خطبة الجمعة بجامع الإصلاح بمونتراي فرنسا Montreuil France 26 رمضان 1437 ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي

خطبة الجمعة بجامع الإصلاح بمونتراي فرنسا Montreuil France 26 رمضان 1437 ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي


         "الحمد لله المعروف بدليله الهادي الى سبيله الصادق في قيله، المشكور على كثير الانعام وقليله أحمده على فضله الشامل وأشكره على إحسانه الكامل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ظهر نورها ولاح، وأشرق هداها في المساء والصباح وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين وأخرج به الناس من ظلمات الجهالة الى نور العلم والهداية، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيل الايمان والاستقامة"

          اما بعد أيها المسلمون ها نحن نشارف على نهاية شهر رمضان المبارك وقد كنا قبل أسابيع قلائل نتهيأ لاستقباله فيا له من شهر عظيم كثير البركات غزير الرحمات تكرم وتفضل به الله علينا ليضاعف لنا الحسنات ويملأ صحائفنا بالطاعات فما أكرمه من رب رحيم، وفقنا الله- وله الفضل وحده- فصمنا نهاره وقمنا لياليه متشبهين بملائكة الله المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، جعل الله اول هذا الشهر المبارك رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقا من النار صفد الله بدخوله مردة الشياطين واطلق ملائكته المقربين يغشون المؤمنين ويحفون مجالس الذكر في بيوت الله بالسكينة والطمأنينة جعل الله فيه الفريضة بسبعين فريضة والخصلة من خصال الخير يؤديها المؤمن في شهر رمضان كأنما أدى فريضة ومن فطر صائما حتى على حبة تمر أو مذقة لبن أو جرعة ماء له أجر ذلك الصائم لا ينقص من أجر الصائم شيئا كل ذلك لكي لا يحرم أحدا من عباده من تحصيل الأجر ونيل الثواب من الرب الكريم الذي يجازي على العمل القليل بالثواب العظيم

          أيام وليال قضيناها طيلة هذا الشهر المبارك ونحن نتنافس ونتسابق الى فعل الخيرات نسعى مسارعين الى بيوت الله نشهد فيها صلوات الجماعة ونرابط فيها الى ساعات متأخرة من الليل في قيام بالقرآن الكريم يرتل علينا ترتيلا ونندفع بكل تلقائية ومحبة وإخلاص لمواساة إخواننا ممن أحوجتهم الحياة فنتقاسم معهم القليل مما يبارك فيه الله ونجده في صحائفنا يوم القيامة في الدار الآخرة وفي هذه الدار العاجلة صدقات خالصة لوجه الله الكريم لا نبتغي من ورائها جزاء ولا شكورا متمثلين بقوله جل من قائل (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الاسوة الذي كان كريما وكان أكرم ما يكون في شهر رمضان كان كالريح المرسلة ينال خيره القريب والبعيد برحمة جبل عليها (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) وكيف لا، والله يقول في حقه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وجعله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وقال في سياق المنة على هذه الامة (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) هدانا به الله الى الصراط المستقيم والمنهج القويم والمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، جعل الله امته خير أمة أخرجت للناس في وسطية واعتدال لا إفراط في تعاليم دينها ولا تفريط ولا ضرر ولا ضرار ولكن توازن وسماحة ورفق ولين جمع الله للمسلمين في رسالة الاسلام وهدي سيد الأنام عليه الصلاة والسلام بين خيري الدنيا والآخرة فقال جل من قائل (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) خلق عباده لغاية لا عبث فيها وقال لهم مخاطبا عباده (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما اريد أن يطعمون) حتى إذا أدى عباد الله المؤمنون ما فرض الله عليهم وهو حقه سبحانه وتعالى انصرفوا الى شؤون حياتهم الدنيا يتنعمون بما وهبهم الله وما سخره لهم (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله) لا يحرمون ما أحل لهم من الطيبات (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) يتنعمون بما تكرم به ربهم عليهم شاكرين له ليزيدهم من فضله، (ولئن شكرتم لأزيدنكم) ذلك هو حال المؤمنين مع ربهم يطيعونه فيبادرون الى اوامره وما فرضه عليهم يؤدونه على أحسن الوجوه واتمها وهل هي إلا خمس صلوات في اليوم والليلة يقيمونها على احسن الوجوه وأتمها وأصوبها وأخلصها والله لا يقبل من العمل إلا أصوبه وأخلصه تقربهم صلواتهم من ربهم زلفى وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد (فاسجد واقترب) فيدعونه تضرعا رهبة ورغبة وهو القائل (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وصيام شهر رمضان الذي كتبه الله عليهم كما كتبه على الذين من قبلهم لعلهم يتقون (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) وحج بيت الله الحرام (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) وأداء زكاة أموالهم عندما تبلغ النصاب ويحول عليها الحول (الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، هذه أوامر الاسلام وأركانه التي لا يقوم صرح الاسلام إلا بها (وما تقرب الي عبدي بأفضل مما افترضته عليه) وانتهاء عن كل الفواحش ما ظهر منها وما بطن ذلك هو دين الاسلام العظيم، الدين عند الله، الدين الذي رضيه الله لعباده وتكرم به عليهم أكمله الله واتمه ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يتلو قول ربه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وأشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على ذلك وقال (أ لا هل بلغت اللهم فاشهد ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)

          لقد بلغت يا رسول الله واديت الأمانة وتركت الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وتركت في الأمة ما إن تمسكت بهما أمة الاسلام فلن تضل بعد ذلك أبدا كتاب الله وسنة رسوله عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ستكون فتن (أي من بعده) كقطع الليل المظلم قلت يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله تبارك وتعالي فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن اتبع الهدى من غيره أضله الله فهو حبل الله المتين ونوره المبين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الاهواء ولا تلتبس به الالسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الاتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن اذ سمعته ان قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا) من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا اليه هدي الى صراط مستقيم) لفظ الدارمي وخرجه الترمذي. وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن هو حبل الله المتين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن رد فأتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ثلاثون حسنة ولا ألفين أحدكم واضعا إحدى رجليه على الأخرى يدع أن يقرأ سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصفر البيوت لبيت أصفر من كتاب الله) يقول الرب تبارك وتعالى من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين وقال: فضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه (من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت) (من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة ومن اعطى ثلث القرآن فقد أعطى ثلث النبوة ومن قرأ القرآن كله فقد أعطى النبوة كلها غير أنه لا يوحى إليه ويقال له يوم القيامة اقرأ وارق فيقرأ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه من القرآن ويقال له اقبض فيقبض ثم يقال له أتدري ما معك في يديك فإذا في يده اليمنى الخلد وفي يده اليسرى النعيم) ذلك هو القرآن الذي نودع شهره المبارك (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) المعجزة الخالدة التي تتحدى الانس والجان لياتوا بمثل سورة منه أو عشر آيات وما استطاعوا ولن يستطيعوا، كلام الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تعهد الله بحفظه فقال جل من قائل في حقه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) انزله الله في ليلة مباركة خير من ألف شهر (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) الليلة الهدية للامة المحمدية، ليلة التجلي بالرحمات تتنزل فيها الملائكة يغشون المؤمنين بالسكينة والطمأنينة، ليلة سلام من الله الذي هو السلام، تحية مباركة من عند الله لعباد الله، لأمة الصيام والقيام بالقرآن ينورون به مساجدهم وبيوتهم ويتخلقون بأخلاقه فهم بذلك أهل الله وخاصته وأفضل خلقه ينظر الله إليهم ومن نظر الله اليه لا يعذبه أبدا يعفو عن خطاياهم وزلاتهم ويرفع درجاتهم ويعتق رقابهم ويدخلهم جنات النعيم

          عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.



الكلمات الشائعة القرآن الصيام رمضان شهر مأدبة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.