الاستعداد لاستقبال رمضان في باريس
تشهد باريس و ضواحيها هذه الايام حركية و حيوية يلاحضها كل من تتهيأ له فرصة التجوال في احيائها التي تسكنها الجالية المسلمة ذات الاصول المغاربية و الافريقية. اذ تعيش هذه الاحياء توسعا في الانشطة الدينية و تشييد المساجد و المصليات التي تعد اليوم بالعشرات وليست كما كانت عليه قبل عقود مجرد مستودعات او طوابق في عمارات، انها اليوم مساجد و جوامع تتسع للالاف تكتض بالمصلين خصوصا في صلاة الجمعة و في صلاة القيام في رمضان و في العيدين. و هي مساجد بعضها انتهت اشغاله و البعض الاخر في طور البناء في كل الاحياء بل و في الحي الواحد و تجتهد الجالية من خلال الجمعيات الدينية في جمع التبرعات من اجل انجازها و تجد من السلطات الفرنسية المحلية و الجهوية كل التفهم و تقدم البعض منها المساعدات في اطار تسليمها بحق مواطنيها في ممارسة شعائرهم في اماكن لائقة و لكن ايضا مرئية غير مخفية في الدهاليز كما كان الحال سابقا.
لقد تهيأ لي ان اكون في الايام الاخيرة من شهر شعبان في مدينة باريس لمواكبة بعض الانشطة التي انتظمت بمبادرة من بعض الجمعيات و الهيأت و الزوايا و الطرق الصوفية التي اصبح حضورها بارزا في مختلف المدن و الاحياء .
ففضلا عن ما اعتدت القيام به في كل رحلة من رحلاتي الى الديار الفرنسية من القاء سلسلة من الدروس في المساجد و الجوامع المعروفة كمسجد عمر و مسجد علي و غيرهما في كل من كورون و فوبور سان دني اثر صلاة العصر و اثر صلاة المغرب و كانت هذه الدروس من وحي الاستعداد لشهر رمضان شهر الصيام و القيام.
فقد اديت صحبة السيد البكاي مرزاق زيارات لعدد من المساجد التي هي بصدد اتمام اخر اللمسات من ناحية التأثيث و الصيانة و العمارة مثل مسجد حمزة في بونتان و المركز الاسلامي الكبير في منطقة كليشي و المتكون من قاعات فسيحة لصلوات الخمس و الجمعة و التراويح و قاعات عديدة للتعليم بمختلف مستوياته و كذلك مسجد بلال الكبير بسان دني .
و السلطات الفرنسية المحلية لا تسمح باستعمال هذه المساجد الجديدة الا بعد ان تستوفى كل شروط السلامة و النظافة و غيرها.
و تحرص هذه الايام الجمعيات المشرفة على هذه المعالم ان تنال التراخيص اللازمة لتستقبل المئات بل الالاف من روادها الذين يتكثف حضورهم في شهر رمضان في بيوت الله يؤدون صلواتهم الخمس و صلاة القيام و يتناول الكثير منهم وجبة الافطار التي يتنافس المحسنون في الانفاق عليها بسخاء، في سنة حميدة تتوسع سنة بعد اخرى يستفيد منها ضعاف الحال بالخصوص.
و تغتنم الايام التي تسبق حلول شهر رمضام لتنظيم لقاءات روحية تتمثل فب مجالس ذكر و سماع و مذاكرة و قد حضرت اللقاء الذي انتظم في أوني مع السادة الخرشيدية الشاذلية بقيادة الاستاذ عبد الله بنو و السادة المدنية بقيادة الدكتور نجم الدين خلف الله و السادة اتباع الحبيب عمر بقيادة السيد بن سعيد و السادة الذاكرين المادحين من جزر القمر و السادة الشاذلية المحمدية بقيادة الدكتور محمد عبد السلام و كان لقاء روحيا تجسمت فيه معاني المحبة و الصفاء و الاخاء الخالص الصادق.
كما حضرت مع السادة المدنية و السادة الخرشيدية مع مجموعة من خيرة الشباب المسلم الذاكر السالك المجتهد في التزكبة الروحية و القلبية و هي لقاءات تنتظم في ليلتي السبت و الاحد في نهاية كل اسبوع.
و التقيت في الايام التي قضيتها في باريس مع الاستاذ صالح العود مدير مركز و مدرسة التربية الاسلامية و صاحب الانشطة المتنوعة المتمثلة في القاء الدروس و الخطب الجمعية و تأليف الكتب الدينية لتلاميذ المدارس و المعاهد و الكتب المتطرقة لمختلف جوانب الثقافة الاسلامية.
و حضرت جانبا من اللقاء الذي نظمته بمقر اليونسكو جمعية الطريقة العلاوية في اطار المشروع الذي تقدمت به الى منظمة الامم المتحدة من اجل تخصيص يوم عالمي للتعايش و قد مضت في هذا المشروع اشواطا كبيرة حيث لاقى هذا المقترح الذي بادر به الشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية ترحيبا و دعما كبيرين من طرف الهيات و المنظمات و الجمعيات من اتباع مختلف الديانات.
و كالعادة دعتني الجمعية الدينية التي تشرف على جامع الاصلاح الواقع في منطقة مونتراي لالقاء خطبة الجمعة و كان موضوعها من وحي الاستعداد لاستقبال شهر رمضان بينت فيها ما في الصيام من حكم و اسرار و ما اعده الله للصائمين و القائمين به بصدق و اخلاص من عظيم الاجر و جزيل الثواب و ذكرت بما يقتضيه اداء هذه الشعيرة من اداب حتى لا يكون الصائم ليس له من صومه الا الجوع و العطش، و هذه المعاني هي التي ركزت عليها في سلسلة الدروس التي القيتها و جمعتني برواد المساجد (عمر و علي و غيرهما) .
و في الخلاصة ان الاستعداد لشهر رمضان في فرنسا و في باريس بالذات هو على قدم و ساق و يتم بتجرد و اخلاص و تلقائية من طرف القائمين على المساجد و اخوتهم من رواد تلك المساجد اذ يعتبر كل واحد منهم انه يتحمل مسؤولية في خدمة الدين في مجتمع الدين و شعائره و معالمه يتحملها المؤمنون و يقتصر دور السلطات بمختلف درجاتها على الاحاطة و الاشراف و الحرص على تطبيق القانون.
ان رمضان في اوروبا و في فرنسا بالذات له نكهة خاصة و لاجوائه الروحانية القوية حلاوة قد لا نجدها في ديار الاسلام.