كل الخير الذي جاء لجعفر ماجد رحمه الله كان ببركة كتابه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم
رحم الله أخانا الدكتور جعفر ماجد فقد كان آخر لقاء لي معه قبل أسابيع قليلة وكان عائدا من رحلة أوصلته إلى اسبانيا أين شارك في فعالية احتفالية بتظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية 2009 والتي تولى قبل أن غادرنا إلى دار البقاء مهمة المنسق لها وقد أداها على أحسن الوجوه وأتمها وكانت بحق نعم التتويج لمسيرته العلمية والفكرية والشعرية المليئة بالعطاء الرفيع. كان رحمه الله شديد التفاعل مع هذا الحدث البارز على أصعدة متعددة كانت فيها القيروان عاصمة الإسلام الأولى محورها. وكان رحمه الله حريصا على أن يحيط نفسه بأكثر ما يمكن من الكفاءات من أبناء القيروان على الامتداد الواسع الشامل لكل محب لهذه المدينة معترفا بدورها الحضاري والثقافي والديني ومن هذا المنطلق كان سعيه رحمه الله لأكون شخصيا من أعضاء هذا الفريق الذي اجتمع في مقر وزارة الثقافة والمحافظة على التراث قبل انطلاق فعاليات أنشطة تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية. وقد كنت من أوائل من كتبوا منوهين ومرحبين بهذا الحدث. لم تكن هذه التظاهرة هي كل صلتي بالأستاذ جعفر ماجد رحمه الله بل إنني أتذكر وأنا شاب صغير لا أزال في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي أنني كنت من سلمه رحمه الله بعض ما طلبه من الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله من وثائق تتعلق بمسألة التعريب وذلك في أوائل السبعينات من القرن الماضي وقد كانا رحمهما الله من المتحمسين لهذه القضية. وتوطدت صلاتنا ببعضنا البعض حيث كنا نلتقي: مجموعة من رجال الثقافة والأعلام والإطارات العليا أكثر من مرة في الأسبوع نتدارس كل ما يجد في الساحة الثقافية والاجتماعية والدينية وكانت هذه اللقاءات لا تطول ولكنها لا تنقطع فكل واحد منا كان حريصا عليها وازدادت الصلة به أكثر بعد ذلك. * وكنت أقول له ويتقبل ذلك مني بصدر رحب: أن كل ما جاءك يا أستاذ جعفر من خير أنت فيه متنعم إنما هو ببركة كتابك عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي جاء تأليفك له في الوقت المناسب عندما وقع النيل بواسطة الصور الكاريكاتورية من شخصيته الكريمة عليه الصلاة والسلام فرفعت له ذكره فرفع الله ذكرك وكان يسلم لي بهذا التخريج وكانت تبدو عليه علامات الزهو والفخر. * لقد كتب الأستاذ جعفر ماجد رحمه الله الكثير قبل هذا الكتاب ولكن الخير كل الخير جاءه بعد تأليفه لكتاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآخر التتويجات التي نالها عن استحقاق وجدارة كانت مسؤولية المنسق العام للتظاهرة الدولية الكبرى القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية وكانت مناسبة للالتفات إلى جعفر ماجد ذي القدرات والطاقات الخلاقة المتعددة فاستضافته الفضائيات والمحطات الإذاعية وأجرت معه الصحف والمجلات عديد الحوارات وكان الحاضر البارز طيلة هذا العام فنال بعض ما يستحقه من التكريم والتعريف بإبداعاته. * إن أنسى فلا أنسى تلك السهرات التي جمعتنا به في شهر رمضان والتي كانت تنطلق اثر صلاة التراويح لتمتد إلى ما بعد منتصف الليل وكنا فيها نجمع بين الإفادة العلمية والأدبية واللغوية والدينية كل ذلك ممزوجا بالمزح البريء الذي يحرص الأستاذ جعفر ماجد رحمه الله على الإتيان في مجاله بالطريف المفيد. * كان رحمه الله إذا قرأ في طيات مقالاتي عن كتاب جديد عرضته أو عرفت به يبادر في أول لقاء به بعد ذلك يطلب تمكينه من الإطلاع على ذلك الجديد وقع ذلك مع ترجمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني إلى اللغة الفرنسية فقد طلب مني أن آتي له معي بنسخة منها وكان له ما أراد وأرسل لي احد أنجاله لتسلم هذه الترجمة وكان شكره لي كبيرا عندما أبيت أن أتسلم منه ثمنها. * وتكرر طلبه مني أن آتي له بالجزئين الأول والأخير من مدونة الإمام سحنون التي نشرها محققه المستشار السيد علي الهاشمي من دولة الإمارات وكان للأستاذ جعفر ماجد ما طلب وبسرعة اطلع على ما أراد الإطلاع عليه وارجع إلي الجزأين من المدونة. * كان رحمه الله شديد الاعتزاز بما جادت به قريحته من قصائد عصماء في التأملات الروحية والمدائح المحمدية وفي التعريف بأمجاد الزيتونة الجامع والجامعة حيث صور لي رحمه الله هذه القصائد وطلب مني رأيي فيها وكان بالطبع رأي المعجب بروعتها: مبنى ومعنى وكان يرتاح لإعجابي بما صاغه في هذا المجال ويحرص على أن اطلع واستمتع بما صاغ وكذلك انتظاره أن اكتب ذات يوم عن إلاهيات ومحمديات جعفر ماجد ويا ليتني فعلت ذلك وهو على قيد الحياة فإن ذلك لاشك سيدخل عليه المسرة والحبور ولن يفوتني أن افعل ذلك بإذن الله فيما سيأتي من الأيام فذلك ديْن علي في حقه. خصوصا وقد أبى إلا أن يهدي لي ديوانه ممهورا بإهداء لطيف وكان ذلك في آخر لقاء معه وكنا نظنه انه آخر لقاء وأهداني العدد الأخير من مجلته في رحاب المعرفة وكان عددا خاصا بتظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية وكان رحمه الله يتابع باهتمام كبير ما أبديه من تدخلات خصوصا في المسائل الدينية وكان يعبر عن ارتياحه لما احرص عليه من إبراز لجوانب السماحة في ديننا الحنيف وما أورده من كلمات مأثورات لأعلام عارفين بالله من أمثال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والإمام أبي الحسن الشاذلي وابن عطاء الله السكندري وكان جعفر ماجد رحمه الله الأكثر تفاعلا بما لديه من شاعرية رقيقة وشفافية روحية وتعلق خالص وصادق بالحضرة المحمدية عليها من الله ابلغ الصلاة وأتم السلام. كان رحمه الله كثيرا ما يذكرني بصداقته للشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله وكان يعرف شدّة تعلقي به رحمه الله. رحم الله جعفر ماجد يوم ولد ورحمه الله يوم مات ويوم يبعث حيا ورزقنا جميعا: أسرة وأحباء وأصدقاء جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.