ميدان العمل (3)
استحكام الدين:
قد نص القرآن على أن الله تعالى قد أكمل لنا دينه وأتم علينا نعمته ورضى لنا الإسلام دينا إلى يوم القيامة. وقد أضاف الله تعالى إلى إعلانه هذا قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون ) المائدة: 35 .
قد نزلت هذه الآية في التاسع من ذي الحجة، وتبعها حدث وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بحوالي شهرين ونصف. لذا فإن كلمة " اليوم " تحمل ثقلا عظيما، فهي مؤشر صريح على أن القرآن يمثل حدا فاصلا بين دورين من أدوار الدين، أي أن دورا جديدا قد بدأ بعد نزول القرآن. إذا كان الدور الماضي دور (تخشوهم) فالآن قد ولى هذا الدور وجاء دور (اخشون) وإذا كان الدور في الماضي دور غلبة الكفر فالدور الحالي هو دور غلبة الدين الإلهي. والقرآن قد أحكم دين الله وأكمله بصورة نهائية. ويتضح من الآية أن القلق والمخاوف إنما تنحصر في سؤال واحد وهو: هل ما زالت خشية الله باقية لدى أهل الإيمان؟ فمهما كانت ضخامة وقوة العدو، وكبر حجمها فإنها لا تمثل أية خطورة بالنسبة للمؤمنين وهي عاجزة عن إلحاق أي ضرر بهم.
ولا يقصد بالغلبة والاستحكام الديني الغلبة والاستحكام على المستوى السياسي. فالغلبة السياسية تحصل حينا وتزول حينا آخر، لذا يقتضي أن تكون الغلبة المقصودة هي الغلبة التي تبقى دوما بغض النظر عن الزمان والمكان. ألا وهي الغلبة الفكرية. إن هذه الغلبة تكون للقرآن والدين الكامل ولا تنفك عنهما دوما. والمراد بتكميل القرآن خلق تلك الأوضاع التي تضمن حفظه إلى يوم القيامة، حيث أحدث القرآن انقلابا كانت حصيلته إنهاء بيئة الاضطهاد والقهر الديني، التي حصل الإنسان بواسطتها على حقه في إبداء آرائه بحرية كاملة. وهكذا فتح هذا الانقلاب الباب على مصراعيه أمام التقدم والتطور العلمي الذي دلل على مصداقية الدين على ضوء مقاييس المعرفة الإنسانية. وحين يتحقق كل هذا يتزود دين الله بقوة هائلة ويتمتع بصفة الخلود الأبدي ويصبح محفوظا للأبد. وحين يصبح الدين محفوظا وخالدا، فهو حينئذ يملك قوة هائلة ترد عنه " مكر الماكرين وتدفع عنه كيد الكائدين.