أثر القرآن في حياة الفرد والمجتمع خطبة جمعية ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع مقرين العليا
الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى ورحمة للعالمين وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تنشرح لها الصدور وتقضى بها الأمور وتنال بها الأجور وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كان خلقه القرآن صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون، ما أجمل أن يكون حديثنا عن القرآن الكريم كلام رب العالمين كتابه الخالد ودستوره الماجد وحجته البالغة على العالمين. أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد بن عبد الله النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم فأخرج به العرب وسائر الأمم من الظلمات الى النور، ومن الظلم الى العدل ومن الضيق الى السعة. والقرآن الكريم كتاب أحكمت آياته فجاءت أبلغ كلام وأروع بيان له التأثير الكبير على النفوس والقلوب فكم من جاهل لما سمعه أصبح مؤمنا وكم من غافل أصبح به ذاكرا وكم من ضعيف أصبح به قويا.كل ذلك عندما استحضروا وهم يسمعونه أو يقرؤونه انه كتاب الله العزيز وحبله الممدود وسراجه المنير فتشربته نفوسهم وتدبرته عقولهم وتذوقته أرواحهم فصار غذاءها وماء حياتها، لم يعرضوا عنه بل عاشوا في ظلاله وتأثروا بحكمه وتخوفوا من وعيده وفرحوا بوعده. كان تأثيره كبيرا على نفوسهم صوره ربنا بقوله جل من قائل (وإذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا) وقال (ويخرون الى الأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) وقال في آية أخرى (وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع) طوبى لهذا الرعيل الأول الذي وعى ما سمع وتدبر ما قرأ وشعر كل واحد منهم أن كل أمر في القرآن متجه اليه مروا بمشاهد يوم القيامة وأهوالها فجزعت قلوبهم وارتعدت فرائصهم واسودت وجوههم وأجهشوا في البكاء خوفا ان يكونوا من أهل تلك الحال وذلك المآل فسألوا ربهم سؤال الخاضعين وسألوه سؤال الخائفين التائبين المنيبين أن ينجيهم من أهوال تلك المشاهد. ومروا بمشاهد أهل الجنة وقد صورها القرآن أبلغ تصوير وشوق إليها فاشتاقوا وصارت مبلغ مرادهم ومبتغى أنفسهم زهدهم حب الإحراز على تلك المراتب العالية في الدنيا وحطامها فطلقوها ثلاثا لا رجعة فيها. أولئك هم المفلحون حقا، أولئك هم الناجون يوم الفزع الأكبر إذ سيكون القرآن دليلهم الى الجنة وحجتهم عند انقطاع الحجج وسراجهم المنير عندما تشتد الظلمات. كل ذلك لأنهم جعلوا القرآن ربيع قلوبهم وجلاء همومهم وأنيسهم في هذه الدنيا عندما اوحشتهم بفتنها المتراكمة اتخذوه منهجا لحياتهم يحلون حلاله ويحرمون حرامه يأتمرون بأوامره وينتهون عما ينهاهم يأتون ما استطاعوا من الفضائل التي يأمرهم بها وينتهون عن كل الرذائل.أولئك هم تلاميذ القرآن، خلقهم القرآن، أوصافهم في القرآن فهم عباد الرحمان أعداء الشيطان طوبى لهم وحسن مآب وكيف لا يكونون كذلك وقد سمعوا قول رسولهم الكريم عليه الصلاة والسلام واصفا القرآن (هو الحق ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن خاصم به أفلح ومن قسم به أقسط ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدي الى صراط مستقيم ومن طلب الهدى في غيره أضله الله ومن حكم بغيره قصمه الله هو الذكر الحكيم والنور المبين والصراط المستقيم وحبل الله المتين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد) تلك هي أوصاف القرآن الكريم وصفه بها الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر (ان هذا القرآن مأدبة فأقبلوا على مأدبة الله ما استطعتم. ان هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن رتله لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا يخلق على كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما اني لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) وأهل القرآن هم الفائزون وهم أهل الله وخاصته وكيف لا يكونون كذلك وقد انتهوا عما نهاهم الله وائتمروا بما أمرهم فلم يفقدهم الله في مواطن الخير ولم يجدهم في مواطن الفساد يقول صلى الله عليه وسلم (يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها) وقال صلى الله عليه وسلم (لا يعذب الله قلبا وعى القرآن)وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله أهلين من الناس حملة القرآن هم أهل الله) فانظروا رحمكم الله كيف ان الله سبحانه وتعالى يختص برحمته من يشاء وييسر على من يسلك سبل النجاة والهداية والتوفيق (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) فهل من منيب عائد الى القرآن متدبر لآياته بدروسه وعبره. فهذا كلام الله بين أيديكم، هذا النور الساري والمنهج الرباني، هذه الأمانة العظمى التي أشفقت من تحمل أعبائها السماوات والجبال وحملها الانسان لكم بقراءته حسنات ولكم بسماعه حسنات وبالعمل به حسنات وتنالون يوم القيامة أعلى الدرجات وتسكنون به الغرفات في هذا القرآن فلاحكم وصلاحكم في هذا القرآن حجتكم على الأمم وعزتكم وغلبتكم عليهم (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين) إن أمة القرآن لا تضل ولا تشقى ولا تخاف ولا تحزن إذا تمسكت بكتاب ربها وتدبرت معانيه وطبقت أحكامه فهو كتاب ايمان ونجاة ايمان يعرف به العبد ربه ونجاة اذا حكمه المسلمون في كل كبيرة وصغيرة من حياتهم الفردية والاجتماعية. إن القرآن هذا الكتاب الخالد رغم صغر حجمه احتوى كل ما فيه من صلاح المسلمين وفلاحهم من العاجل والآجل فيه تنظيم حياتهم بكل جزئياتها فيه تحليل الحلال وتحريم الحرام فيه تنظيم طرق حكمهم وسياستهم واقتصادهم وسلمهم وحربهم فيه كل ذلك بدون ادعاء ولا تزيد بل بحجج قاطعة وبراهين لا تقبل الجدل كل ذلك تصديقا لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام (تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنة رسوله عضوا عليهما بالنواذج) فاحرصوا عباد الله على أن ترتادوا حلق الذكر وتأخذوا من مأدبة الله واحرصوا على أن تكونوا خاصة الله وأهله اذا ذكر القرآن ذكرتم واذا حضرتم حضر القرآن به تنطقون وبه تحكمون وفي ظلاله تعيشون ووفق منهجه تسيرون وما ذلك على من يسر الله لهم سبل الفلاح بعزيز ولا عسير. ارتادوا حلق الذكر واقرؤوا واسمعوا كلام رب العالمين تقضى حاجاتكم وتنالون رغباتكم وتختم بالسعادة حياتكم هذا وخير ما نختم به الكلام كلام مولانا العزيز العلام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم (كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحميد) صدق الله العظيم واستغفروا الله لي ولكم.