الحبّ في القرآن الكريم معالم وصفة ناجعة لعلاج ما اعترى الأمة من علل
في خضم الصراعات والتكالب على المادة بكل مظاهرها تشتد الحاجة الى البحث عن كل ما من شأنه ان يعيد للانسان توازنه الذي هو سبب تكريمه واستخلافه وبدون هذا التوازن الذي خلق الله عليه الانسان في ثنائية الروح والجسد والعاطفة والعقل وحتى الدنيا والآخرة فان مآل الانسان هو الى الشقاء والهلاك • ومن القيم التي يحتاج اليها الانسان في هذه الحياة قيمة الحب التي تعد الركيزة الأساسية في علاقة الانسان بخالقه والرسل الذين بعثهم الله لهدايته وفي علاقة الانسان بأخيه الانسان في مختلف دوائره: (أبا وأما وزوجة وأبناء واخوة وذوي أرحام وأصدقاء وإخوة في الدين والوطن وفي الانسانية...) • الحب هو هذه العاطفة الجياشة التي تجعل من العلاقة بين الانسان وغيره تتسامى وتترفع عن كل ما هو من قبيل المنفعة العاجلة الزائلة لتتجاوزها الى سلوك يتحقق به للمتلبس به فوائد عاجلة لعل أهمها الراحة النفسية والسعادة القلبية ويوجب لصاحبه الأجر والثواب لذلك نادت بتركيز الحب في القلوب وجعله ممارسة فعلية عملية الرسالات السماوية واستفاضت في ذكره والدعوة اليه الكتب السماوية ودعا اليه الأنبياء والرسل عليهم السلام وقدموا عليه الشواهد العملية من سيرتهم وممارساتهم ونستطيع ان نجزم بأن الدين حب أو لا يكون ودين بدون عاطفة حب جياشة هو دين أجوف خال من اللب • ولقد طفحت كتب التفسير والسيرة وشروح الحديث فضلا عن كتب التربية والسلوك والتزكية بمادة غزيرة في الحب بل كتب الفقهاء الفصول الطريفة الرائقة في مادة الحب بمختلف تجلياتها ومظاهرها وقدموا الوصفات التي تتلاءم مع مختلف الحالات الانسانية • واتخذ الكاتبون قديما وحديثا من الحبيب المصطفى سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام نبراسا يهتدون به فيما يرومون الإقناع به من ضرورة ان يكون المسلم محبا ويضربون على ذلك أمثلة مما كان عليه عليه الصلاة والسلام وما دعا اليه أمته من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أ فلا أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) وقول عليه الصلاة والسلام (أحد جبل يحبنا ونحبه) • قدمت بهذه المقدمة كمدخل للحديث عن كتاب أهدى الي نسخة منه الأستاذ محمد البشاري الأمين العام للاتحاد الاسلامي الأروبي، الكتاب يحمل عنوان: الحب في القرآن الكريم وهو من تأليف صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد بن طلال الهاشمي مستشار جلالة الملك عبد الله بن حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية. يقع الكتاب في ما يزيد على أربعمائة صفحة وقد قدم هذا البحث العلمي الجامعي الجاد عدد من الشيوخ الأفاضل (أحمد بدر الدين حسون وعلي جمعة ومصطفى سبيريتش وعلي نوح سلمان القضاة ومحمد سعيد رمضان البوطي وعبد الله بن بية ومصطفى محمد الدامان وعبد السلام العبادي والحبيب عمر بن حفيظ وعمرو خالد ومحمد تقي العثماني وطه عبد الرحمان وسعيد عبد الحفيظ حجاوي وعبد الملك السعدي وعبد المقصود حامد عبد المقصود وكمال العجلوني) وكلهم أجمعوا على أهمية هذا العمل العلمي الجاد واستقصاء صاحبه لكل جوانب موضوعه (الحب في القرآن) • واشتمل كتاب (الحب في القرآن) على باب المقدمات والباب الأول: الحب الإلهي، الباب الثاني: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباب الثالث: حب الانسان، والباب الرابع: الحب، والباب الخامس: المحبوب: الجمال واللقاء والرضوان ، وباب الخاتمة: الرسالة وتحت هذه الأبواب عناوين فرعية مفصلة ومدققة ومستقصية لكل ما له صلة بالحب من قريب أو من بعيد • في كتاب (الحب في القرآن) متابعة واستقصاء لمادة الحب: عبارة وإشارة ومفهوما واستنتاجا بحيث بدت من خلال هذا العمل معالم نظرية قرآنية متكاملة للحب الذي هو أساس كل خير وسببه ومن هنا بدت للمؤلف ضرورة تخصيص هذا العمل العلمي من أجل إبرازه في سفر هو اليوم بين أيدي القراء يسد فراغا ويوفر إجابة علمية لما ظل متفرقا هنا وهناك واستدعى ابرازه في هذا العمل مجهودا كبيرا وبذلك أسدى المؤلف الأمير غازي بن محمد خدمة تذكر فتشكر للأمة ودينها هما في أمس الحاجة اليها خصوصا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الاسلام والمسلمين والتي يظهر فيها الاسلام والمسلمون في أسوأ مظهر من طرف بعض أبنائه الذين ليس لهم من الدين إلا الاسم وممن لا يتوفرون على الحد الأدنى من العلم بالدين على حقيقته وذلك ما وفر لأعداء الاسلام والمسلمين فرصة ذهبية للنيل منهما !! • ان كتاب الحب في القرآن الكريم هو أبلغ رد على هؤلاء وأولئك فالاسلام هو دين الحب في أعمق وأشمل معانيه، دين الحب للناس أجمعين فالاسلام يمقت الأحقاد والكراهية والبغضاء وسائر الأمراض النفسية التي تنشأ وتترعرع في القلب ثم ما تلبث ان تتجسم في حيز الواقع فتصبح ظلما وعدوانا وقتلا وترويعا وسفكا للدماء وانتهاكا للأعراض والأموال !! وكل ذلك حرام ومن أكبر الكبائر في دين الاسلام. • المسلم محب، سليم القلب، والقلب هو المضغة التي اذا صلحت صلح سائر الأعضاء. والقلب هو محل التقوى وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صدره ثلاثا وقال (التقوى ههنا) ولا تقوى بدون حب لله ولرسوله وللمؤمنين وللناس أجمعين بل ولكل ما خلق الله وما بث في هذا الكون، معان صال فيها وجال وأتى فيها بالجديد المفيد المدعوم بالمنقول والمعقول سمو الأمير غازي بن محمد في فصول كتابه “الحب في القرآن الكريم” • ودعنا نختم هذا العرض بما ختم به المؤلف كتابه حيث يقول (الله جل جلاله هو الرحمان الرحيم والودود خلق الرحمة من الحب وجعل الجمال في كل ما خلقه، والله يحب جماله من خلال الكون الذي خلق فيه الجمال، وبالحب يعود الانسان بالصراط المستقيم الى الله جل جلاله، وبالحب أيضا- ولكن بحب أدنى وأسفل يأخذ الانسان الطريق الى النار فالله جل جلاله يقول (وهديناه النجدين) فللانسان خيار بين الحب الذي يؤدي الى الله والى الجنة والحب الذي يؤدي الى العذاب والى النار (فأين تذهبون) فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) فعلينا ان نختار حب الله ورجاءه في هذه الدنيا وفي الآخرة على حب الهوى والشهوات يقول الله عز وجل (ان الذين لا يحبون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمانوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين)