفي للدخيل، وفي السند بركة وخير لا خوف عند ذلك على الأمة فالعلماء يرثون بعضهم البعض وطالما أنه يوجد بين ظهراني الأمة هذا الصنف من العلماء فهي بخير. فلا يخشى على الأمة من الضياع والضلال والانحراف وما يترتب عن كل ذلك مما لا يريده الله ولا يحبه لأمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يخشى علي من كل ذلك إلا عندما يقبض العلماء الأعلام المحققون الحقيقيون ثم لا يخلفهم من بعدهم من هم على شاكلتهم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) فكل نفس ذائقة الموت والعلماء يموتون وإذا لم يبق بين الناس عالم فعند ذلك يلتفت الناس إلى أشباه العلماء ممن ليسوا بالعلماء لأنهم لم يحصّلوا العلم وإنما اكتفوا بالادعاء بالأقوال والمظاهر والأنكى والأمر والأخطر أن هؤلاء إذا سئلوا فإنهم يفتون بغير علم أي عن جهل فيَضلون ويُضلون إنهم مضللون والعياذ بالله وتلك هي الطامة الكبرى والمصيبة العظمى نسأل الله اللطف والسلامة والهداية).