الموجبات الصحية واللوجستيكية والشرعية لتحديد عدد الحجيج لهذا العام 1441 هـ / 2020 م
كتب محمد صلاح الدين المستاوي
كما كان متوقعا أعلنت وزارة الحج في المملكة العربية السعودية ان موسم حج لهذا العام سيكون بعدد محدود مقتصرا على حجاج من داخل المملكة العربية السعودية من السعوديين ومن المقيمين، وهو قرار كان متوقعا نظرا لما لاتزال عليه حالة وباء الكورونا في المملكة وفي الحجاز بالخصوص وفي كل منطقة شمال افريقيا وبقية بلدان العالم وما تقتضيه هذه الظروف الاستثنائية من مواصلة توخي كل الاحتياطات من حجر صحي وتباعد اجتماعي وهو الأمر الذي لايمكن ضمانه باعداد الحجيج الكبيرة التي تشد الرحال إلى البقاع المقدسة والقادمين من كل انحاء العالم وهم بالملايين يجتمعون في ايام معدودة وفي مساحة محددة هي مكة وعرفات ومنى.
الأمر الذي يكاد يستحيل معه الالتزام بالضوابط الصحية التي تقتضيها الوقاية من عدوى الاصابة بالكورونا يضاف إلى ذلك انه الى حد الان لم يقع التوصل إلى انتاج لقاح يحصن ضد هذه الجائحة رغم الجهود المبذولة في مخابر مختلف البلدان المتقدمة وحتى السائرة في طريق التقدم.فالمخاطر حقيقية وفعلية وامكانية الانتكاسة واردة و يتوقع لاقدر الله ان تكون هناك هجمة اخرى لوباء الكورونا.
كل هذه عوامل لابد من وضعها في عين الاعتبار ولاشك ان السلطات في المملكة العربية السعودية قد راعتها ولم تتخذ قرارها بجعل الحج يكون هذا العام باعداد محدودة ومقتصرا على عدد محدد من السعوديين والمقيمين .
ولاشك ان الاطراف ذات الصلة بهذا الشا ن سواء منها الجهات الصحية والعلمية وهي الاصل والا ساس في هذاالمجال وهي اهل الذكر التي لاينبغي اإن يحسم في الأمر قبل اخذ رايها عملا بقوله جل من قائل ( فاسا لوا اهل الذكر إن كنتم لاتعلمون) وكذلك كان يفعل صدر الامة الصالح فقد كانوا في عهد الخلفاء الراشدين لايفصلون في أمر ولايتخذون قرارا في أي شان من شؤون المسلمين قبل سؤال اهل الذكر ومما اثر في هذا السياق ان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه سال عن البحر وكان يهم بارسال جند للفتح في بلاد الروم ( وبينه وبينهم البحر) فقيل له ياامير المؤمنين ( البحر الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود) فامتنع رضي الله عنه عن ارسال الجند للفتح.
ولاشك ان السلطات السعودية قد استشارت اهل الذكر من العلماء ( الفقهاء ممثلا في هيئة كبار العلماء ومجمعي مكة وجدة للفقه الاسلامي) حول هذا القرار أي تحديد عدد الحجيج هذا العام والاقتصار فيه على عدد محدود من داخل المملكة ولاشك ان اجابة هذه الجهات العلمية والشرعية قد اعتبرت وراعت كل ما دعت إليه وامرت به تعاليم الاسلام السمحة في كتاب الله وفي سنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن (الضرر والضرار). و(الالقاء بالنفس إلى التهلكة ). وان الله (لم يجعل في دين الله من حرج). وان ( الله يريد لعباده اليسر ولايريد بهم العسر) وان (الضرريزال) وان (الضرورات تبيح المحضورات). وان الأخذ بالاسباب واجب على المسلم. من وقاية بما في ذلك الحجر الصحي حتى بالنسبة للحيوان فقال (لايورد ممرض على مصح) فمابا لك بالانسان اكرم الموجودات فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج من الأرض التي فيها وباء أو السفر إلى بلد فيه وباءوكذلك قوله عليه الصلاة والسلام( إن الله خلق الداء وخلق الدواء الا فتداووا ياعباد الله) والشريعة الاسلامية مبنية على كليات خمس (المحافظة على الاديان والابدان والعقول والاعراض والاموال) .
واذا تعارضت كلية المحافظة على الاديان مع كلية المحافظة على الابدان فانه يحافظ على الاديان رحمة من الله لعباده وتندرج تحت ذلك كل الرخص الشرعية تحت الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام( إن الله يحب إن تؤتى رخصه كما يحب إن تؤتى عزائمه).
ولاشك إن كل هذه النصوص والقواعد كانت حاضرة ووقعت مراعاتها من طرف الجهات العلمية الدينية والتي لاشك ان السلطات السعودية قد عادت إليها واستشارتها قبل ان تتخذ قرارها بتحديد عدد حجاج هذا العام1441ه/2020م وجعله مقتصرا على عدد محدود من المواطنين السعوديين وعدد من المقيمين.
ان قرار تحديد عدد الحجيج لهذا العام اقتضته الجوانب اللوجستكية( المادية والبشرية والزمانية) فليس بيننا وبين موسم الحج الا شهر أو اقل وفي مثل هذا الوقت من كل عام ( قبل شهر من الموسم الفعلي للحج) تكون افواج قد بدات في القدوم إلى البقاع المقدسة أي ان كل الاعداد المادي من كراء محلات السكن والتعاقد مع وسائل النقل من خارج المملكة وداخلها قد تمت وانتهت. فمن اين وكيف يتم ذلك لحجيج ياتون بمئات الالاف من كل انحاء العالم إن ذلك عمليا مستحيل.
أضف إلى ذلك ان كل البلاد الاسلامية وبلدان اقامة المسلمين لاتزال تعيش في ظروف جائحة الكورونا تحدد كل مظاهر التحرك على مواطنيها والمقيمين فيها وتلزمهم بالحجر الصحي وكل ما يستلزمه من احتياطات وقد قررت البعض منها تعليق الحج بالنسبة لمواطنيها(اندونيسيا . ماليزيا .ايران وغيرها) وذلك قبل صدور قرار سلطات المملكة العربية السعودية بتحديد عدد الحجيج لهذا العام.
واتصور ان هذا القرار الذي اعلنته وزارة الحج قد اتخذته مضطرة مراعية لاحوال المسلمين في درء للضرر عنهم وإلا فان هذا الموسم وهذه الشعيرة الحج إلى بيت الله الحرام والتي لاتمارس الا في بلاد الحرمين و قد اضطرت إلى تحديد عددالحجيج هو قرار صعب فحفاوة المملكة بحجيج بيت الله الحرام وعنايتها بخدمةهم هو عمل تتشرف به وتباهي به وتفاخر به ولكن ماذا عساها تفعل وخطر جائحة الكورونا لايزال يتهدد الجميع.
فعسى ان يستجيب الله دعاء من سيسر لهم الله الحج هذا العام من داخل المملكة ممن سيطوفون بالبيت وسيسعون بين الصفا والمروة ومن سيقفون على عرفات ومن سيرمون الجمرات في منى عسى الله ان يستجيب لدعائهم وضراعاتهم في ايام الحج في تلك البقاع المقدسة فيكشف عن الامة وعن كل الانسانية هذا الكرب العظيم ويعافيهم من وباء الكورونا ويعيد شعيرة الحج إلى معتادها في العام القادم انه سبحانه وتعالى سميع مجيب له.
