تعاليم الإسلام تحقق للمسلمين المصلحة العاجلة والآجلة في كل مجالات الحياة
يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم باسم الله الرحمان الرحيم (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) التوبة 108 صدق الله العظيم. اعتنى الإسلام عناية كبرى بالإنسان: عقلا وروحا جسما، فردا ومجتمعا. وبذل في سبيل إسعاد الإنسان عاجلا وآجلا كل ما في وسعه. ترغيبا وترهيبا تصريحا وتلميحا بالإشارة والعبارة وجعل شعاره تحقيق المصلحة للإنسان ورفع الحرج عنه، حتى قيل (حيث ما وجدت المصلحة فهنالك شرع الله وأوامره). فالله تبارك وتعالى لا يريد لعباده إلا ما فيه صلاحهم (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) والناظر في كل تعاليم الإسلام ومقاصد الشريعة يجدها جميعها تسعى لتحقيق سعادة الإنسان بأوسع معانيها واشمل مظاهرها. ليس في تعاليم الإسلام وأوامره تضييق على الإنسان بل سعة ورحمة (ما جعل عليكم في الدين من حرج). فأيما أمر يحقق للمسلمين العزة والكرامة والقوة والمناعة والخير العاجل والآجل إلا ودعت إليه تعاليم الإسلام ورغبت فيه. وأيما أمر يمكن أن يتسبب للمسلمين في ذلة ومهانة وضعف واستكانة سواء كان ذلك عاجلا أم آجلا إلا ونهت عنه تعاليم الإسلام وأمرت المسلمين بان يجتنبوه. فقوة المسلمين وعزتهم ومناعتهم هي قوة للإسلام وعلو لكلمته. وضعف المسلمين ومهانتهم ضعف للإسلام وتوقف لانتشار هديه بين الناس. ولأجل ذلك قسم علماء الإسلام المصالح إلى ثلاثة: مصلحة ملغاة ومصلحة معتبرة ومصلحة مرسلة والمصلحة الملغاة هي التي يتحقق بها ضرر للجماعة أو ضرر آجل وان تحققت بها مصلحة وهمية عاجلة مثل أكل الربا. فالمرابي يحقق فائدة عاجلة له على حساب الجماعة التي ينتمي إليها ولأجل ذلك حرم الإسلام الربا لان مقصده دائما تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمصلحة الآجلة على المصلحة العاجلة. وهنالك نوع ثان من المصالح وقعت مراعاتها سن من اجلها الإسلام أحكاما وتشريعات. * كالحفاظ على العقل ومن اجله حرم الإسلام الخمر وكل مسكر. * والحفاظ على الأموال ومن اجل ذلك حرم الإسلام السرقة وشرع حكم قطع يد السارق. * والحفاظ على الأعراض والاتهام بالباطل ومن اجل ذلك شرع الإسلام حد القذف. * والحفاظ على الأنفس ومن اجله حرم الإسلام قتل النفس البشرية وشرع القصاص. * والحفاظ على الأديان ومن اجله شرع الإسلام الجهاد لصدّ الغزاة والكفار عن ديار الإسلام. تلك مصالح وقعت مراعاتها من طرف الشرع ونص عليها الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة. ولكن مصالح الناس كثيرة متجددة ومتعددة ومتشعبة بتشعب حياة المجتمع وتوسعها وتحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. ونصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة محدودة مهما كثرت وتعددت متناهية مهما كانت شاملة ولا يمكن أن تحيط بجزيئات حياة البشر ولأجل ذلك ومادام الإسلام دين الحياتين الدارين: الدنيا والآخرة. ودين الفرد والجماعة (الوحدة في إطار من التنوع) والدين الذي رضيه الله سبحانه وتعالى لعباده إلى يوم القيامة فلا بد أن تكون مقاصده تحقيق المصلحة للإنسان مهما كان موقعه في المجتمع، المصلحة بكل معانيها وفي اشمل مظاهرها. إن الإسلام لا يسعى إلى تحقيق السعادة الروحية فقط للمؤمنين به. ولا يهدف إلى إدخالهم إلى الجنة في الدار الآخرة فقط ولا يهدف إلى جعل صِلاتهم بربهم وخالقهم متينة فقط بل يهدف إلى تحقيق كل ذلك للإنسان في آجل حياته وفي صلته بربه وخالقه ومع ذلك بدون تزاحم ولا تنافر ولا تقابل ولا تضادد يهدف الإسلام إلى تحقيق سعادة الإنسان العاجلة في الحياة الدنيا السعادة الكاملة: صحة وقوة ومناعة ونظافة وجمالا وتنعما وعزة وغلبة. إن الإسلام لا يهدف أبدا إلى إدخال أتباعه إلى القبور قبل الأوان ولا يزهدهم في طيبات الحياة الدنيا ولا يدعوهم إلى الخمول والبخل والتكاسل والتواكل. ولا يرغبهم في الضعف والمسكنة والمذلة والمهانة بكل مظاهرها وأشكالها في مأكلهم وملبسهم ومركبهم ومسكنهم وكل ما يستعملونه في شؤون حياتهم إن نعم الله المنزلة منه سبحانه وتعالى المسخرة للإنسان ينبغي أن يرى أثرها على هذا الإنسان الخليفة ومن هنا استلهم علماء الإسلام من مقاصد الشريعة ومراميها النبيلة أصلا من أصول التشريع اعتمدوا عليه في استنباط الأحكام واستخراجها أسموه المصلحة المرسلة أي المصلحة المسكوت عنها من طرف الشرع لا الملغاة ولا المعتبرة فكل ما يمكن أن يحقق للمسلمين مصلحة عاجلة أو آجلة فردية أو جماعية جسمانية أو روحية عقلية بشرط أن لا تعارض مقصدا عاما من مقاصد الشريعة ولا نصا من نصوصها الصريحة فانه يجوز للمسلمين لأهل الذكر منهم أن يشرعوا لها أحكاما تدفع المسلمين إلى تحقيق المصلحة التي رآها جمهورهم مصلحة ذلك أن ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة. إن المجتمع الإسلامي وهو يعيش مرحلة النهوض ويسعى أفرادا وجماعات وهيئات إلى تحقيق عزة المسلمين وقوتهم في كل مظاهرها مدعو إلى استلهام الإسلام وتشريعاته ومقاصده ما يساعد المسلمين على تلافي كل ضرر وسلبي من التصرف والمعاملة والسلوك. ولاشك أن المسلمين إذا أرادوا أن يعودوا إلى أصولهم الخالدة الثابتة فسيجدون فيها كتابا وسنة وأصولا ومقاصد وفقها ونوازل وفتاوى سيجدون في هذا الرصيد الضخم ما يساعدهم اليوم على حل كثير من مشكلاتهم الاجتماعية والنفسية والاقتصادية. وما اكبر اثر هذا التراث الأصيل وهذا الكنز الثمين الذي بين أيدي المسلمين ولا يوجد مثله عند امة أخرى من أمم الأرض قاطبة-ما اكبر أثره على نفوس المسلمين وما أقوى تأثيره على أنفس المسلمين الذين لا يزالون متعلقين شديد التعلق بالإسلام وان خالفوا في بعض الأحيان توجيهاته وتعاليمه. فهي مخالفة نجد لها تفسيرها في الجهل بحقائق الإسلام ومقاصده وفي الضعف البشري وفي التقصير في عرض مبادئ الإسلام وتوجيهاته في المظهر الذي يبشر ولا ينفر ويسهل ولا يعسر ويوسع ولا يضيق ويحبب ولا يزهد. وما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يتوخوا في دعوتهم إلى الإسلام هذا المنهج القويم الذي نجد له وعليه مائة دليل ودليل يدعمه من الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين وصالح المسلمين وآنئذ فلن يبتعد عن الإسلام ولن يعرض عن نهجه الرشيد إلا من أعمى الشيطان أبصارهم وبصائرهم وما اقل هؤلاء بين الناس لو قامت للإسلام دعوة أصيلة قويمة رشيدة حكيمة تسير على منهج الكتاب والسنة. عجبا للمسلمين كيف لا يلتفتون إلى ما في الإسلام وهم يخوضون معارك الخروج من التخلف ومحاربة الفقر وجيوبه وتحقيق التضامن والتآلف والتآخي والتآزر بين أفراد المجتمع في السراء والضراء. إن المسلمين هم يحاربون مظاهر التخلف والسلوك السلبي المتمثل في انتشار العلل والأمراض والأوبئة الناتجة عن الأوساخ والقذارات التي تتعدى أثارها السيئة الجسم إلى النفس والروح وتتعدى الفرد إلى الأمة والجماعة والسلوك الاجتماعي إلى النتائج المادية والعلمية والاقتصادية. يجدون في تعاليم الإسلام وفي توجيهاته وفي ما يأمر به المسلمين من عبادات وما ينهاهم من محرمات وما يأمرهم به من أخلاقيات، في كل ذلك صراحة وتلميحا ما يحقق للمسلمين السلامة والعافية في أبدانهم والنظافة والطهارة في أجسامهم ومجتمعاتهم في أماكن عملهم وتجمعهم في الساحات والشوارع والأسواق فضلا عن بيوت الله. فعندما يأمر الله تبارك وتعالى المؤمنين بالطهارة قبل الوقوف بين يديه في الصلاة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا) فهذه الآية دعوة لكل مسلم بالغ عاقل كي يغسل ما ظهر من أعضائه عند كل صلاة إذا انتقض وضوؤه والصلوات في اليوم والليلة خمس، فالمسلم في هذه الحالة إذا حافظ على النظافة توقى من الأوبئة والجراثيم والأمراض الفتاكة والماء طاهر طهور. فما انتشرت الأوساخ وما قلت النظافة إلا عندما قل الالتزام من طرف المسلم بأداء واجباته الدينية إذ الواجبات الدينية (صلاة وصياما وزكاة وحجا) تتحقق بها للمسلم غايات عاجلة فضلا عن الغاية الآجلة التي هي الفوز بالجنة ورضوان الله، إن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما يشبه الصلاة بالنهر الجاري على باب احدنا هو فعلا وان كان تشبيها مجازيا ولكن حقيقة أن الوضوء خمس مرات أو اقل قليلا من ذلك لا تبقى معه في المسلم أوساخ (وان كنتم جنبا فاطهروا) هذه دعوة للغسل من الجنابة الناتجة عن الاحتلام أو المباشرة للزوجة أو بالنسبة للمرأة الخروج من الحيض والنفاس فوجود الماء وسلامة البدن توجب على المسلم الجنب أن يغتسل. ويستحب له أن يغتسل لصلاة الجمعة ولصلاة العيدين وان يتطيب والرسول عليه الصلاة والسلام يقول (حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة). دم الحيض فيه أذى ولذلك أمر الإسلام المسلم اعتزال مباشرة زوجته أيام حيضها حيث يقول جل من قائل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222. والطهارة لا تقتصر في الإسلام على طهارة البدن بل تتعداها إلى طهارة الثوب الذي يلبسه الإنسان فلا بد فيه من مراعاة النظافة والجمال أيضا حسب الطاقة والإمكانية. يقول جل من قائل لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم (يا أيها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر) المدثر4 إنها دعوة لنا معاشر المسلمين كي نعتني بالهندام ونتفقده فنزيل أوساخه ونطهره فيكون مظهر المسلم مظهرا مرغبا لا منفرا ولذلك يستحب للمسلم وهو يسعى إلى الصلاة يوم الجمعة أو يومي العيد أو في سائر أوقاته أن يرتدي أحسن ما عنده وان يحتفي يما يعتزم القيام به من عبادة وطاعة، انه ضيف من ضيوف الرحمان وإذا قصد الإنسان مضيفا فانه يحرص عادة على ارتداء أحسن ما عنده وذلك مظهر من مظاهر شكر المنعم شكر حال لا شكر لسان شكر باطن لا شكر ظاهر. وليس من الخيلاء ولا من العجب أن يأخذ المسلم زينته ويحسن ملبسه فقد أباح الله للمسلم ذلك وأكد الرسول عليه الصلاة والسلام (إن الله جميل يحب الجمال والكبر غمط الحق) وصدق الله العظيم حين قال (يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد) واخذ الزينة لا يكون إلا بالنظافة البدنية ونظافة الثوب جعل الإسلام الطهارة والنظافة من وسائل تحقيق العبادات والقربات التي ترضي الله سبحانه وتعالى فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملا الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم واخرج الشيخان وغيرهما انه صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى انه كبير أما احدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله) إن الإسلام يدعو إلى تحقيق النظافة ويحاسب عليها المسلم، نظافة البدن ونظافة الملبس ونظافة موضع العبادة فلا تصح إلا في مكان لا نجاسة فيه ونظافة المأكل فقد حرم الإسلام على المسلم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وكلها قذارات وأوساخ (حرمت عليكم المميتة والدم ولحم الخنزير) ونظافة الإناء الذي يستعمله المسلم بحيث إذا ولغ الكلب مثلا في إناء احد فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب) وطهارة المعدة بالصوم الواجب. كما اوجب الإسلام على المسلم الطهارة للطواف حجا أو عمرة أو تنفلا أو لمس المصحف.